لن يفرح الأطفال النازحون في العيد (الصورة بعدسة الطفل السوري علي، من كتاب لحظة مشروع «ذاكرة»)

العيد، هناك، ليس عيداً: خيم ممزقة تغزوها الحشرات، تحاصرها الأمراض. رجال ونساء يبحثون عن عمل، لكن عبثاً. ينتظرون المساعدات، والأحلام. يحلمون بأمل العودة إلى بلادهم. هناك، في مخيمات النازحين السوريين، ثمة قيظٌ لا يرحم، وعطش، جوع، وعوز. هناك، ثمة أطفال لن يفرحوا في العيد. سيرتدون ثيابهم الرثة، مثل أي يوم عادي، ويمضون قدماً: سيعملون، سيبحثون عن كفاف يومهم، مثل أي يوم عادي، فالعيد عندهم ليس عيداً.

يمشي الطفل النازح من سوريا الى مخيم مرجعيون، عامر الحلواني، تحت أشعة شمس تموز اللاهبة في آخر أيام شهر رمضان، متوجهاً إلى السهول الزراعية القريبة من المخيم، باحثاً عما ترك أصحابها من بقايا بطاطا، شمام، بطيخ، مثلما يفعل كثر من أترابه: يجمعوها وينقلوها إلى خيم ذويهم.

يقف عامر مرتبكاً. يقول بخجل: «ليس من حقنا أن نأخذ هذه الثمار من دون علم صاحب السهل. لكنها في كل الأحوال متروكة هنا على الأرض، فيما نحن بحاجة إليها».

ينقل الطفل النازح من إدلب، سليم العمري، أكواماً من الحطب اليابس لإشعالها في الموقد تمهيداً لمائدة الإفطار لدى ذويه. يضع الحطب جانباً. يقول: «نسينا كيف تكون زينة العيد، ونسينا صوت المسحراتي وبهجة لقاء العائلة حول مائدة السحور». يشرد بعينيه الصغيرتين قليلاً، ثم يضيف: «كل يوم نسمع خبر فقدان قريب لنا في سوريا، والأوضاع هنا في المخيم صعبة. لا أريد أن أصلي صلاة العيد».

عند الطرف الغربي لـ «مخيم سردة»، يتحلق أطفال حول عجوز نازح من حلب، اسمه أبو عمر حسن الغزوي. يروي لهم العمّ حكايات شهر رمضان القديمة في حارات حلب، والسهرات العامرة التي كانت تضج بها الشوارع. يتذكر بهجة العيد، فتدمع عيناه. يقول: «انقلبت حياتنا من ليالي السهر والمرح، الى دوي قذائف ودمار وقتل وتشرّد».

يجثو أنور العلي على ركبتيه قرب خيمة نزوحه في الوزاني. يذبح بيديه المرتعشتين دجاجة. ينتف ريشها وينظفها لتكون آخر وجبة إفطار لذويه. لجأ أنور منذ مدة إلى تربية الدجاج والحمام في المخيم. لدى الفتى اليوم نحو عشرين طير حمام وسبع عشرة دجاجة. يقول إن إفطارات أهله في رمضان كانت تعتمد على هذه الطيور، وأحياناً يبيع بعضها لجيرانهم في المخيّم.

يجهد عزام العابدي في تنقية العدس بدلاً من والدته، التي تعاني ضعفاً في بصرها منذ أن فُقد أثر زوجها في معركة حلب الأخيرة. يساعد الطفل والدته بتحضير آخر إفطار في شهر رمضان: مجدّرة وسلطة خضار جمع محتوياتها من الحقول المجاورة.

تتذكر الأم، بحسرة، العيد والإفطارات في سوريا. تقول: «كان رب العائلة يتدبر أمورنا في مثل هذه الأيام، بينما الآن أنا وحيدة. أتكل على طفلي والمحسنين القلائل والمساعدات التي انخفضت الى حدود الصفر».

يعمل النازح من ادلب حسن أبو السحور في ملحمة قريبة من مخيم نزوحه، بأجر يومي لا يتجاوز خمسة آلاف ليرة. يقول الطفل إن صاحب الملحمة يعطيه، إلى جانب بدل تعبه، قليلاً من اللحومات، مردفاً: «اللحومات شبه محرّمة علينا في المخيم، فالبطاطا اليوم هي لحومات النازحين، لأنها توافرها سهل بسبب تدني أسعارها، فيتركها المزارعون في حقولهم».

يقول حمودي العبادي: «نحن الأطفال لن نفرح في العيد. لن نتنزه على ضفاف الأنهار مثلما كنا نفعل في سوريا. لن نتسوّق لنشتري ثياب العيد. هذا اليوم سيكون يوماً عادياً».