حسن م عبدالله في مولانا الغرام: قصائد حب وفلسفة ووجود‎

الشاعر حسن م. عبدالله.. ينتمي الى سلالة الشخصية الخيامية وهو ينضح بالعروج الى شاعريته المستقاة من الامكنة التي زارها
الشاعر حسن م. عبدالله.. ينتمي الى سلالة الشخصية الخيامية وهو ينضح بالعروج الى شاعريته المستقاة من الامكنة التي زارها


حسن م. عبدالله شاعر مبدع بحساسية رهيفة مكّنته من حيازة الوعي بما تنطوي عليه أشعاره وفلسفته للحياة التي مكنته من استحواذ طاقة كامنة تتم استثارتها بشكل تلقائي مع كل ممارسة تداولية لقصيدة او مشهد انساني، وذلك استناد هذه الفلسفة وهذه الاشعار الى مسبباتية يمكن تحديدها في كون هذا المحكي ممثلاً لقوة الدفع الرئيسية، التي مكّنت الشاعر حسن م. عبدالله من المحافظة على معالمها المميزة وقسماتها الخاصة والصمود في وجه العديد من التيارات العاتية ليصير الشعر هو البديل السحري للهزيمة امام الواقع المعاش بسلطته القاهرة وسياقاته القاسية. في "مولانا الغرام" للشاعر" حسن م. عبدالله": الشهية تلملم بضحكتها انكسار القلوب _كتبت فاطمة عبدالله للنهار: " تشبه المرأة في مجموعة الشاعر حسن م. عبدالله " مولانا الغرام " ("الفارابي") فتنة الحضور الأثيري للجسد المعتّق بالحب. يمارس على هذا الحضور طقس الجسد من موضعه القابع ضمن حيّز، الى المطلق حيث المرأة هي الله والوطن."

وتضيف فاطمة عبدالله قائلة : " تزدحم داخل القصيدة امكانات بلوغ حال الهيام الكلي. الشاعر فيّاض، مشاعره تتدفق حتى توشك على التفجر". وتضيف عبدالله:"في المجموعة بئر عميقة. حفرة بعدها حفرة وأنفاس يرددها الصدى. تحضر المرأة حضور هذه البئر. بالعمق والصمت والسر والتعطش. كلّ ما فيها يخشع للقصيدة. امرأة تستدرج الرجال الى الشعر والكلام والأسئلة. تختلج بنور الماء. تمطر ماءً في الماء. وتحار ان كانت قد خلقت. تمنحها القصيدة ادواراً عدة "صناعة الشعراء"، تبييض ساحات الحروب الحزينة"، " الولادة بقوة العين"، وتمجيد فرادة الانثى. وتمنحها ترف القلق الوجودي."

هي علاقة المحب للمرأة، المعترف بفضلها اولا كونها اورثته الكثير من الخصال الحميدة والفاضلة والتي منها الحسم والعزم، الصمود والكبرياء، التحمل والصبر. و تضيف الكاتبة عبدالله بالآتي :

" المجموعة عن مراحل تحوّل المرأة رحماً للولادات المتكررة. رحمٌ من تراب وماء وهواء ونار، ودهشة الأسئلة الأولى. يعود الشاعر الى الأصل وينقِّب عميقاً. يتّخذ المرأة حالاً يعمّمها على الخلائق جميعها. تغدو النهر العظيم الجاذب بقدرته صيرورة الطبيعة. " وتضيف عبدالله :" تنشد القصيدة متعة الارتطام بصخرةٍ داستها قدما امرأة. فيها الموج يهدر كلحظات لن تتحقق. "أطيلي غيابكِ أكثر/ حتى ينبح فيَّ كمجاعة/ حتى أتمدّد في الوقت/ كالنار/ كالنهر/ روما لم تحترق".

وتردف فاطمة عبدالله في النهار فتقول:"

ثم تشاء القصيدة التخبّط بين العصف والخواء. يدفع القلب السقيم صاحبه نحو مزاجية الحنين والدمع. لا يشترط الحبّ أقلّ من التوغّل. يتحوّل أثيرياً صافياً كحبيبات الهواء البارد، ويرتضي بالخواء الأخير بديلاً من الزخم. المجموعة عن امرأة تجمِّل اللاشيء الآتي بعد صخب. كمحارةٍ، تُراكم الأنسجة على الجرح فتصير حبّات لؤلؤ: "يكفي أن تعانقيني/ لنعدّ وليمةً لذوي الأيدي الخشنة". في موضعٍ آخر يتوجّه إليها بقدرتها على الخلق: "أنتِ لستِ موضوعاً للشعر/ أنتِ يا عزيزتي التي أحبّ/ تصنعين الشعراء". تعبر امرأة المجموعة من كونها مجالاً للعشق الى دائرة أوسع حيث شهوة إضاءة الحلم. يُكتَب إليها الشعر لئلا يبكي الشاعر ويغلبه الهتك. لا تتعمّد القصيدة إظهار الكيّ في النفس العاشقة، إذ يظهر من تلقائه بديهياً بحكم فيضان الشعور. الخواء في القصيدة عظَمَة الانطفاء بفرح. هو السبات بعد الضجيج الهائل. وبقايا استراحة طويلة فوق ريحٍ كفَّت عن الجرف.

والحب إذ يتحوّل من الحضور الجسدي الى تجرّده أثيرياً، يُرخي في العاشق هموماً جميلة: "سأقضم تفاحتكِ/ وليكن عذابي/ على الأرض/ كما في ملكوتِك". لا تستغني القصيدة عن إظهار التوق لذيذاً عنيفاً يستحق المعاناة. هو توقٌ أيضاً غلى السلام والحرية، وإلى أرضٍ ما عادت خصبة: "لا عينان على الأفق/ ولا مدى للنظر/ لا نافذة هناك... لا شيء". وحدها الكثيرة الشهية تلملم بضحكتها انكسارات هذا القلب."

انها دعوة الشاعر حسن م. عبدالله الى التفوق في ارادة الشاعر المرء الى ان نكون اقوياء في مواجهة ذواتنا قبل ان نكون اقوياء في مواجهة الآخرين، ارادنا شاعرنا ان نتغلب على ضعفنا ونكسر القيود التي تكبل ايدينا ونتحرر من الاغلال التي تضغط على عقولنا وتوجه سلوكنا. دعوة ليست مقتصرة على الامد الشخصي بل تتعداه الى صفة عميقة ثابتة عبّرت عن نفسها في شعره ومؤلفه الاخير "مولانا الغرام".

..

يظلُّ الانسان الشاعر حسن م عبدالله ذاكرة في تاريخ الخيام بشكل خاص، وبصمة في تاريخ الثقافة اللبنانية بشكل عام، فارضاً مغايرته للأجيال المتعاقبة، فهو مميز في مرحلته، يرنو دائماَ الى الجديد الامر الذي يجعل بناءه الثقافي جاداً قادراً على المواكبة والبقاء في الوقت ذاته.

ينتمي حسن م. عبدالله الى سلالة الشخصية الخيامية وهو ينضح بالعروج الى شاعريته المستقاة من الامكنة التي زارها. وقد تحول القلم بيد شاعرنا الى قلب صغير، ينبض بأجمل العواطف وأرق الاحاسيس. وقد عبّر عن اهتمامه للمرأة وللحياة اهتماماً خاصاً فيما صدر للشاعر حسن م. عبدالله حديثاً بكتابه المسمى بعنوان "مولانا الغرام" (دار الفارابي)، وهو الديوان الشعري الثاني بعد ديوانه الاول"صور الوله".

والديوان الجديد عبارة عن تجربة مستقاة من 11 عاماً من الكتابة والاختيار في المضمون والاسلوب حتى جاءت مجموعة الشاعر وقصائده على تفاوت مراحل زمنية كتبت بين بيروت وباريس، واجلُّ ما تحمل من ملامح حول تجربة العيش في المدينتين.

ومناخات الكتاب تتراوح بين قصائد حب وفلسفة ووجود وسياسة وعائلة، الى تساؤلات في الحياة والالم والموت والعلاقات الانسانية.

ذلك لأن علاقات الشاعر الانسانية لم تكن عارضة، او علاقات نظرية كباحث عنها في بطون الكتب، وانما هذه العلاقات كانت هي علاقة انتماؤه الانساني وحده، من اجل الانسانية لا غيرها يتنفسها، يتحدث عنها، ويكتبها....

* هيفاء نصّار - أوتاوا، كندا

..

مواضيع ذات صلة:

موضوع "الشاعر حسن م. عبدالله يوقّع ديوانه «مولانا الغرام» في البيال"

مقالات الكاتب حسن م عبدالله

تعليقات: