في عكار عضة كلب كانت كفيلة بالقضاء عليه


احتلّت شخصية المستذئب الأسطورية مكانة خاصة في مخيلتنا، أرعبتنا قليلاً وأثارت فضولنا أيضاً. فهل من الممكن أن يتحوّل الإنسان ذئباً عند اكتمال القمر أو أن يصبح سلوكه وحشياً فيعتدي على الآخر، ينهشه ويرحل ليترك في دمائه آثار اعتداء تجعل الآخر يستذئب أيضاً؟ الاستذئاب حقيقة وواقع، وقد راح ضحيّته كلّ من يحيى حسن حمد وشقيقه زكريا في وادي أبو خالد – عكار.

توفي يحيى حسن حمد إثر عضة كلب منذ نحو شهرين في وادي خالد - عكار. وقد بدى عليه قبل وفاته بخمسة أيّام، سلوك حيواني، بحيث أصابته نوبة عصبية. يصف مختار العوادي الأستاذ فايز عبد الله لـ "النهار"، أنّ يحيى قد "احمرّت عيناه، وكان يخرج لسانه من فمه، يكره الهواء والماء، يغضب على من حوله كما هجم على إخوته وعضّهم". وقد وقع أخيه زكريا ضحية هذا الاعتداء بحيث توفي أمس بعدما كان عضّه أخوه يحيى قبل وفاته بيوم. في هذا السياق يروي عبدالله أنّ "يحيى قد عضّ زكريا بإصبعه وصدره إلى أن سال الدم منه. وعلى الرغم من وفاة يحيى، وخضوع زكريا للقاح، لم يفصح هذا الأخير عمّا حصل معه، فتدهورت حاله بعد مرور خمسة أيّام. فتمّ إدخاله إلى المستشفى حيث عزل في غرفة خاصة، وتدهورت حالته يومياً إلى أن توفي".

التشخيص الخاطئ وقلّة المعرفة

يؤكد عبدالله بأنّه عندما أصيب يحيى "بحال من الهيستيريا، أصبح كالمجنون، فتوجهنا به إلى مستشفى السلام في القبيات، حيث رفض المعنيون استقباله وطلبوا تحويله إلى دير الصليب. في هذا السياق، تشير مصادر خاصة من مستشفى السلام لـ "النهار" إلى أنّه "لم نرفض استقبال المريض، إلاّ أنّ التشخيص قد أظهر من أنه أصيب بنوبة عصبية مع وجود علامة استفهام عليها. عند وصوله كان يحيى غاضباً بشكل غير طبيعي، متشنّجاً، يحكي كلاماً غير مفهوم، يبصق على الناس والحيطان ولا يسمح لأحد بالاقتراب منه. أعطيناه دواء ليهدأ، واعتبر طبيب الطوارئ أنّ هذه نوبة عصبية، وقد بقي في المستشفى لساعات معدودة. بعدما هدئ اصطحبه الاهل. من بعدها علمنا من وزارة الصحة أنّه كان يعاني داء الكلب وأنّ هذا المرض قد خرج عن نطاق العائلة وبدأ بالانتشار." يكمل المختار "يحيى لم يصمد، فتوفي على الطريق قبل وصوله. بعد دفنه في الوادي، أظهرت النتائج أنّه كان مصاباً بداء الكلب، مما يستدعي ضرورة تلقيح أفراد عائلة الراحل والمقرّبين منه لحمايتهم من هذا المرض، وكان ذلك في مستشفى رفيق الحريري الحكومي في بيروت". ولكن يحيى لم يكن ضحية الإهمال وقلّة المعرفة فقط، إذ إنّ زكريا الأخ الذي توفي، لم يفصح عما حصل معه على الرغم من التحذيرات التي وجهت له.

حال من الخوف والذعر

تسود منطقة وادي خالد حال من الخوف والذعر، فبحسب عبد الله "قلائل هم من يتوجهون إلى العزاء، لأنهم خائفون من انتشار الوباء بين السكان". ويضيف عبدالله أنهم "على مقربة من الحدود السورية، مما يفسر خوف انتقال الكلاب من هناك إلى المنطقة وعض الحيوانات الأخرى أو الإنسان وإصابته عبر تناوله اللحمة مثلاً". كما ينوّه إلى أن هناك "تقاعساً من المسؤولين في مخفر وادي خالد لمكافحة الكلاب، إذ عليهم إما إطلاق النار عليها أو تلقيحها، إلاّ أنه كان هناك تقصير منهم في هذا الموضوع على الرغم من التعميم الذي أصدرته وزارة الصحة على البلديات والمخاتير والتي توصي بمكافحة الكلاب الشاردة. وهنا نستننجد بالمعنيين بضرورة تأمين وتوفير اللقاحات اللازمة إلى المراكز الطبية لدينا ليأخذها جيمع السكان".

ما هو داء الكلب؟

في حديث لـ "النهار"، يوضح الدكتور حسن شديد رئيس قسم الصحة في محافظة عكار أنّ "داء الكلب التهاب فيروسي سببه عضة حيوان شارد ولا سيّما الكلب أو القرض". وينبّه من عدم الإفصاح عن عضة كلب ما لأنّ ذلك يؤدي إلى ظهور العوارض على المريض بعد مرور عشرة أو خمسة عشر يوماً". أمّا العوارض فهي التالية "يصبح الإنسان عدائياً وعصبياً، وقد تشتدّ حاله وصولاً إلى العضّ والعواء كالكلاب. تغيّر المزاج، الهجوم، العصبية الزائدة، الصراخ، الضرب، الهجوم ، سيلان اللعاب أمام الطعام أو الماء، كلّها عوارض من الممكن أن تزداد في حال عدم أخذ المريض اللقاح، وهو العلاج المناسب لداء الكلب، يعطى على شكل جرعات أسبوعية في المستشفى. ويحمي هذا العلاج من الوفاة إثر داء الكلب". يوضح شديد أنّ داء الكلب "ينتقل من إنسان إلى آخر عبر العضّ أي عبر اللعاب. لذلك في حال عضّ الكلب، يجب الإبلاغ عن الموضوع لأخذ لقاح". وداء الكلب مميت لأنه بحسب شديد "يؤثر في الجهاز العصبي للإنسان والشرايين وتحوّله لنوع من حيوان هجومي، فتؤثر على شرايينه وأعصابه فتشله ويتوفى".

التفسير العلمي

لما حصل مع يحيى وزكريا تفسير علمي بحسب شديد "تعرّض الأوّل للعضّ من دون إعلام الطبيب بما حصل معه، فبدأت العوارض بالظهور عليه، عندها هجم يحيى على إخوته وعضّ أخاه". يشير شديد إلى أن "ثمّة جهلاً في الموضوع، فعندما رأى الأطباء حال يحيى اعتقدوا أنّ ذلك ناجم عن أمراض عصبية أو عقلية، فلم يخطر ببالهم أنّ هذه عوارض عضة كلب. وبعد وفاة المريض، تمّ التساؤل عن السبب خصوصاً بعد ظهور العوارض نفسها على أخيه. فانتبه الجميع عندئذ إلى وجود حال غير طبيعية، فتبيّن أنّ ما يحصل هو داء الكلب". ينوّه شديد إلى أنّ المريض "قام بعضّ المختار والوالدة والوالد والأخ" إلاّ أنّ المختار قد نفى ذلك".

حاولت "النهار" الاتصال مراراً بوزير الصحة وائل أبو فاعور وبمدير وزارة الصحة الدكتور وليد عمّار، إلاّ أننا لم نتلقَ أيّ جواب منهما لمعرفة الإجراءات التي اتُخذت حيال هذا الخطر. فهل سيتمّ تدارك الأمر قبل انفجار الوضع ووقوع حالات مماثلة بسبب قلّة المعرفة التي يعاني منها سكان عكار؟ أم هو مجرّد قرار أصدر ولن يتمّ تطبيقه كتعاميم أخرى معلّقة لأنّ الواقع لا يسمح بتطبيقها؟ على كلّ، يبقى يحيى وزكريا ضحيتين للتقصير الذي تعانيه منطقة عكار وسكانها.

تعليقات: