تلوّث الحاصباني
عادت قضية التلوث الناجم عن زيبار الزيتون لتطرح وكأنها المرة الأولى التي تحصل فيها هذه الكوارث!
كما في كل عام يعود اصحاب معاصر الزيتون، مع تساقط الأمطار الغزيرة، ليعملوا على رمي وتفريغ، محتويات خزاناتهم من زيبار الزيتون، في مجرى نهر الحاصباني، لتتحوّل مياهه النقية الصافية الى سوداء داكنة، ومصدراً لتلوث بيئي خطر، يضرب الحياة المائية والصحية ويلوث الهواء في دائرة واسعة عند ضفتيه.
في جولة على مجرى النهر، بدت وبكل وضوح، جداول صغيرة من زيبار الزيتون والتي التقت بمياه الأمطار، تتسرّب الى مجراه، انطلاقاً من معاصر زيتون عدة مجاورة واخرى في القرى المحاذية، كانت كافية لتبديل لون مياهه، ونفق كميات كبيرة من اسماكه، اضافة الى أضرار مباشرة بالمصالح والحقول والبساتين والمزروعات عند ضفتيه، في ظل تخاذل الجهات المعنية وفشلها في وقف هذا التلوث الموسمي، والمستمر منذ تكاثرت المعاصر الحديثة، التي خلت من معدات تكرير الزيبار، ومن معظم معايير السلامة البيئية، التي تحكم إنشاء هذه المعاصر.
الوضع البيئي والمأساوي لنهر الحاصباني دفع بالناشطين البيئيين والمزارعين والسكان المحليين القاطنين في محيطه، الى دق ناقوس الخطر عبر التقدم باحتجاجات، وتوجيه نداءات عاجلة الى الجهات المسؤولة كافة في وزارتي البيئة والصحة، والى الجهات العسكرية والقضائية، للتدخل السريع في رفع التلوث وإيجاد حل لهذه المعضلة المتعاقبة عاماً بعد عام، كما اشار مختار حاصبيا امين زويهد، بعد تفقده النهر مع بعض المزارعين. زويهد شدد على المخاطر المتأتية من هذا التلوث، والذي ربما وصل الى حد انتشار الأمراض في ظل هذه الروائح الكريهة المنبعثة، ناهيك عن قتل الحياة المائية في النهر خاصة السمك، والأضرار التي يمكن ان تلحق بالمواسم الزراعية، علماً ان حالات مرضية كانت قد سجلت خلال الأعوام الماضية نتيجة لهذا التلوث.
الإجراءات غير المحترمة
قائمقام حاصبيا وليد الغفير، كان قد عقد اجتماعاً في مكتبه، دعي اليه اصحاب المعاصر العاملة في بلدة حاصبيا والقرى المجاورة، والبالغ تعدادها حوالي الـ 35 معصرة، بحيث تم إبلاغهم بضرورة الحفاظ على نهر الحاصباني، من خلال عدم رمي الزيبار في مجراه وحصر كمياته في خزانات خاصة تفرغ لاحقاً في اماكن بعيدة، وحذّر الغفير من أي مخالفة تلوث النهر، وانه كلف الجهات الأمنية المعنية، متابعة هذا الوضع تحت طائلة الملاحقة القانونية، وأبلغ الغفير أصحاب المعاصر ضرورة التقيد بما يلي:
ـ إقامة خزانات تجميع لزيبار الزيتون في كل معصرة.
ـ يعمل صاحب المعصرة بالتعاون مع البلدية على نقل الزيبار من خزان معصرته الى خزانات تجميع بعيدة.
ـ الطلب الى اصحاب المعاصر في القرى المحاذية لحاصبيا بضرورة حصر الزيبار الناتج عن معاصرها في خراج كل بلدة، والعمل على منع تسرّبه الى مجرى النهر.
كبير مشايخ البياضة الشيخ سليمان جمال الدين شجاع، وبعد تفقده لمجرى النهر برفقة بعض المزارعين، اعرب عن أسفه لما هو حاصل من تلوث جديد في الحاصباني، وقال «لا بد من تذكير الجهات المعنية كافة بتعهداتها لجهة حماية النهر، خاصة أن التلوث بات موسمياً مع بداية عصر الزيتون، علما اننا كنا قد وعدنا باتخاذ تدابير حازمة وفعالة في هذا الاتجاه، ولكن الواقع بات عكس ذلك». آملاً أن تسرع الجهات كافة وتعمل جدياً لوقف هذا التسرب للزيبار، للحد من هذا الخطر قبل استفحاله. ووجه الشيخ شجاع نداء الى وزراء الصحة والزراعة والبيئة، للمساعدة في حماية هذا المرفق المميز من كل أخطار.
آثار الزيبار على التربة والمياه والهواء
بحسب الدراسة الحديثة التي قام بها «المشروع الإقليمي للإدارة المتكاملة للنفايات الناتجة عن عصر الزيتون ما بين لبنان وسوريا والأردن»، والذي أدارته في لبنان منذ اكثر من خمسة اعوام سمر خليل في وزارة البيئة والذي كان يهدف إلى إيجاد إدارة متكاملة لنفايات عصر الزيتون وتشجيع الطريقة الصديقة للبيئة، التي توفر في المياه، والتي لا ينتج عنها الزيبار الملوّث... فإن للمياه الناتجة عن عصر الزيتون بعض الآثار السلبية على البيئة وذلك نظراً إلى محتواها الغني بالمواد العضوية الناتج بشكل أساسي عن المواد الفينولية التي لها آثار مضادة للجراثيم وآثار سامة للنباتات.
تضرّ حموضة زيبار الزيتون بالخصائص الفيزيائية والجيوتقنية لغلاف التربة وتؤدي بذلك إلى تلوث التربة التحتية.
كما يزيد رمي زيبار الزيتون في التربة من خطر تلوث المياه الجوفية، ولاسيما من خلال الري التخصيبي للتربة بكميات كبيرة من الزيبار، ما يترك آثاراً سامة على الكثير من المحاصيل المتوسطية التي تنمو في تربة غنية بالمواد العضوية. وتستدرك خليل، «قد يكون الزيبار مفيداً إذا استعمل بكميات قليلة وبخاصة في ري الذرة عندما تنمو في تربة فقيرة بالمواد العضوية».
كما يمكن لكميات قليلة من المياه الناتجة عن عصر الزيتون أن تلوّث مصادر مياه الشرب بشكل كبير في حال نفدت هذه المياه إلى المياه الجوفية. وتتفاقم المشكلة عندما يتمّ استعمال «الكلور» لتطهير المياه، لأن تفاعل «الكلورين» مع «الفينول» يؤدي إلى تشكيل «الكلوروفينول» الذي يشكل خطورة أكبر على صحة الإنسان من الفينول وحده.
... ويصبّ في خزانات منازل الكفير!
اختلطت المياه المبتذلة وزيبار الزيتون مجدداً بمياه الشفة العائدة لبلدة الكفير، وذلك بعدما تسرّبت كميات كبيرة من مجارير بلدتي الكفير والخلوات اضافة الى زيبار زيتون مخلفات 3 معاصر، الى البئر الارتوازية الوحيدة، التي تغذي البلدة بمياه الشفة. يبلغ عمق هذه البئر حوالي 300 متر، ويتم الضخ منها الى خزانات المياه العائدة لحوالي 350 منزلاً، وقد تمّ تلويثها مؤخراً، بالإضافة الى تلوث قساطل شبكة المياه... فوصلت مياه الشفة الملوثة بالصرف الصحي والزيبار، المترافقة مع الروائح الكريهة، الى المنازل كافة.
سكان البلدة تحدثوا عن مياه ملوثة صفراء اللون مع روائح كريهة، تدخل منازلهم عبر خط التغذية الرئيسي، وصولاً الى الشبكة العامة، ومن ثم الى الخزانات الخاصة بالمنازل، مهدّدة حياتهم ومنكّدة عيشهم، ناهيك عن ازمة مياه شفة خانقة في عز الشتاء. كما بات يقتصر تزويد البلدة على مياه عين صغيرة وسطها، تؤمن نسبة متدنية من حاجة السكان، الذين لجأوا الى صهاريج المياه، كحلّ مؤقت مكلف مادياً، بحيث بات سعر صهريج المياه يتراوح ما بين 20 إلى 25 الف ليرة، وذلك ريثما تتمكن الجهات المعنية، ومنها البلدية إضافة الى وزارتي الصحة والبيئة، من إيجاد حل جذري لهذه المعضلة البيئية، التي تضرب مياه الشفة في هذه البلدة دورياً، منذ 5 سنوات ومع بداية موسم عصر الزيتون وهطول الأمطار.
نائب رئيس البلدية ماجد ابو العز، وصف الوضع بالمأساوي والخطر، وقال إن المشكلة سببها مياه المجارير، التي تتسرب مع اول شتوة الى البئر الأرتوازية، التي تغذي البلدة بمياه الشفة، وإن هذه المشكلة البيئية تعود لسنوات عدة. ثم شرح «على مدى اكثر من ربع قرن عملت جهات مانحة عدة اضافة الى مجلس الجنوب، على حفر 6 آبار ارتوازية وفي اوقات متقاربة، في خراج البلدة، فشلت جميعها في تأمين الحد الأدنى من حاجة البلدة للمياه، ومنذ سنوات عدة نجح مجلس الجنوب في تأمين المياه عبر حفر بئر في الطرف الغربي للبلدة، تم تدشينها بعيد التحرير في العام 2000، واستمرت هذه البئر وعلى مدى سنوات عدة في تغذية البلدة بالمياه وبكمية وافية، لكن هذه النعمة لم تدم طويلاً، فكان ما لم يكن بالحسبان، تفاجأنا منذ 5 سنوات بتسرب المياه المبتذلة اليها، مما ادى الى تلوثها بشكل مخيف، فباتت مياهها بلون وطعم ورائحة. فالتلوث يضرب البئر ويطاول الشبكة العامة والخزان الرئيسي، اضافة الى خزانات المنازل، وقد عملنا على وقف الضخ، وكانت اتصالات عدة مع الجهات المسؤولة خاصة القائمقام، ووزارتي الصحة والبيئة، لإجراء كل ما يلزم لرفع التلوث». واشار ابو العز الى حل جذري لمياه الشفة، خلال فترة قريبة، ويقضي بضخ المياه من بئر جديدة تم حفرها الى الشرق من البلدة، وخارج مجاري المياه الآسنة، بحيث باتت شبه جاهزة.
لماذا يُعتبر الزيبار ملوثاً؟
ويعتبر الزيبار ملوِّثاً لأسباب عديدة، أهمها من الحموضة المتمثلة بالأس الهيدروجيني، التي تشكل السبب الرئيس لموت الأسماك عندما يلقى الزيبار في الأنهر. كما ان نسبة الدهون الموجودة في الزيبار تشكل طبقة على سطح المياه تحول دون تشبع المياه بالأكسجين، كما تعيق مرور أشعة الشمس إلى داخلها، فتمنع بالتالي نمو الكائنات الحية النباتية والحيوانية.
بعد رمي الزيبار في التربة الزراعية ينتج مكونان في الهواء: الفينول وثاني أكسيد الكبريت. يتأكسد ثاني أكسيد الكبريت ويتفاعل بشكل كبير عند انبعاثه، فيشكل حمض الكبريتيك وحمض الكبريتوز اللذين يتساقطان على شكل أمطار حمضية. كما يمكن أن ينتقل ثاني أكسيد الكبريت عبر مسافات طويلة، نظراً لقدرته على البقاء مطولاً في الغلاف الجوي.
تعليقات: