باب المخاوف هو في كثرة طباخي الرئيس في لبنان و هناك مثل لبناني يقول كثرة الطباخين تحرق الطبخة. فالامريكي يريد حصته من الرئيس العتيد والايراني ايضا يتطلع الى اسهم فيه وكذلك السوري الذي يعتبر انه معني اكثر من غيره باختيار الرئيس اللبناني نظرا لعلاقات التاريخ والجغرافيا والسياسة بين البلدين. وهناك ايضا الامم المتحدة التي طالبت في قرارها الاممي 1559 انتخاب رئيس للبنان وفق الاصول الدستورية.
لبنان الصغير بمساحته وعدد سكانه شاغل الدنيا حاليا برئيسه العتيد المنتظر. فبيروت باتت محج الوفود والمبعوثين من كل حدب وصوب وكلها على اجندتها بند واحد من هو الرئيس؟ ويقود هذا الاهتمام الدولي والاقليمي ببلد صغير كلبنان الى القول والتساؤل هل رئيس جمهوريته هو صناعة لبنانية ام ان السؤال يبقى طاغيا من يحدد الرئيس في لبنان بعد أن تأجل اجتماع مجلس النواب اللبناني إلى 12 نوفمبر القادم؟ منذ الاستقلال اللبناني عن فرنسا في عام 1943 لم يدخل لبنان في تجربة كالتي يعيشها الان على الرغم من ظروف سياسية وامنية قاسية عاشها سابقا لكنها انتهت بتسوية ابقت الكيان اللبناني على قيد الحياة . فيما اليوم المشهد يبدو قاتما والخوف مرتفعا الى حده الاقصى على خلفية يبقى او لا يبقى لبنان موحدا مستقرا.
وكلما تعقدت الامور وابتعد اللبنانيون عن الوفاق والحل كان السؤال من يصنع الرئيس في لبنان؟ ومن سيصنعونه حاليا وعلى اي اسس؟ سؤال طرح نفسه مع كل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الا ان صده الان اقوى بكثير من السابق فاللبنايون على خلاف حول هويته ودوره والمطلوب منه واللاعبون الاقليميون والدوليون مختلفون ومنقسمون فكل منهم لديه تصورات للرئيس المقبل حتى في شخصيته ضعيفة ام قوية. وينتفي العجب عندما يقف المرء على سر هذا الاهتمام الكبير بلبنان الصغير فهو بلد اقليمي ودولي مع ان المعايير التي تحدد الدولة الاقليمية غير متوافرة فيه فلا مساحته كبيرة ولاعدد سكانه كبير لكن لديه ميزة واحدة ضاربة في التاريخ وكان وما يزال محط انظار الطامعين به واللاعبين على ارضه نظرا لخصوصية الجيو سياسية التي يمتلكها وتجعله مصدر توتر او منبع استقرار وسلام اقليمي ودولي. فلبنان هو في قلب الصراع العربي الاسرائيلي لا بل الجبهة العربية المفتوحة في وجه اسرائيل وهو واحد من مثلث الاحزان كما يقال فهو نازف ومهدد كل لحظة شأنه شأن فلسطين والعراق وان كان اليوم يعيش هدنة امنية.
وهو ايضا البوابة المتوسطية على المشرق العربي وهو فوق ذلك يختزن بذور الفتن الطائفية والمذهبية فاذا انفجر صاعقها على ارضه انفجرت المنطقة ككل لذلك الكل يتطلع اليوم وكل لحظة الى حماية السلم الاهلي في لبنان. وبين الماضي اللبناني والواقع الحالي ثمة مشهد يكرر صوره فرئيس لبنان الاول بعد الاستقلال بشارة الخوري كان محط تجاذب بين الانجليز والفرنسيين لكن استطاع الانجليز كسب المعركة واتوا به رئيسا للجمهورية في مواجهة مرشح الفرنسيين اميل اده .
لكن الخوري الذي حمله البريطانيون الى سدة الرئاسة اضطر للاستقالة في العام 1952 قبل اتمام ولايته المحددة تحت ضغط كميل شمعون الذي كان يلقب بفتى العروبة الاغر ويستند الى دعم متعدد الجهات الاقليمية والدولية واطاح شمعون بالخوري بثورة بيضاء في مواجهة الزعيم الوطني اللبناني حميد فرنجية وبعدما ابقى قائد الجيش فؤاد شهاب جيشه على الحياد. لكن شمعون الذي وصل الى الحكم بثورة بيضاء اطاحت به ثورة حمراء في العام 1958 بعدما ايد حلف بغداد وانقلب على لقبه فتى العروبة الاغر واستعان بالمارينز على شواطئ بيروت للجم ثورة اهلية مسلحة اندلعت بين المسلمين والمسيحيين لمدة ستة اشهر بعدما حاول شمعون ربط لبنان باحلاف غربية امريكية ومديرا ظهره للرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان يتمتع بنفوذ معنوي وسياسي في لبنان.
وانتهت الثورة الاهلية بتسوية مصرية امريكية حملت قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب الى الرئاسة. وقد عرف لبنان بعهد شهاب ثورة في انشاء مؤسسات الدولة الحديثة وحافظ شهاب على التوازن في علاقاته مع مصر الناصرية والولايات المتحدة. وسلم شهاب الرئاسة الى الشهابي شارل الحلو الذي بدأ عهده يهتز لاسيما بعد حرب 1976 حيث ازدادت التدخلات الاجنبية في لبنان ولا سيما العامل الفلسطيني وبدأ لبنان يتنازل بالقوة عن سيادته لاسيما بعد توقيع اتفاقية القاهرة بين منظمة التحرير و الجيش اللبناني برعاية الرئيس عبد الناصر عام 1996 والتي اجازت للفلسطينيين السيطرة على اراض لبنانية ينطلقون منها لتنفيذ عمليات ضد اسرائيل واذا كان انتخاب سليمان فرنجية جاء فلتة شوط في غفلة عن التدخلات الخارجية بحيث كان العامل المصري يتلاشى في لبنان بعد موت الرئيس جمال عبد الناصر والعامل السوري يظهر شيئا فشيئا فان العامل الدولي ولاسيما الامريكي كان منهمكا بما هو اكبر من لبنان. ولذلك انتخب فرنجية بأغلبية صوت واحد على منافسه الياس سركيس. ولكن عهد فرنجية لم يكن مستقرا بسبب تزايد العمل الفلسطيني وكذلك العامل السوري بقيادة الرئيس السوري الاسبق نور الدين الاتاسي ومع مجئ حافظ الاسد الى الحكم بدأ الاسد يبلور العلاقة مع لبنان على قاعدة شعب واحد في دولتين مع الحرص على التغلغل اكثر فاكثر بالقرار السياسي اللبناني. وقد تزامن ذلك مع فرصة ذهبية للسوريين لم يكونوا يحلموا فيها من قبل هي دخول جيشهم في عام 1976 الى لبنان تحت لافتة قوات الردع العربية لوقف الحرب الاهلية اللبنانية التي اندلعت عام .1975 وافسح الدخول العسكري السوري في المجال لدمشق بالتصرف على انها ان لم تكن صاحبة القرار في لبنان فانها في مقدمة صانعيه. وقد تبلور ذلك في ايصال إلياس سركيس الى سدة الرئاسة الاولى حيث انتخب تحت الحراب السورية وسط انقسام لبناني حاد واشرفت القوات السورية على نقل النواب والوقوف بوجه القوات اليسارية المعارضة له. وتحول سركيس نتيجة الظروف السائدة الى مدير للازمة ولم يمض كثيرا في التوجهات السورية التي عارضها كثيرا مما ادى لتوتر علاقته مع دمشق. وكان سركيس يحكم فقط في قصر بعبدا بينما التنظيمات والجيوش موزعة على مختلف الاراضي اللبنانية. وجاء الاسرائيلييون عام 1982 في اجتياح عسكري واسع الى بيروت وعينهم على الرئاسة حيث اوصلوا بشير الجميل اليها وكان الهدف من ذلك حمل الجميل على توقيع معاهدة سلام مع ا.سرائيل لكن الجميل قال لمناحيم بيجن في نهاريا الان اصبح الوضع مختلفا فانا رئيس لكل لبنان ولا يمكن ان انفرد بتوقيع معاهدة مع اسرائيل. ولم يتسلم بشير سلطاته لانه قتل بانفجار بعد 71 يوما على انتخابه . بعد مقتل بشير انتخب شقيقه امين بقبول اسرائيلي سوري - امريكي لكنه لم يستطع نشل لبنان من مما يتحبط به ولذلك اطلق على عهده مغامرة الانقاذ لكن لبنان غرق اكثر في الصراعات المحلية والدولية وكان مطلوبا منه اكثر من طاقته اتفاق امني مع اسرائيل يسلم بدور حيوي لها في لبنان ويمنع حتى على لبنان تسمية افراد جيشه الذين سيرسلهم الى الجنوب وبلغ الخلاف الاقليمي حول لبنان حده في اواخر عهد امين وهذا ما افشل اكثر من مؤتمر حوار لبناني - لبناني وسط امساك السوريين اكثر واكثر برقاب القرار اللبناني حتى اذا جاءت اللحظة المناسبة بعد دخول صدام الى الكويت والحاجة الامريكية الى تحالف دولي لتغطية حرب الحليج الاولى كان السوريون على استعداد للدخول في هذا التحالف مقابل اطلاق يدهم في لبنان فانتخبوا الياس الهراوي بعد مقتل الرئيس رينيه معوض الذي حكم اقل من ثلاثة اسابيع وجاء الهراوي على صهوة الجواد السوري. وركب السوريون سلطة في لبنان موالية لهم وبعد تمديد لإلياس الهراوي وانتهاء ولايته انتخب السورييون اميل لحود رئيسا وكان التمديد له الشرارة التي اشعلت الازمة الحالية في لبنان والتي تتفاقم اكثر فاكثر على وقع الخوف من ان يكون الرئيس لحود اخر الرؤساء اللبنانيين بعدما تباعد اللبنانيون الى حد وجود صعوبة في تلاقيهم مرة اخرى في تسوية تنقذ لبنان مما هو فيه الان وفي انتخاب رئيس لهم وباب المخاوف هو في كثرة طباخي الرئيس في لبنان و هناك مثل لبناني يقول كثرة الطباخين تحرق الطبخة. فالامريكي يريد حصته من الرئيس العتيد والايراني ايضا يتطلع الى اسهم فيه وكذلك السوري الذي يعتبر انه معني اكثر من غيره باختيار الرئيس اللبناني نظرا لعلاقات التاريخ والجغرافيا والسياسة بين البلدين. وهناك ايضا الامم المتحدة التي طالبت في قرارها الاممي 1559 انتخاب رئيس للبنان وفق الاصول الدستورية.
فالرئيس العتيد عليه ان يحدد دور لبنان الاقليمي في الصراع العربي - الاسرائيلي والعلاقات مع سوريا وان يضع قرار السلم والحرب في يد الدولة اللبنانية اي بعبارة اوضح عليه ان يجد حلا لسلاح حزب الله. واللبنانيون على هذه الحال لا يريدون رئيسا عاديا وانما «سوبر مان» يجترح المعجزات والا تحول الى رئيس ادارة ازمة تبقي لبنان على خط الانفجار كلما تضاربت المصالح الاقليمية والدولية الفاعلة على ارضه. وكان الله في عون الرئيس اذا اتى في هذه الظروف والتعقيدات وهذه المطالب الثقيلة.
تعليقات: