من الأرشيف: بلال شرارة خلال توقيع كتابه
بعد أربعة عشر شهرا على النصر المخضب استكمل الشهيد البطل سامر نجم عودته النهائية الى الطيبة.
كان الزيتون في مقدمة المستقبلين.
وكانت الدواري المشتاقة إلى وقع قلبه قد احتشدت للترحيب به.
كان التين الذي لم يلفظ آخر أنفاس موسمه بعد يمد كف أغصانه بآخر كوز مشتهى للشهيد وكان سواد لطيف يلف الطيبة التي احتشدت الى عرسه باستثناء البيك والحكومة.
كانت القرى الغارقة في وحل التعويضات المعجلة والمؤجلة والتي كادت أن تنسى البطولة وتسقط في الكارثة قد انتبهت أنها وقعت في شرك الأسى وقامت إلى أشجار قاماتها لتستقبل العائد.
مشت بنت جبيل وخلفها ملاكها الحارس مارون الراس كما مشت القرى من الناقورة الى العرقوب بعزّ وهي ترفع رأسها الى جنازته وكان تراب مارون يعرف تماما أن امتداده الى اعلى الهرم كاد ان يهوي لولا سامر ومحمد عسيلي ومحمد دمشق وعلى الوزواز وهاني علوية والآخرين الذين صنعوا المجد.
الآن نصدّق أن نحل الجنوب الأصيل لا يتذوّق الا زهر الشوك الليلكي الذي ينهض من بين جراح الصخر ونصدّق أن قاماتنا ستعود الى ارضنا المعسّلة وإن طال الزمن ونصدّق أن فلسطين حقيقية أسيرة ستحرر وليست مجرد لوحة سيريالية نراها بطرف أعيننا من شبابيك الحدود ونصدّق بل ونؤمن أن الجليل وطبرية ومرج بني عامر أمكنة لمشاوير العشاق.
الآن نصدّق أن الوجوه التي تحتمي من أعين الناس هي الوجوه السريّة التي تنهض من الأمكنة الحذرة لتدافع عن الوطن وأن المجاهدين والفدائيين والجنود هم وحدهم لا يحتاجون إلى المرايا لأنهم أجمل بثياب الميدان ولأنهم يشهرون شوقهم واضحاً كعطر الياسمين.
الآن تستعيد المدن والبلدات والقرى المعلّقة على حبل ضوء الحدود ألقها ومجدها وتذكّرنا جميعاً أنها تستحق أن تحتل أعلى جدول الأولويات في السعي لإزالة آثار الحرب العدوانية عن وطننا وشعبنا وأن أحداً ما في الدنيا لا يملك الحق في أن يجعلنا نذوب خجلا في ثيابنا ونحن نقف منتظرين في الطابور أن ننتهي من مسح أضرارنا وأوجاعنا.
أليس صحيحاً أن كل مال الدنيا لا يساوي حياة شهيد واحد؟
أليس صحيحاً أننا أغلى من انتهاك كرامتنا على النحو الذي يجري؟
أليس صحيحاً أننا لا نحتاج الى مؤسسات للمواساة ودولاً مانحة لخيالها الذي يمشي عكس الشمس؟
أليس صحيحاً أنه بات علينا أن نحرس أسماءنا منا؟
الشهداء وحدهم يعرفون الأجوبة.
وختاماً للطيبة المزنّرة بوادي الحجير والتي يغرد الليطاني في شفتيها المجد.
ولسامر والأسماء الشهيدة صوتنا الذي لن يسكت عن المقاومة.
* الأمين العام للشؤون الخارجية في مجلس النواب
وصاحب كتاب الحرب من أجل بنت جبيل
تعليقات: