الإرهاب «ينتقم» في برج البراجنة.. ولبنان يرد بالتماسك الوطني
كانت عبلة السيد تحضن كتب أطفالها وتقصد إحدى المكتبات في عين السكة لتغليفها عندما دوى الانفجار الأول. طارت ساق عبلة مع كتب أطفالها. جارة عبلة، هيام، كانت على بسطة الخضار القريبة. ركضت السيدة الأربعينية تنجد صديقتها فدوى الانفجار الثاني. بسطة الخضار كانت قريبة من الانتحاري الثاني الذي انتظر توافد سكان المنطقة ورواد السوق نحو موقع التفجير، ليفجر نفسه: «لقد فدتني عبلة»، تقول هيام التي نجت. مع هيام نجا آخرون، وفق ما قال البعض، بعدما قتل انتحاري ثالث في التفجير الثاني من دون أن يتمكن من تفجير الحزام الناسف الذي تزنر به.
أمس، ومجدداً، أمسكت ضاحية بيروت الجنوبية دماء ابنائها ورمته في وجه السياسيين وقواهم وفراغهم والأزمات التي يغرقون فيها البلاد. دفعت الضاحية 43 شهيداً و239 جريحاً (حتى منتصف الليل) بعدما استهدفها الإرهاب، فقالت للمجتمعين في المجلس النيابي، لحظة وقوع الانفجار، ومعهم الحكومة المشلولة، أن قضايا الناس وأمنهم لا تحتمل المزيد من الاستهتار وإدارة الظهر والتزاحم على تقاسم مغانم البلاد والعباد.
ومع الضاحية خرج أهلها، أمس، يتفقدون أنفسهم وأرواحهم وخصوصاً أحباءهم على وقع التفجيرين الإرهابيين اللذين استهدفا شارع عين السكة في منطقة برج البراجنة، في لحظة الذروة في السوق الشعبي الأول في الضاحية بعد منطقة حي السلم. يعيد اصحاب المحلات في السوق فتح محلاتهم عند الخامسة من بعد الظهر إلى ما بعد العاشرة ليلاً، ليشكل سوق عين السكة مقصد معظم سكان الضاحية، كونه السوق الشعبي الأهم في المنطقة. مع السوق، لعب المخططون للتفجيرين على توقيتين إثنين: صلاتي المغرب والعشاء في ظل وجود حسينية وجامع الإمام الحسين، وعودة الموظفين من أشغالهم.
عاد أهالي الضاحية أمس إلى عيش ما عانوه على مدى عام كامل من منتصف العام 2013 ولغاية حزيران 2014، حيث وقع التفجير الأخير في منطقة الطيونة. أمس خرق الانتحاريون الإجراءات الأمنية في الضاحية ليتمكن اثنان من بينهم من تفجير نفسيهما (قيل أن أحدهما فجر معه دراجة نارية مفخخة) فيما قيل إن ثالثاً قتل إثر أحد التفجيرين قبل الضغط على زر تفجير نفسه (ولم يتم التأكد من المعلومة) لتنجو المنطقة من كارثة أكبر مما وقع فيها.
وهناك، ومع الدماء التي تناثرت على الأرصفة وحوافي بعض الطبقات الأولى من المباني المحيطة بالتفجيرين، ومعها أحذية الشهداء والجرحى، زجاج واجهات المحلات وبضائعها المرمية في الشارع، كان مشهد قلق الأهالي على ذويهم وجيرانهم واصدقائهم سيد الموقف. وهناك بقي بعض الأهالي، وعلى مدى أربع ساعات من التفجير الذي وقع عند الخامسة و45 دقيقة من مساء أمس، ما زالوا يركضون من مستشفى إلى آخر بحثاً عن مفقودين لا يعرفون عنهم شيئاً فيما هواتفهم النقالة إما مقفلة أو لا يردون عليها.
ومن مكان التفجيرين في شارع الحسينية في عين السكة ولغاية مبنى مستشفى الرسول الأعظم الذي استقبل العدد الأكبر من الشهداء والجرحى، كونه الأقرب إلى المكان، كانت الأمهات القلقات تزرعن الطريق جيئة وذهاباً بحثاً عن أبنائهن. وهناك أيضاً بكى كثيرون «استشهد...علي يا رانيا»، قال الشاب الذي ضم شقيقته على ما يبدو وهو ينتحب.
الإرهاب لم يضرب سكان عين السكة فقط، يقول الأهالي إن معظم الشهداء والجرحى هم من رواد السوق القادمين، إما من مخيم برج البراجنة القريب (استشهد منه حسين الشناوي)، وكذلك من المناطق المحيطة به أو من خارج الضاحية، وكذلك من العمال الأجانب الذين يقصدون السوق لشعبيته.
وانسحبت الصدمة على سكان المباني المحيطة بالتفجير. كانت الشرفات فارغة فيما خرج قاطنوها يطمئنون إلى من كانوا في الشارع من ابنائهم، وإلى جيرانهم الذين لم يعودوا بعد، وإلى أصحاب المحلات وموظفيها الذين يتصبحون بهم ويقفلون يومهم على وجوههم.
وفيما كان تنظيم «داعش» يعلن أن فلسطينيين اثنين كانا من بين الانتحاريين الثلاثة، كان شبان مخيم برج البراجنة يتبرعون بالدم للجرحى في مشفى حيفا في المخيم ثم ينقلونه إلى مستشفيات الضاحية، في رد صريح على الفتنة التي أراد الإرهابيون زرعها بين المخيم ومحيطه. وجاء إعلان المعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» الحاج حسين خليل أن «هؤلاء لا ينتمون إلى فلسطين ولا إلى الفلسطينيين» ليترك أثره على الأرض ويبرد الأجواء نسبياً بين المواطنين الغاضبين.
حسين خليل يتفقد: مستمرون في المواجهة
تفقد المعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» الحاج حسين خليل مكان التفجيرين الانتحاريين، واعتبر «ان هذه الجريمة ليست موجهة ضد حزب او ضد منطقة او ضد فئة، انما هي جريمة ضد الانسانية جمعاء، ومن قام بهذه الجريمة هم وحوش لا ينتمون للبشرية».
ولفت خليل الى انه «يجب ان يشكل ما جرى اليوم حافزا لنا جميعا لأن نقف صفا واحدا خلف المقاومة والجيش والاجهزة الامنية الذين نذروا انفسهم للدفاع والسهر على امن الوطن وكل المواطنين».
وأكد أن «مواجهتنا ضد هذه القوى الارهابية مستمرة، ونحن في الطريق الصحيح، وسنمضي في محاربتنا لهذه المجموعات التكفيرية».
تعليقات: