القهوجي أبو محمود أمام «مقهاه» على طريق جسر الخردلي
تستيقظ الطريق المؤدية إلى قرى قضاء مرجعيون مع بزوغ الشمس على رائحة قهوة أبو محمود، التي تغلي على مهلها على الفحم بانتظار مرور محتسيها. تفاصيل أيام أبو محمود لم تتغير منذ تسع سنوات، حين قرر أن يمتهن صنع القهوة. يبدأ نهاره مع الرابعة فجراً، يوضب أغراضه وينطلق من منزله في بلدة العديسة ليحطّ رحاله على بعد أمتار من حاجز جسر الخردلي، الذي يفصل قرى قضاء مرجعيون عن باقي قرى الجنوب.
يركن أبو محمود الفان الذي يحوي المنتوجات التي يبيعها على مربع من باطون في ملك خاص مهمل، وينصب شادراً من سطحه ليحميه من شمس الصيف ورذاذ الأمطار. يخصص طاولتين يصنعهما كل يوم بما توفر من حديد وخشب يضعهما بالقرب من الفان على الطريق العام. على الاولى تتجمع علب بلاستيكية تحتوي على الدبس المصنّع منزلياً وبعض من عبوات خل التفاح، وعلى الثانية إبريق جاهز من القهوة. أما هو فيجلس داخل مملكته على كرسي بلاستيكي محاطاً باثنين من رفاقه، وأمامه طاولة صغيرة عليها علبة سجائر وفنجان قهوة.
على الرغم من انتشار «القهوجية» في الأحياء والأزقة والطرق العامة، إلا أن أبا محمود، هو الوحيد على الطريق التي تفصل بين كفرتبنيت ومداخل مرجعيون. كثر مَن حاولوا دخول المصلحة على الطريق نفسها وفشلوا، فالزبائن لا يرضون إلا بقهوته، بحسب قوله، خاصة سائقي الشاحنات الذين لا يكتمل صباحهم إلا مع تلك القهوة.
مهنة القهوجي لم تكن خياراً لرجل تجاوز الخمسين من عمره، إنما كانت المفر الوحيد لأب لثلاثة أولاد فشل في تأمين مصروف منزله اليومي، بعدما حاول جاهداً تحدّي الحياة ولكنها ضاقت به.
يوميته بين ثلاثين وخمسين ألف ليرة، من دون أي ضمانات صحية أو اجتماعية. «صناعة القهوة كانت الحل الوحيد بعد محاولات فاشلة عدة لي في تأمين مصروف أسرتي أقله في الأساسيات من مأكل ومشرب»، كما يقول، خصوصاً «بعدما تراجع سوق الأقمشة والبرادي والخيم»، فبات متجره في بيروت يشكل عبئاً إضافياً على كاهله. عاد أبو محمود أدراجه وعائلته إلى قريته في الجنوب، حيث حاول جاهداً تحدي الحياة فعمل في مجال النجارة، من ثم الباطون، لكن تقدّمه في العمر، وتراجع قدرته الجسدية أثّرا سلباً على عمله، فحاول فتح دكان في القرية.. وبعد فشله لجأ أخيراً إلى مهنة القهوجي، على الطريق التي تُعرَف بـ «طريق النهر».
تعليقات: