«هيدا حكي»: هذه ليست كوميديا

عادل كرم في حلقته الماضية من البرنامج
عادل كرم في حلقته الماضية من البرنامج


أثارت الحلقة الأخيرة من برنامج «هيدا حكي» على شاشة «أم تي في» ردود فعل غاضبة، لسخريتها من المواطن عبد الله طالب (63 عاماً)، بسبب مشاركته في امتحان الشهادة المتوسّطة قبل أيّام. مئات التعليقات على مواقع التواصل، اعترضت على أسلوب عادل كرم في تتفيه إصرار طالب، عوضاً عن الاحتفاء به. ضخامة الهجوم على البرنامج، أجبرت كرم على كتابة اعتذار مقتضب على «تويتر»، جاء فيه: «أوضح أنَّنا لم نقصد الإساءة إلى السيد عبدالله طالب الذي أكنّ له الكثير من الاحترام. وأتمنى من السيد طالب قبول اعتذاري الصادق».

كلّ ما كتب انتقاداً للحلقة، يمكن أن تلخّصه تدوينة بالانكليزيّة لإيلي فارس، نشرها أمس عبر مدوّنته A separate state of mind. في ما يلي ترجمتها.

&&&

بعض الأشخاص لا يخجلون.

من بين أبرز الأخبار التي شغلت الإعلام العالميّ أمس الأوّل، وإن استثنينا أخبار المجاعات والأهوال، كانت قصّة إينجبورغ سيللم رابوبور طبيبة الأطفال الألمانيّة، البالغة من العمر 102 عام. نتحدّث عنها هنا، لأنّها أصبحت أكبر شخص ينال شهادة دكتوراه في العالم. في العام 1938، منعها النازيّون من تقديم أطروحتها لأنّها «نصف يهوديّة» (أحد والديها من الديانة اليهوديّة). مرّت السنوات، وسعت سيللم رابوبور خلف شهادتها التي شتّت عنها بسبب القوانين العنصريّة في حينه. وأخيراً حازتها، وتبدو في صورها في غاية السعادة.

بالطبع، في بعض الأجزاء من العالم ـ كذلك الذي نعيش فيه مثلاً ـ لا يعدّ خبرٌ كهذا، خبراً مُبهجاً، أو يستحقّ الاحتفاء.

قبل أيّام قليلة، ظهرت على مواقع التواصل صورٌ لرجل في الثالثة والستّين يقدّم امتحانات الشهادة المتوسطة. اسمه عبد الله طالب، من مرجعيون الجنوبيّة. في العام 1967، ترك عبد الله قريته، للعمل مع شقيقه، ثمّ سافر إلى السعوديّة. لم يتمكّن من نيل الشهادة المتوسّطة حينها. بعد تحرير الجنوب، عاد عبد الله مع عائلته ليستقرّ في مسقط رأسه. صار مختار الضيعة، وفتح مكتباً عقارياً، لكنّه لم ينسَ أنّه لم يحصل على شهادة بعد. لذلك التحق بالمدرسة هذا العام، ليستكمل تعليمه، وينال البريفيه.

قصّة رائعة، أليس كذلك؟ ذلك لم يمنع عادل كرم، وبرنامجه المحترم «هيدا حكي»، من تخصيص فقرة ساخرة بطالب.

في كلّ أنحاء العالم، يُنظر إلى مَن يسعون لاستكمال تعليمهم باحترام. يحتفي الجميع بإنجازاتهم، خصوصاً حين يكونون أساساً في سنّ تجعلهم مهمّشين من قبل المجتمع... بالطبع إن لم يكن هناك أشخاص مثل عادل كرم، ممَّن يجدون في مسعىً مماثل، مناسبةً إضافيّة للهزل في برنامجهم التلفزيوني.

«مش بكير حاج؟»، سأل عادل كرم عبدالله طالب. وأضاف: «يعني بتاخد الشهادة من هون، بتطلع على التقاعد من هون؟». كأنّ الجزء الأوّل من «النكتة»، لم يوصل الرسالة بوضوح كافٍ. وتابع: «انشالله يكون نجح»، ثمّ سأله: «مفكّر بالترمينال، وأيمتى؟» (أيّ الشهادة الثانويّة).

أحسنت عادل كرم، هيّا، واصل، اضربنا بالمزيد من الفكاهة. واصل التألّق الهائل بمهاراتك الكوميديّة الجنونيّة. اسخر من رجل ذنبه الوحيد أنّه حلم بنيل شهادة، بغضّ النظر عن بساطتها. استخدم ذلك الرجل كمادة لتعبئة هواء برنامج «المهضوم» حدّ الخبل. نعم، من الواضح أنّ هناك شيئاً غريباً ومضحكاً في قصّة رجل يحاول، بالرغم من مرور كلّ تلك السنوات، نيل شهادة سُلبت منه بسبب الظروف في هذا البلد الجميل. هل هناك نكتة أفضل من هذه؟

عار على كلّ من ضحك في ذلك الاستوديو على نكتة عادل كرم. أتمنّى، حين يصيرون في مثل سنّ عبد الله طالب، أن يمتلكوا 1 في المئة من إصراره، ليستعيدوا ما سرقته منهم ظروف الحياة. وأتمنّى، إن فعلوا ذلك، ألا يجدوا أشخاصاً مثل عادل كرم يقولون لهم إنّ ما يفعلونه من دون جدوى، أو يدلّون عليهم بالإصبع لمجرّد أنّهم يحاولون.

عار على «أم تي في» لأنّها تسمح بملء هوائها بهذا الهراء (مع العلم أنّ ذلك ليس مفاجئاً).

المثير للسخرية أنّ عبد الله طالب أوضح في أحاديث صحافيّة، سبب تقديمه للامتحانات الرسميّة، وهو على أبواب التقاعد. ماذا كانت إجابته؟ قال إنّ التقاعد يجبر الإنسان على التقوقع، وإنّه يشارك في الامتحانات الرسميّة، لكي يعطي فكرة جديدة عمّن هم في عمره، ويثبت أنّ لديهم طموحاً، وأن لا مشكلة في ذلك. من الواضح أنّ الطموح مسموح فقط للكوميديين الذين يريدون تجاوز جون ستيوارت نفسه. حين يصير عادل كرم في الثالثة والستين من عمره، ويطمح إلى تحقيق حلم رافقه طيلة حياته، أتمنّى ألا يجد مَن يسأله: «مش بكير؟».

بئس أمّة تسخر ممّن يريدون استكمال دراستهم. بئس شعب يجد في التحصيل العلمي أمراً يستحقّ «التنكيت».

تعليقات: