«لن يعلم أحد بي إذا متّ هنا»، قال مواطن لبناني اتصل بـ«الأخبار» من إحدى زنازين سجن الحائر في السعودية، شاكياً «إهمال الدولة اللبنانية» له، بعد ستة أشهر قضاها في سجن «تصل الحرارة فيه صيفاً إلى 60 درجة»
هاجر جوزيف مخلوف منتصف عام 2006 إلى المملكة العربية السعودية على أمل تحسين وضعه المادي، تاركاً وراءه زوجته وابنته التي يبلغ عمرها ست سنوات. بعد تسعة أشهر من العمل، دخل جوزيف السجن بتهمة تزوير عقود العمل والاحتيال. اتصل جوزيف بـ«الأخبار» من داخل زنزانته في سجن الحائر بمنطقة الرياض، وروى تفاصيل ما جرى معه. يقول جوزيف إنه وقّع في بيروت عقد عمل مع شركة سليمان عبد العزيز الراجحي للتطوير العقاري في الرياض، عبر وسيط لبناني يدعى زياد خ. كان يعمل مديراً للتسويق والمبيعات في الشركة.
بعدها، ويوم 2062006، سافر إلى الرياض ليبدأ العمل في الشركة المذكورة، موظّفاً في قسم التسويق، تحت إشراف زياد. بعد أكثر من ثمانية أشهر، أتى إلى لبنان ليقضي العيد مع عائلته. وعند عودته إلى الرياض، تفاجأ بغياب زياد عن المكتب، تاركاً خلفه مشاكل إدارية ومالية. ويوم 1142007، فوجئ جوزيف بتوجيه تهمة تزوير عقد العمل الذي وقّعه، بعدما تبيّن أن زياد هرب من السعودية لصدور بلاغ بحث وتحرٍ بحقه.
قال جوزيف إنه أوقف بعد ذلك مدة 29 يوماً في مركز للشرطة، حيث «التعذيب الجسدي والقهر النفسي والعنصرية والخبيط». خلال التحقيق، وُجّهت إلى جوزيف تهم تزوير عقود إيجارات الشركة والسرقة والاحتيال، وهي تهم أنكرها، مشيراً إلى أنها ملفقة. وذكر لـ«الأخبار» أنه مُنع من إجراء أي اتصال، ولم يسمح له بتعيين محام. بعد مضي فترة التحقيق، نُقل إلى سجن الحائر في الرياض، حيث لا يزال موقوفاً.
«الناس عم تموت»
بعد نقله إلى السجن، تمكّن جوزيف من الحصول على هاتف خلوي «تهريب. الهاتف الذي يساوي 150 دولاراً في السعودية نحصل عليه بـ1500 دولار داخل السجن». وبواسطته، اتصل جوزيف بعائلته وبعدد من الجهات الرسمية، أوّلها السفارة اللبنانية في الرياض. تحدّث إلى موظّف رفيع في السفارة، أخبره أن صاحب الشركة شخص نافذ في البلاد، ووعده بملاحقة القضية. وبعد تعيين السفير الجديد اللواء مروان زين، عاود جوزيف الاتصال بالسفارة، التي زارها أحد أصدقائه، «لكنه لم يعد إلا بوعود».
اتصل جوريف أيضاً بوزارة الخارجية اللبنانية، حيث «كل موظّف يحوّلني عند آخر». وجاء الجواب من إحدى الموظفات: «ما في مصاري حتى نعيّنلك محامي». وذكر لـ«الأخبار» أن أحد الموظفين في الوزارة قال له لدى اتصاله في الفترة التي كانت تجري فيها معارك نهر البارد: «الناس عم تموت بلبنان، معليش إذا إنت بقيت بالحبس». وشدد جوزيف على أن مطلبه الوحيد هو المعونة القضائية لمتابعة الملف، لأن أوضاعه المالية لا تسمح له بتعيين محام في السعودية، وخاصة مع ارتفاع كلفة أتعاب المحامين في المملكة. وأضاف أنه لم يمثل أمام المحكمة بعد، ولا يعرف ماذا حل بملفه.
منذ نحو ثلاثة أشهر، توجهت زوجة جوزيف، سعاد، إلى رئاسة مجلس الوزراء بناءً على طلب زوجها، لتقدّم رسالة موجّهة منه إلى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة. وأمل مخلوف في الرسالة أن يبادر السنيورة «لإنقاذه وإعادته إلى عائلته بالطريقة التي يراها رئيس الحكومة مناسبة». ورأى أن الدعوى المقامة عليه من صاحب الشركة هي «كيدية، ولا تنتهي إلا بواسطة علاقاتكم (السنيورة) الطيبة مع المملكة».
وعن وضعه داخل السجن، قال الموقوف إن الحرارة تصل صيفاً إلى 60 درجة في غرفة لا تزيد مساحتها على 25 متراً مربّعاً، يعيش فيها أكثر من 20 سجيناً. أضاف جوزيف أن «الزيارة ممنوعة إلا لأفراد العائلة الذين لا يوجد أحد منهم في السعودية، والرسائل ممنوعة. الطعام في أسوأ المستويات، أما الطبابة، فلا يوجد إلا طبيب واحد مسؤول عن 5400 سجين، والأدوية غالباً ما تكون منتهية الصلاحية».
السفارة اللبنانية: نتابع القضية
وفي اتصال مع «الأخبار»، ذكر مصدر في السفارة اللبنانية في السعودية أن السفارة تتابع قضية مخلوف منذ مدة طويلة، والقضية أصبحت في محكمة التمييز العليا. وتابع المصدر أن السفير اللواء مروان زين، ومنذ وصوله إلى السعودية، يضع قضية مخلوف في أولوياته، وهو يسعى لتأمين محامٍ متبرّع من أبناء الجالية اللبنانية ليتابع القضية، وخاصة أن الأمر غير متيسّر لعدم وجود اعتمادات مالية لهذه الأمور.
وفي رد على ما يصفه مخلوف بأنه عنصرية مورست بحقه في فترة التحقيق، أكّد المصدر أن اللبنانيين في السعودية «لديهم سمعة مميزة، ويلقون معاملة خاصة من السلطات السعودية». ولدى سؤاله عن أوضاع السجن، قال المصدر: إنه سجن، والطقس في السعودية معروف، وأكيد لا يوجد فيه مكيّف. في المقابل، أكّد مخلوف في آخر اتصال له بـ«الأخبار» أن لا أحد من موظفي السفارة زاره في سجنه.
تعليقات: