بعيداً من المؤتمرات الانشائية والبلاغية والدعوات الى الصمود في الارض وعدم الهجرة، تبدو بلدة القليعة في جنوب لبنان ورغم الحروب والازمات التي مرت عليها نموذجاً فريداً بين البلدات والقرى المسيحية في #لبنان، ويتمثل هذا النموذج في العدد الكبير من "الاكاليل" او مراسم الزواج المسيحية التي تتم سنوياً في البلدة والذي وصل هذا العام الى نحو 25 "عرساً" خلال فصل الصيف وحده اي خلال أشهر تموز وآب وايلول، هذا من دون الاشارة الى الاعراس التي تتم خلال الاشهر الاخرى سواء من طريق "الخطيفة" او خارج كنيسة مار جرجس الشهيرة.
يبتسم معاون خادم رعية القليعة الاب بيار الراعي ويقول: "الحياة مستمرة وتتجدد في القليعة رغم المآسي والحروب، والشبان والشابات في عمر الزواج يحبون الاحتفال بالعرس التقليدي في بلدتهم كما كان يفعل اجدادهم واهلهم". ويشرح توزع "العرسان" بأن 45 في المئة هم من المقيمين في القليعة والذين يؤسسون منزلاً وعائلة ويبقون فيها، والاخرون يقيمون في بيروت والمناطق الاخرى، الى نسبة من الشباب الذين يأتون من اميركا واوروبا والخليج ويتزوجون فتاة من بلدتهم على الطريقة التقليدية وينتقونها من بين الاقارب والجيران في بلدتهم حفاظاً على التقاليد وعلى ارتباطهم بمسقط رأسهم. وهذا ما يفسر برأيه استمرار الحياة والازدحام الكبير في البلدة صيفاً وخلال مواسم الاعياد والعطل بسبب تعلق افراد العائلة جميعاً بالقليعة.
الاقبال على الزواج تقليد في البلدة، ومنذ ان يبلغ الشاب عتبة الـ 18 من العمر حتى تعتاد اذناه على سماع الدعوة التقليدية الى الزواج "نفرح منك" والتي تعني انه اصبح صالحاً للزواج، ومن يتجاوز عتبة الخامسةوالعشرين دون زواج فمعنى ذلك انه دخل دائرة العنوسة، أما الثلاثيني من دون زواج فذلك يعني العنوسة الكاملة واتهاماً بالتقصير وتلك ظاهرة ايجابية حيث يجهد الاهل في البلدة إلى تزويج ابنائهم ومساعدتهم على تأمين المنزل ومراسم الزواج في مظاهر تضامن اجتماعي تبلغ ذروتها في "التنقيط" او ما يصطلح البعض على تسميته "الشوبشة" حيث يقف المنادي امام باب الكنيسة وقبل تقبل التهانئ، لتبدأ مراسم دفع الهدايا المالية للعروسين وبصوت عال امام الجميع.
مجتمع القليعة تقليدي محافظ، ورغم التطور في وسائل الاتصال والتواصل والحياة الاجتماعية والرفاهية، إلا ان اهالي البلدة ما زالوا يحافظون على الروابط العائلية القوية داخل كل عائلة، وثمة عائلات اساسية يتفرع منها اجباب وافخاذ وتبرز جميع هذه التشكيلات العائلية التقليدية جداً ابان المواسم الانتخابية حيث تحتسب العائلات بعدد اصواتها، لكن مبدأ الزواج لا يعتمد على قرابة الدم وثمة علاقات مصاهرة بين العائلات. ورغم ان عائلات البلدة عرفت الهجرة منذ عشرات السنين، وثمة مهاجرون من البلدة في اميركا اللاتينية واستراليا، اضيفت اليها الهجرات القسرية الحديثة التي تتمثل في عشرات العائلات التي انتقلت الى فلسطين فيما يعرف بقضية اللبنانيين اللاجئين الى اسرائيل ابان التحرير من الاحتلال الاسرائيلي العام 2000، لكن الهجرة الحديثة الاكبر تتركز تجاه الدول الاسكندنافية وخصوصاً السويد حيث يقيم الالاف من ابناء البلدة ويأتي كثر منهم الى مسقطهم من أجل اختيار "عروس" او الزفاف في كنيسة البلدة، ويحافظون تالياً على علاقة الدم وروابط القربى وذكريات الزواج في بلدتهم الاصلية.
في القليعة نحو 60 عائلة عراقية مسيحية اختارت الاقامة في البلدة في انتظار عودتها الى موطنها الاصلي في العراق، ومن بين هذه العائلات اختار شباب من القليعة ثلاث فتيات سوف يحتفل الاب بيار الراعي بزواجهن خلال الاسابيع المقبلة. والمزيد على الطريق كما يقول فرحاً.
اليس الزواج ومساعدة هؤلاء العرسان افضل من المحاضرات الانشائية والخطب الفارغة؟
تعليقات: