صعد عبدالله إلى العمود لإنهاء الإمدادات، وما إن باشر في العمل حتى صعقته الكهرباء رغم ارتدائه العازل، فسقط بعدما امتدّت الكهرباء إلى جسمه
خرج عبدالله الحاج صباح أمس من منزله، حضن ابنه حسين وصغيرته جوجو، ودّع فاطمة وقبّلها ومضى في طريقه. زار شقيقه نمر، حضنه وودّعه، اطمأن على العائلة وانطلق. كانت تصرّفاته غريبة، كأنه ذاهب في رحلة بعيدة بينما هو يعمل مياوماً في شركة الكهرباء.
كيف وقعت الحادثة؟
كما كلّ صباح، ينطلق المياومون في مهمّات مختلفة، كان نصيب عبدالله أن يتوجّه إلى منطقة عرمون – القبّة لإنهاء بعض الإمدادات. يقول زميله هشام عودة لـ"النهار": "كان مطلوب منّا تركيب عمود كهرباء لأحد الأبنية منذ فترة، وقد تمّ الأمر، ذهبنا إلى هناك لمدّ الكابلات على العمود، الذي تكسوه اشتراكات عدّة. صعد عبدالله إلى العمود لإنهاء الإمدادات، وما إن وضع يديه للمباشرة في العمل، حتى صعقته الكهرباء رغم ارتدائه العازل، فسقط قبل أن يربط جسده بحبال الأمان، وبعدما امتدّت الكهرباء إلى جسمه ورأسه إذ أصيب بنزيف".
سقط عبدالله على الأرض، لكنّه بقي واعياً، فتضرّرت الفقرة الرابعة في عموده الفقري التي قطعت التنفس عنه، دار زملاؤه مع المسعفين على مستشفيات عدّة قبل أن يستقبله مستشفى القديس جاورجيوس في الأشرفية، ويخضع لصورة IRM، لكنّ فترة الانتظار التي تخطّت الخمس ساعات لم تساعد في إنقاذ حياته.
"اتصلنا بمستشفيات عدّة، لكننا لم نعثر له على سرير فارغ، في مستشفى كمال جنبلاط قدّموا له الإسعافات الأوليّة، ثم انتقلنا إلى مستشفى القديس جاورجيوس، هناك فارق الحياة. في لبنان يموت الإنسان الفقير رخيصاً. لقد تكفّلت الشركة بكل المصاريف، وستدفع التعويضات كاملة لعائلته، لكن الأهمّ تأمين المواد العازلة لنا والضروريّة في عملنا، لئلا يكون مصيرنا مشابهاً لمصير عبدالله وكثيرين قبله".
عائلة منكوبة: راح أبو حسين!
انتقل عبدالله اليوم، من الرمل العالي إلى مسقط رأسه كفركلا، الذي استقبلته بالزينة البيضاء، لقد رحل "أبو حسين شيخ الشباب" كما كان أصدقاؤه ينادونه. يتابع عودة: "كان شخصاً اجتماعياً، محبوباً، متفانياً في عمله. الإنسان الطيب يكون مصيره مأسوياً. نضع حياتنا بين أيدينا ونعمل في حقل من الألغام. لقد توفي عبدالله، ذهب شهيد لقمة العيش".
يتذكّر شقيقه البكر نمر اللحظات الأخيرة معه، لقد ودّعه قبل أن يرحل، حضنه للمرّة الأخيرة دون أن يدري أنها الأخيرة، ويقول لـ"النهار": "رأيته صباح أمس للمرّة الأخيرة، حضنني وقبّلني وسألني إن كنت أحتاج إلى المال، قبل أن يسير في طريقه. طلبت منه أن ينتبه إلى نفسه. لكنه نكث بوعده وها أنا أطبع أوراق نعيه. كان يشعر في قرارة نفسه أن شيئاً ما بانتظاره. نحن خمسة شباب، ثلاثة منّا قدّموا خدمتهم لشركة الكهرباء، عبدالله ترك العمل فيها ثم عاد سنة 2011 واهباً حياته في خدمتها".
يظنّ أولاده أنه ذهب في رحلة وسيعود، أنه نائم وسيستفيق قريباً، زوجته فاطمة منهارة، لا تصدّق خبر وفاته، لا تتقبّل فكرة أنها لن ترتشف القهوة معه صباحاً ولن تنتظره ليعود مساءً، أخوته وأخواته مصدومون، لقد رحل أبو حسين في سن الأربعين، رحل شاباً. ينتظرون نتيجة التحقيق، فابنهم مات بسبب السرقة والتعليق غير الشرعي على أعمدة الكهرباء، ذهب شهيد لقمة عيشه
تعليقات: