تنتظر البلدات والقرى الحدودية، بين أقضية بنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا، وكذلك في أقضية النبطية وصور، عطلة الأسبوع، ليهل عليها هلال رؤساء البلديات، والعديد من أعضاء المجالس البلدية، العائدين، في الـ"ويك إند" أو في مناسبات الأعياد، من مساكنهم في العاصمة بيروت ومحيطها، أو في بعض المناطق اللبنانية المختلفة.
لم يبعث العدوان الإسرائيلي صيف العام الماضي، روح تبديل في السائد من نمط البلديات منذ ما بعد التحرير في أيار عام ألفين، إذ أتت الانتخابات البلدية المنعقدة عام 2001 ثم عام 2004، ونتائج التسوية بين قطبي التنافس "حركة أمل" و"حزب الله" والعائلات الكبيرة بمجالس، إما من لون واحد، أو مختلط ذي غلبة لفريق على آخر، على سدتها رؤساء تسوية كذلك، شاءت الأقدار، أن يكون معظمهم من القاطنين خارج هذه البلدات والقرى، يرتبطون بمصالح وأعمال متنوعة، لا تمكنهم من التواجد المستمر داخل بلداتهم؛ ما جعل مصالح الناس ومعاملاتهم ترتبط هي الأخرى بعودة رؤساء البلديات إليها، وإلا فهم مضطرون إلى الانتقال إلى حيث تنجز المعاملات، أي إلى السكن البديل لرؤساء البلديات.
لا تسمع من معارضي بلدة شقرا (بنت جبيل) غير الشكوى من غياب كامل لبلديتها، عن مواكبة احتياجاتها وأمورها الحياتية؛ "فرئيس البلدية إما في بيروت أو مسافر، ، إذ أنه يعمل بالتجارة بين لبنان والكويت والصين"؛ بحسب المختار السابق حسين حسن ذيب، الذي يضيف أن "الخدمات في شقرا معدومة. بعد الحرب، كانت أوضاع الناس متردية جداً، لم ير الأهالي رئيس البلدية أو أحد أعضائها جاء ليسأل ماذا تحتاجون؟ حتى أن الحصص التموينية التي وزعت في معظم القرى، لم يجد أبناء البلدة من يوزعها عليهم هنا؛ ومن حاول إعادة بناء ما تهدم لم يعثر على من يؤمن له أوراق المعاملات أو الرخص. كان مفترضاً أن يبدأ الناس بقبض تعويضاتهم منذ شهرين، لكنهم يحتاجون إلى من يطالب لهم بتعويضاتهم".
ويؤكد احمد الأمين "أن البلدة أسيرة ظلم بعض اهلها، فلا الرئيس موجود، ولا نائبه مخول بالقيام بمهامه، وممنوع على الأعضاء الاستقالة. البلدية وزعت مازوت الاعانة بعد انتهاء فصل المطر، إذ أن رئيس البلدية ظل غائباً شهراً كاملاً في الصين؛ لكن الحق (المسؤولية) على أهل البلدة الذين ارتضوا بهذا الوضع".
يقطن في شقرا نحو ستة آلاف نسمة من أصل 15 ألف نسمة، ويتوزع الباقون بين العاصمة وأميركا والكويت وأفريقيا. وتعاني البلدة من غياب الصرف الصحي وتعتمد حتى اليوم، على الجور الصحية. ولا تأهيل للبركة أو الحديقة العامة، أو حتى من ينظم السير الذي يخنق شوارعها الضيقة كل مساء. ويؤكد معارضو البلدية "أن مجلسها في شقرا لا يجتمع إلا نادراً وبشكل متفرق".
وفي حولا، "يتقاسم رئيس البلدية بينه وبين نائبه؛ إذ يعود الأول في أيام العطلة الاسبوعية فقط، من حيث يسكن"، بحسب تمام مصطفى الذي يشير إلى أن "بلدية حولا توافقية في كل انتخاباتها، ولأنها كذلك، وبسبب ما كان يسود قبل التحرير من نزوح وتهجير، من الطبيعي أن يأتي معظم الأعضاء وكذلك الرئيس ممن يقطنون خارجها. في الانتخابات الأخيرة تقدم نحو 54 مرشحاً، منهم أكثر من ثلاثين، يسكنون خارج البلدة، ولذلك المقاييس المطلوبة للبلدية، تبقى مقاييس وجاهة؛ بذلة وكرافات ومعارف؛ أكثر منها للعمل التنموي".
وتستوفي بلدية كفركلا (مرجعيون) مبلغ خمسين ألف ليرة على طلب التعويض المقدم من المتضرر إلى الجهة المعوضة؛ تجمع الطلبات مع الأوراق التي يجب توقيعها، وترسل مع سائق أجرة من البلدة إلى بيروت، حيث يسكن رئيس بلديتها، مقاول البناء موسى الزين شيت، ليدرسها ويوقع عليها. أما في البلدة فيقوم نائبه محمد طويل ببعض المهام ومتابعة جزء من "المشاريع القائمة".
لا يحق لبلدية كفركلا ترقيع الطريق الرئيسة التي تعبر من خلالها، بين قضاءي مرجعيون وبنت جبيل، إذ أنها من مهمة وزارة الأشغال العامة، بيد أن الطرقات المتفرعة في كفركلا، هي مثل الطريق "الدولية" شبه منكوبة بسبب كثرة الحفر وكثرة عبور الشاحنات المتخمة بحمولتها لتزيد في انخسافها، انخسافاً. ويحمّل القاطنون في البلدة، مسؤولية تردّي الطريق العامة أو الطرقات المتفرعة، لبلديتهم، "التي يقع على عاتقها أمر متابعة مطالب الأهالي عند الدولة. عندما يكون رئيس البلدية على رأس العمل، يكون العمل ميسراً، وعندما يغيب يعني أن هناك عرقلة وفوضى؛ وماذا يعني تجميع الطلبات والمستندات وإرسالها إلى بيروت مع سائق أجرة، ربما تضيع منها ورقة أو تسقط سهواً؟". يقول أحد أعضاء المجلس البلدي.
نكبت بلدة مركبا بتدمير كلي وجزئي أصاب نحو 850 منزلاً (منها 130 وحدة مهدمة كلياً) فضلاً عن تدمير شبكات المياه والكهرباء والهاتف ونفق آلاف رؤوس الماشية، ما جعل بلديتها ذات اللون السياسي الواحد تستنفر كل طاقتها بحضور رئيسها الدكتور جهاد حمود، "من أجل تثبيت إقامة نحو 1500 مواطن من أهلها، من أصل 9000 نسمة". ويؤكد أمين الصندوق علي حيدر "أن هناك سبعة أعضاء على الأقل يتواجدون خلال الأسبوع في البلدة، أو يتناوبون الدوام مع زملائهم الأخرين. ظل رئيس البلدية بعد العدوان شهرين كاملين في البلدة، وهو اليوم، بالرغم من إقامته في بيروت، فيحضر في أوقات الضرورة وفي العطل الأسبوعية".
وإذ يشكو المداومون في البلدية من عدم "التزام السعودية بتعهدها في بناء ثلاثين وحدة سكنية من البيوت الجاهزة؛ إذ تم تشييد البيوت وتركت الورشة على غاربها من دون مياه وكهرباء وصرف صحي وطرقات؛ ويحتاج استكمالها إلى نحو مئة مليون ليرة لبنانية، بعدما كان الاتفاق أن نتسلمها جاهزة مع المفاتيح؛ فهناك العديد من أبناء البلدة، لا يزالون يقيمون في خيم قرب الساحة، على أنقاض منازلهم، يحتاجون باستمرار إلى المعونة، إذ لا توجد منازل لاستئجارها في البلدة" يقول حيدر.
أما أموال بلدية مركبا، فكغيرها من بلديات المنطقة الحدودية، تتلقاها بـ"القطارة" من الدولة؛ وكانت قد تلقت آخر دفعة محسوم منها 45 في المئة، في شهر آذار من العام الجاري، بدلاً من كانون الأول 2006، عن آخر دفعة من أصل أربعة من أموال سنة 2004. ولذلك يعتبر القيمون على البلدية أن هذه الأموال قد لا تسد خابية في حاجة القرى الكبيرة إلى مشاريع وأعمال يومية، كجمع النفايات وغيرها، "فكيف بالأمر بعد هذا العدوان الكبير؟".
من النادر جداً، بين يوم الأحد والجمعة من كل أسبوع أن تجد رئيساً للبلدية فيها، تسأله عن أحوال بلديته، خصوصاً بين أقضية حاصبيا ومرجعيون وبنت جبيل؛ وإذا ما استثنينا بعض البلديات، فهناك غياب شبه كلي حتى لأعضاء المجالس البلدية، وتكاد الحياة تتعطل بانتظار العطلة الاسبوعية.
ويبقى التجاذب السياسي الذي أرخى بظلاله، على العديد من البلديات، قبل أن تؤول الأوضاع الحزبية التي تنافرت أو التقت قبل الانتخابات البلدية الأخيرة إلى تحالفات سياسية "عليا"، عاملاً قد يقوّم مسلكية هذه البلدية أو تلك، وبالتالي انصهار رئيسها في العمل التنموي إو الهرولة نحو الأمام بعد فشل تنفيذ المشاريع الانتخابية، إثر اصطدامها بعوامل تفوق قدرة هذا الرئيس أو ذاك؛ منها: عدم أهليته هو بالذات لتولي هذه المهمة التي لا تقف عند حد التشريف، إنما تحتاج إلى التكليف؛ أو التنافر في داخل البلديات المكونة من أطياف سياسية مختلفة، جمعتها التحالفات وفرقتها "جبنة" المهام، وفي قمة هرمها الرئيس ونائبه، وكذلك الخلافات حول مفهوم العمل البلدي وأولوياته؛ عدم خبرة أعضاء المجالس البلدية الآتين من تحالفات عائلية وحزبية تسوقها "غرائز" النزاع لا هموم الخدمة العامة والمصالح البلدية؛ ونزعة العديد منهم إلى وهم أن البلدية هي رئيس فقط. وفي ظل هذا القائم من "فوضى جماعية" في المفهوم البلدي وتسليم الكثيرين من أعضاء المجالس البلدية ومن المكلفين، الناخبين، بوصاية المرجعية السياسية على البلدية وأهلها؛ من البديهي أن يجعل العديد من رؤساء البلديات، البلديات خلفهم وليس مرآتهم وقبلة أعمالهم وزهوهم وانتصارهم على الجهل في مواجهة الحرمان المتراكم وتبديل النقص بالمشاريع، وكذلك أن لا تكون البلدية هدفهم إلا في أوقات فراغهم، في "الويك إند" وعطل الأعياد والمناسبات
تعليقات: