نازح يجمع الحطب مع طفله (طارق أبو حمدان)
يبكر النازحون السوريون في منطقتي مرجعيون وحاصبيا في التوجه الى أحراج وبساتين الزيتون المجاورة لتجمعاتهم. هناك يجهد كبار السن وحتى الأطفال والنساء وأرباب العائلات في جمع الحطب الذي يخلفه المزارعون. ومن الأحراج يعودون بأحمال ثقيلة على اكتافهم أو فوق رؤوسهم عائدين إلى خيمهم. هذا الحطب هو قوت لنار الشتاء الذي بدأ قارساً هذا العام، كما يقول النازح من ريف إدلب علي الحسني. تمكن الحسني مع أطفاله الأربعة وزوجته الحامل من تأمين «كومة» حطب تكفيهم لأسبوعين.
الهجمة «المكثفة» للنازحين (وفق الحسني) على حقول وخراجات مناطق إبل السقي والخيام ومرجعيون والوزاني لجمع الحطب، تخفف من فرص تأمين مؤونة كافية للجميع «فالمطلوب يفوق اضعاف ما هو متوفر، ونحن نعاني جميعاً من ضيق الحال في الأيام الطبيعية فكيف في الشتاء وبرده القارس». ويتوقف الحسني عند الميزانية الخاصة لرب العائلة لتأمين الحطب والمازوت التي تفوق الـ 400 دولار «وهو ما يعجز النازحون عنه، في ظل عدم وجود مساعدات كافية من الجهات المانحة». ويشير إلى أن مفوضية اللاجئين قد شطبت آلاف العائلات من سجلات مساعداتها لأسباب مختلفة.
ويتوقف بعض النازحين عند عقبات الوصول إلى خيمهم وتجمعاتهم في الوزاني وإبل السقي ومرجعيون، فـ «الطرق الفرعية التي تربطها بالطرق الرئيسية موحلة بمعظمها وغارقة بالمياه وحفر المياه الآسنة». ومع ذلك لم يكن لدى النازح احمد عمر خياراً آخر. خرج الرجل إلى البراري لجمع حطب وإن مبللاً بالمطر. هناك بالقرب من المدفأة المستعملة المركّزة وسط خيمته في سردة يجتمع افراد العائلة طلباً للدفء، خاصة خلال ساعات الليل حيث يزداد الصقيع وتصك أسنان الأطفال فوق بعضها البعض.
تشير النازحة من حمص سليمة الحسين، وهي أم لستة أطفال، الى «كومة» من الحطب وضعتها في جوار خيمتها «جمعنا الحطب من بساتين الزيتون القريبة». وتشير إلى أن هذه الأغصان الصغيرة التي تركها أصحاب البساتين خلفهم، بعدما شذبوا كرومهم وأخذوا الأغصان الكبيرة، لا تسد حاجة كبيرة بل تكسر بعض الصقيع في خيمة من القماش تهددها الرياح في كل لحظة، بالانهيار.
في المقابل، يستعد النازحون من إدلب وبيت جن وريف حلب، الموزعون على تجمعات في العرقوب وحاصبيا ومرجعيون، لمواجهة برد الشتاء «نحن، وفق سعيد الرامي، اعتدنا خلال السنوت الماضية على تمضية الشتاء في الخيم نفسها». وعليه «اكتسبنا خبرة في مواجهة الرياح والثلوج المحمولة، وعجزنا عن مواجهة العواصف الكبيرة التي يصعب التغلب عليها، والتي تسببت بتطاير خيم كثيرة خلال شتاء العام الماضي. يومها، ووفق الرامي «أعدنا ترميم الخيم بشكل افضل وبخبرة اكتسبناها هنا». ومع ذلك، ما زال يتخوف من انهيار بعضها تحت ثقل الثلوج، متمنياً أن يكون «شتاء هذا العام لطيفاً غير قاس».
من جهة ثانية انعكس انخفاض اسعار وقود المازوت في لبنان هذا العام إيجاباً على النازحين، ووسائل التدفئة. وبذلك ارتفعت نسبة مستعملي المدافئ العاملة على «المازوت بما يقارب الـ 70%. «نحن نعمل على مزج المازوت مناصفة مع الزيت المحروق، طمعاً بالتوفير»، يقول طارق أبو اسماعيل من ريف حلب. صار سعر صفيحة المازوت أقل من عشر دولارات، وصفيحة الزيت المحروق بأربع دولارات، ولذا وبالرغم من ضرر الزيت المحروق على صحة الإنسان، إلا أنه «من الصعب علينا تجاوزها، فالحاجة تفرض نفسها، وليس باليد حيلة سوى الصبر، وانتظار الفرج في بلدنا علها تكون آخر شتوة في نزوحنا»، يختم أبو اسماعيل.
ينتقد النازحون الشح الذي تتبعه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحت ستار «ندرة المساعدات وانخفاض الميزانية». ويشير النازح من ريف إدلب شاكر أبو النور إلى ان المنظمات الدولية العاملة في إغاثة النازحين انصرفت وبنسبة عالية عن هدفها. يقول إنه «هناك جزء كبير من ميزانياتها تذهب الى سماسرة وموظفين تبدأ رواتبهم من 1300 دولار لتتجاوز في بعض الأحيان أضعاف هذا المبلغ، كذلك تؤمن لهؤلاء سيارات نقل مجانية وعلى حساب المفوضية، إضافة الى تقديمات أخرى تحت بند مصاريف ضرورية». ويرى أبو النور أن هذه الأموال «تُهدر في غير اتجاه خدمات النازحين، ومن دون حسيب او رقيب».
ويشير جواد، احد العاملين في مجال إغاثة النازحين، الى أن افراد حوالي 200 الف أسرة سورية، سيعانون جرّاء فصل الشتاء هذا العام. سيحتاج هؤلاء إلى المساعدة للتنعم بالدفء نتيجة انخفاض التقديمات، في حين ستحصل حوالي 150 الف أسرة على مساعدة مالية خلال هذا الشهر. وسيتم توزيع ممستلزمات لتجهيز المساكن لمقاومة العوامل المناخية، بما في ذلك أغلفة بلاستيكية وخشب رقائقي وألواح خشبية لتدعيم الخيم. وأوضح أنه خلال الفترة الممتدة بين كانون الثاني وأيلول من عام 2015، عمدت المفوضية إلى شطب أكثر من 150 ألف نازح سوري، من قاعدة بياناتها الخاصة لأسباب عدة اعتمدتها المفوضية.
تعليقات: