مستشفى ميس الجبل الحكومي (كامل جابر)
بعد 15 عاماً من التحرير، وبرغم الانتشار الواسع للمستشفيات الحكومية والمراكز الصحية، في المنطقة الحدودية، يبقى الواقع الصحي والاستشفائي عنوانا يدلل إلى استمرار فقدان ثقة المواطن الجنوبي بدولته.
قد يسكت ابن المنطقة الحدودية على ضيم الحفر في الطرق الداخلية، أو على معضلة مياه الشرب والاستخدام والري، أو عن مشاكل الصرف الصحي، وغياب فرص العمل أو أسواق التصريف للإنتاج الزراعي والحرفي، لكنه مستعد لأن يدفع كل ما يملكه في سبيل حياته وحياة أي من أفراد عائلته.
مستشفى مرجعيون
انسحب العدو الإسرائيلي في أيار العام 2000 تاركاً المنطقة الحدودية تحت رحمة مستشفى حكومي وحيد، في مرجعيون، كان يخضع طوال فترة الاحتلال لسطوة «الإدارة المدنية». لكن التحرير لم يأتِ بالفرج الصحي والاستشفائي على سكان هذه المنطقة الذين كانوا يلجأون برغم الاحتلال وصعوبة الخروج من المنطقة المقفلة بالمعابر العسكرية والأمنية المتشددة، إلى المسشفيات خارج المنطقة المحتلة، فيما كان يلجأ البعض الآخر إلى مستشفيات العدو داخل فلسطين المحتلة.
مردّ ذلك الخلل هو مسارعة القوى السياسية إلى وضع مفاصل المنطقة الصحية والتربوية والاجتماعية والأمنية تحت قبضتها، ما أدخل مستشفى مرجعيون الحكومي في صراع مرير بين إدارة فاشلة عينتها القوى السياسية لتقبض على المستشفى وإدارتها وموظفيها، ومتطلبات المنطقة الصحية التي جاءت بالدرجة الثانية من حيث اهتمام القوى السياسية، فيما ظلّت الدولة ووزارتها الصحية غائبة، مسلمة أمر مواطنيها إلى هذه القوى وسلطتها و «سطوتها» أحياناً.
ولقد مرت أكثر من سنة قبل أن تكتشف هذه القوى السياسية مكمن الخلل وتتراجع عن «غيّها» فعيّنت إدارة جديدة (برئاسة الدكتور مؤنس كلاكش) تمكنت بعد سنوات قليلة من وضع يدها على مسارب الخلل وجعلت مسار المستشفى على السكّة المستقيمة، مغلقة أبواب الهدر والتوظيف العشوائي، مستحدثة أقساماً للعناية الفائقة والعمليات الجراحية والتمييل و «السكانر»، لكن بقيت مشكلة كبيرة لم تساعد المستشفى على توسيع تقديماته الصحية والاستشفائية، هي المبنى، الذي يصلح لأن يكون مركز مستوصف أكثر منه مستشفى واسع الاختصاصات، ومن الطبيعي أن ينمّ عن مبنى كهذا أسرّة استشفاء أقل وتقديمات طبية محدودة.
مستشفى ميس الجبل.. هدر وديون
بعد التحرير بأقل من سنة، سارع مجلس الجنوب إلى تشييد مبنى استشفائي على تلة عالية تشرف على بلدة ميس الجبل وجوارها. وقبل تجهيز البناء بالمعدات الطبية والأجهزة اللازمة سارعت القوى السياسية المهتمة بأمر مستشفى «ميس» إلى تحديد هويته «الحكومية» وتعيين مجلس إدارة (2003) بانتظار قيام دولة الكويت بإعادة تأهيل المبنى ومن ثم تجهيزه بالمعدات الطبية والكهربائية اللازمة.
وسارعت القوى السياسية بعد عدوان تموز 2006، إلى تعيين مدير للمستشفى لم يكن طبيباً، وفتحت باب التوظيف «السياسي» على مصراعيه. وقد ساهم سوء «الأمانة» والإدارة بانحراف المستشفى عن غايته الصحية والاستشفائية، ولم يطل الأمر حتى فاحت منه رائحة فضيحة مالية، تجاوزت الملياري ليرة لبنانية، لا سيما بعد تراكم ديونه وبقاء موظفيه والجسم الطبي فيه أشهراً متراكمة من دون رواتب ومستحقات مالية، ما جعلهم ينتفضون ويعتصمون ويهددون بإقفال أبوابه أكثر من مرة.
وصلت «سمعة» المستشفى إلى الشارع، بعد تراجع تقديماته الطبية والاستشفائية إلى أدنى من خمسين بالمئة. غادره عدد من الأطباء والاختصاصيين بعدما عجزوا عن تلقي مستحقاتهم المالية. انفض من حوله الباحثون عن الاستشفاء وراحوا يفتشون عن بدائل في المنطقة أو خارجها، وبعد فوات الأوان تنبهت القوى السياسية القابضة على إدارة المستشفى إلى ضرورة إقالة المدير وتعيين بديل منه، هو الطبيب أحمد فقيه، الذي يحاول جاهداً منذ نحو ستة أشهر إنقاذ المستشفى من محنته «المتشعبة»، المالية بالدرجة الأولى، وتوظيف مُبالغ به (نحو 120 موظفاً) فضلاً عن تراجع تقديماته وحاجته الملحة إلى استعادة الثقة به.
«ربما أثّر قيام مستشفى بنت جبيل الحكومي وتطور مستشفى تبين على مستشفى ميس الجبل، لكن ذلك لا يمنع أنّ من تسلم إدارة مستشفى ميس لم تكن لديه الخبرة الكافية في إدارة المستشفى ما أدى إلى وصول المستشفى إلى ما وصل إليه» يقول المدير الجديد الدكتور أحمد فقيه.
ويلفت الانتباه إلى «خطة باشرنا بتنفيذها بعد دراسة الأخطاء وسبل معالجتها وإعادة النظر في الاتفاقات المالية والتعاطي مع عدد من الشركات والسعي لتأمين المستلزمات وأفضل الخدمات والنوعية، وخلق نوع من التوازن بين النفقات والواردات (تبلغ نفقات المستشفى أكثر من 130 مليون ليرة في الشهر)، فضلاً عن تأمين رواتب للموظفين والتخلص من بعض الفائض في غير مكانه، وتأمين بديل لأماكن نحتاج إلى توظيف فيها. إلى خطة لإعادة ثقة المواطنين بالمستشفى؛ كنا نتوقع أن تأخذ الخطة نحو ستة أشهر، لكنها تحتاج إلى نحو سنة إضافية، مع العلم أننا بدأنا نلمس بعض التحسن».
لم يقبض موظف قسم الأشعة يونس حسن من بلدة عيترون راتبه منذ ثمانية أشهر مع شهرين إضافيين، أو يمكن القول إن له «بذمة مالية المستشفى أجرة عشرة أشهر تبلغ نحو 10 ملايين ليرة؛ عندي أربعة أولاد يتعلمون بمدارس خاصة، ولم أعد أجد من يقرضني أو يديّنني، حتى المصرف عندما يعلم أنك موظف في مستشفى ميس الجبل الحكومي يتمنع عن إقراضك».
ويأمل حسن أن تتمكن الإدارة الجديدة من إعادة تشغيل المستشفى «وأن تعيد لي مستحقاتي المالية، مع إدراكي أن ديون المستشفى كبيرة جداً».
مستشفى حاصبيا.. مناكفة وهدر
منذ تأسيسه في العام 2003 بدأت انطلاقة مستشفى حاصبيا الحكومي متعثرة واستمرت كذلك، إذ تحكّم التجاذب السياسي في الإدارة والتوظيف إلى أقصى الحدود.
عيّن له مجلس إدارة برئاسة الطبيب كمال النابلسي وعضوية الطبيبين عادل خماسي ولبيب أبو دهن. ومن الدكتور سليم ابراهيم كمفوض لدى الحكومة والدكتور حسام خير الدين كمدير إداري.
وكان المستشفى بحاجة ماسة الى صيانة وتجهيز وكان يخلو من الموظفين والتجهيزات، فجرى التعاون مع مجلس الإنماء والإعمار لتجهيزه بالكامل. وخضع المتقدمون الى الجهاز الإداري والتمريضي والطبي إلى مباريات مجلس الخدمة المدنية، ومع ذلك بقي المستشفى عاجزا عن تسديد رواتب الموظفين عدة أشهر، ما دفعهم عدة مرات إلى الاعتصام والتهديد بإقفاله، ما جعل وزير الصحة العامة الأسبق الدكتور محمد جواد خليفة يحمّل مجلس إدارة المستشفى الخلل ووصفه «بأنه أفشل مجلس إدارة للمستشفيات الحكومية في لبنان».
وبرغم إقالة 13 مياوماً في العام 2011 ما وفّر عشرة ملايين ليرة من مصاريف المستشفى، بقي الخلاف السياسي بين أعضاء مجلس الادارة ينعكس على سير المستشفى، وعلى رواتب الموظفين وفواتير الموردين، ما أدى الى توقف المستشفى، وهو الوحيد في منطقة حاصبيا، عن استقبال المرضى عدة مرات وبات شبه فارغ من المستلزمات الصحية.
«كلنا ضباط وليس بيننا عناصر» يعلق الموظف في المستشفى نهاد شرّوق ويردف: «المشكلة تكمن في المجموعة التي تدير المستشفى، وبغض النظر عن توجه المدير الحالي، السياسي (الدكتور سليم إبراهيم من كوكبا) وهو محبوب جداً في حاصبيا، فمجموعة الإدارة لا تشكل قدوة في إدارة المستشفى وتشغيله. أما فريق المحاسبة فهو طاقم فاشل، وبات أي مواطن مريض يخشى من الدخول حتى إلى قسم الطوارئ لأنه يحسب كأنه داخل إلى مسلخ مالي».
ويؤكد عدد من الموظفين أن المستشفى غارق في ديونه التي تتجاوز ثلاثة مليارات ليرة لبنانية «وبالإهمال والخلافات السياسية بين أعضاء إدارته التي تطيح أي خطة لإعادة تقويمه ووضع خطة تعالج الخلل وحاجة البناء إلى الترميم أو التأهيل. أما إيرادات المستشفى فتكاد لا تسد ديونه للشركات».
يبلغ عدد موظفي المستشفى 120 موظفاً، ويبلغ الفائض أكثر من 25 بالمئة مقارنة مع ما يحتاجه من موظفين وممرضين وإداريين.
------ --------- ----------
ردّ من مستشفى ميس الجبل
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2015-05-27 على الصفحة رقم 4 – محليّات
جاءنا من رئيس مجلس ادارة مستشفى ميس الجبل الحكومي المهندس محمد قبلان التوضيح الآتي: «نشرت «السفير» في عدد الاثنين الماضي (ص2) تحقيقا أعده الصحافي كامل جابر، عن مستشفيات مرجعيون وميس الجبل وحاصبيا الحكومية تضمن معطيات حول مستشفى ميس الجبل من دون مراجعة ادارة المستشفى والجهات المالية فيها، ويهمنا أن نوضح أن مجلس الخدمة المدنية أجرى مباريات للمستخدمين حيث تمّ إلحاق الناجحين كلّ حسب درجته وحاجة المستشفى ومن ثم تمّ إبلاغ رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الصحة بالنتائج، علما أن للمستشفى نظام أجراء خاصا بها صادرا بمرسوم عن مجلس الوزراء يسمح لها بالإستخدام حسب الأصول القانونية، كما أن كل قرارات مجلس ادارة المستشفى تُرسل الى هيئات الرقابة الإدارية والمالية والقضائية بواسطة مفوض الحكومة في المستشفى. أما بشأن ما ذكر عن ديون مستحقة بقيمة ملياري ليرة لبنانية، فإنّ مستشفى ميس الجبل عليه رواتب للمستخدمين تقدر بحوالي خمسماية مليون ليرة لبنانية وديون الشركات توازي حوالي سبعماية مليون ليرة لبنانية تقريباً، وفي المقابل، هناك ديون ومستحقات للمستشفى على وزارة الصحة والضمان والجيش وقوى الأمن الداخلي والتعاونية وباقي الهيئات والصناديق الضامنة المتعاقدة مع المستشفى، وهي أكثر بكثير من المتوجبات». وختم قبلان: «أما ادّعاء الســـيد كامل جــابر أنه تمّ تعييني من قبل فريق سياسي، فهذا شرف لي وأنني باقٍ على الخط الذي انتهجته منذ حــوالي أربعين عاماً ولو كَرِهَ الكــارهون والحـاقدون على خطي السياسي النبيل والأصيل».
تعليقات: