.. عملاً بأسس ومبادئ العمل الديمقراطي يحق لكلّ فريق أو حزب أو جماعة أو تجمّع شعبي التعبير عن الرأي والتظاهر تحت سقف القانون، ولا يحقّ لأحد منع الآخر من ممارسة حقّه في التعبير إما بتخوينه أو التشكيك بدوافعه أو غيرها من التفاصيل ..
هذا في العام أما في الخاص وتحديداً ما نراه في بلد يدعي الديمقراطية كلبنان فتعال لكي أريك العجب العجاب، ففي الوقت الذي يعلم القاصي والداني ومن قرأ تاريخ الميليشيات اللبنانية وتفاصيل الحرب الدّموية الأهلية وماضي وحاضر الأحزاب الطائفية يدرك أنّ هذه الأحزاب مموّلة من الخارج وتعمل لأجندات خارجية وهو أمر لا تخجل به ولا تستحي بل تجاهر به ليل نهار.
الكلّ في لبنان مرتهن، والكلّ في لبنان يعلم أن رئيس الجمهورية يأتي بتوافق إقليمي ودولي، وأنه لفترة طويلة كانت حكومة لبنان تشكّل في الخارج، والسادة النواب كانوا يعبّدون الطرقات للحصول على صكّ الموافقة للدخول إلى البرلمان بعد تمسيح الجوخ وتلميع "الجزم" .
الكلّ يدرك هذه الحقائق ولست آتياً بجديد، ولكن الذي يصعب هضمه وابتلاعه أنّ كلّ هؤلاء الأجراء والمستخدمين تناسوا ماضيهم وحاضرهم وخرجوا بأبواقهم وأبواق الناعقين خلفهم والمتزلفين لهم والمستفيدين منهم ليقفوا بوجه صرخة شعبية مطلبية تعبّر عن واقع بات القبول به والسكوت عليه والتعايش معه أمراً مستحيلا، لقد خرج جميع الجناة صغاراً وكباراً ليرجموا هذه الصرخة الحقّة بأول حجر وتناسوا بأنهم كلّهم أصحاب الخطيئة !..
ولنقل افتراضاً ونسلّم جدلاً أنّ هناك من يريد الرقص على أوجاع الشعب، أو التسلّق على سلم آهاته ليصل إلى مكاسب آنيّة وشخصية، كما هو حال المتزعّمين اليوم، لنفترض أنّ هناك مندسّين كما تزعمون في ثورة الفقراء والمهمّشين هذه، فهل هذا يبرّر لكم خنق هذه الصرخة وذبحها في مهدها وأنتم تدركون جيداً أنها صرختكم جميعاً، وأنّه الوجع والسخط الكامن وراء أقنعتكم وراياتكم وألوانكم وهتافاتكم وشعاراتكم، وأنّكم مهما كابرتم وتنافختم تنامون على الذّل والعتمة والقمامة، وتفيقون على العوز والعدم والحاجة ؟!
أيها الواقفون بوجه أنفسهم المُكبّلون بأصفادهم بالله عليكم هل استمعتم جيداً لهؤلاء المسنّين
"المندسّين"؟
هل قرأتم سطور الوجع المحفور على جباههم ووجوهم بمُدى أمراء حروبكم الذين تبجّلونهم كالآلهة ؟!
بالله عليكم هل هذا العجوز الضعيف الذي لا حول له ولا قوة مدسوساً ومأجوراً وخائناً وعميلاً ؟ وهل أنتم مقتنعون بتلكم التّهم التي تطلقونها جزافاً ؟
بالله عليكم هل هذا الشباب الجامعي اليائس والبائس في بلد سرقه اللصوص وتقاسموه كالجبنة بينهم مدفوع من السفارات ؟ وأنتم تعرفون جيداً وعن خبرة ما الذي تقدّمه السفارات وما الذي تريده في المقابل ؟!!
أقنعوني بأنّ الجائع ليس على حقّ إذا صرخ في وجوه مجوّعيه، وأنّ المظلوم مدسوس إذا وضع أصابعه في عيون ظالميه، وأنّ الفقير متآمر إذا شهر سيف اعتراضه في وجوه مفقريه ؟ أقنعوني أنّ السكوت عن الحق مواطنيّة صالحة والاعتراض على الظلم خيانة عظمى! أقنعوني أنّ التصفيق للظَلَمة فضيلة، وفضحهم للملأ وتعريتهم رذيلة !..
أجرؤ على تحدّيكم لأنكم مهما امتلكتم من أبواق الدعاية، وأشباه الدعاة، ومهارة غسل الأدمغة بمساحيق الدين والسياسة لن تقنعوني، ولكن هل تعرفون لماذا ؟!
لأنني أرى في وجوه المعذبين وجه أمي ! وفي دموع المقهورين دموعها، ولأنّ وجهها مرآتي، ولأنّ دموعها حبراً أقسمت أن لا أكتب به إلا حروف الحقيقة سأبقى مع الفقراء وفيّاً لتربيتي ومعتقدي وديني .
* بقلم: الشيخ محمد أسعد قانصو
تعليقات: