المعركة استمرت مع إزالة آثار العدوان
ذاقت الخيام مرارة التهجير والقتل والدمار منذ مطلع النصف الثاني من القرن الماضي، وكان آخر هذه المآسي التدمير الوحشي الممنهج الذي طالها من جراء الاعتداء الصهيوني في تموز 2006، والذي طال بشرها وحجرها ومعالمها الاثرية والتاريخية والدينية والتربوية، ووطىء سهلها بدباباته وجحافله وحاول تدنيسها بالاحتلال، ولكنها استعصت عليه ووقفت شامخة، تذيقه مرارة الهزيمة وتمرغ كبريائه وسمعة نخبة جيشه في وحول سهلها...
المعركة لم تنتهِ بالنسبة للخيام مع جلاء عدوها عنها بالحديد والنار، بل ان معركتها استمرت مع تحدي إزالة آثار هذا العدوان عن وجهها الجميل، هذا ما انبرت الشقيقة دولة قطر وتفضلت بمساعدتنا مشكورة على إزالته، وقدمت المساعدات اللازمة في سبيل ذلك، ولكن للأسف الشديد أننا لم نستغل هذه الفرصة لإعادة بناء الخيام على أسس هندسية سليمة، بل ان ما يجري في الخيام هو اعمال بناء لا تراعي القواعد الهنسية والجمالية للعمران في معظمها، وفي غياب تنظيم مدني، وغياب مخطط توجيهي حديث يراعي خصوصية البلدة وموقعها التاريخي والجغرافي، بل ان العديد من اعمال البناء تحصل بشكل مرتجل لسد الحاجات آنية لأهالي البلدة، دون الالتفات الى ما سوف يؤدي ذلك من تلوث عمراني لا يمكن اصلاحه، يشوه مستقبل البلدة ويخرب معالمها الطبيعية والجمالية ويؤثر سلباً على محيطها البيئي
انها صرخة في وجه المعنيين بهذا الشأن، فالخيام ليست ملكاً لاهلها فقط، بل هي ملكاً لأجيالها القادمة، ويجب ان نتعامل معها على انها سلفة من احفادنا يجب ان نردها لهم اجمل مما كانت، لا ان نعيدها لهم كمكان يصعب العيش فيه، وذلك لا يمكن ان يتحقق الا بتضحيات توازي في عظمتها التضحيات التي بذلت في وجه العدوان الاسرائيلي الوحشي عليها، بتضحيات تحافظ على بيئة الخيام النقية والمساحات الخضراء التي نحسد عليها، وبمراعاة الهندسة المعمارية وبوجهها الاجتماعي الذي يآلفها مع محيطها، والخيام تزخر بعشرات المهندسين الأكفاء من ابنائها، وبهذا فقط نكون قد حافظنا على انتصارنا بالدفاع عن الخيام مرتين، مرة في الحرب بسواعد رجال المقاومة وتضحياتهم، ومساعدة الحلفاء، ومرة ثانية بسواعد رجالها، وتقديمات الاشقاء الخيرين.
يحضرني في ذلك لقائي منذ فترة وجيزة مع احد كبار السن من الخيام وهو الحاج كمال صالح عبود، والذي ادهشني بحكمته وعمق رؤيته الوطنية، شأنه شأن كبار رجال الخيام، عندما قال لي من جملة ما قاله: "اذا أردت ان تنتصر على عدوك، عليك ان تعامل ارضك وناسك، أفضل مما يعامل هو ارضه وناسه" انها حكمة بليغة اشد ما نحتاج اليها اليوم في صراعنا مع ذاتنا، ومع عدو غاشم لا يرحم، ومع سلطة أقل ما يقال فيها انها بتراء.
تعليقات: