ترتفع شجرة الميلاد في ساحة مرجعيون مزهوّة بزينتها والأضواء الملونة التي تزيدها بهاء. من حولها يركض الأطفال النازحون الذين قصدوها من مخيمات أو منازل قريبة. من بينهم تبدو "سامرة" الصغيرة المهجَّرة من إدلب متأثرة بعيون دامعة. تتسمّر أمام الشجرة ولا تشارك أقرانها في الركض. تأتي ميسم، صديقتها وقريبتها، تسحبها من شرودها لتأخذها إلى جمع الأطفال المشاركين في لعبة جماعية.
بعض النازحين من البالغين يسقطون بهجة الزينة وكلفتها المرتفعة على واقعهم واحتياجاتهم في المخيمات مما يؤثر على صغارهم في الفرحة بالعيد. "المصابيح هنا كثيرة وجميلة، بينما نعيش معظم ليالينا في الظلمة"، يقول الطفل سعيد يونس، مقارناً بين حال نحو مئة خيمة يسكنها وعائلته مع نازحين آخرين في مخيم لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن موقع الشجرة.
وبالرغم من إصراره على اصطحاب أطفاله للمشاركة في جزء من أنشطة الميلاد، لا يرى حميد العلي "بهجة العيد ما لم نعُد إلى بلادنا". بالنسبة له لا زالت صورة سوريا الآمنة التي تعجّ بمواسم الأعياد بآلاف السياح هي الأهم "لكنها الحرب، ونحن هنا نحاول العيش عبثاً بأقلّ ضرر ممكن".
الأعياد في سوريا لا تقتصر على الأغنياء، كما يرون هنا في لبنان "بلدنا بلاد الفقير، للكل الحق بالفرح وفق إمكانياته"، يقول جاد الحلو النازح من ريف حلب على قضاء مرجعيون. شعوره بالحزن على نحو "مليونَي نازح سوري في لبنان"، كما يقدّرها الحلو، يبقيه في داخله بعيداً عن أطفاله "أريدهم أن يفرحوا بالقدر الممكن". وعليه يصطحبهم إلى الساحات المزيّنة، ويأتيهم بما تيسّر من أشياء قليلة يحبون امتلاكها في العيد.
سميرة اليوسف، الآتية من محيط الشام، احتفظت ببعض الهدايا التي قدّمتها قوات اليونيفيل لتخبر أطفالها أن "بابا نويل" فكّر بهم وجاءهم بما يفرحهم. جهودها لتحفيف الحاجة عن خمسة أطفال ترعاهم بعد أن قضى والدهم في مواجهات الغوطة، هي نفسها التي تدفعها لإشعارهم ببهجة العيد "إلى أن نعود إلى بيتنا وأرضنا".
مثلها، مثل اليوسف، فعلت شهبا العويسي. نزحت العويسي من بيت جن إلى شبعا. هنا سكنت في غرفة مشرّعة للريح والبرد. تعمل في المنازل لتردّ الصقيع عن أطفالها. ومع ذلك جمعت قروشاً قليلة تشتري بها بعض الحلوى وما تيسّر من ثياب جديدة للصغار "هو العيد ولا أريد أن يتحوّل إلى مناسبة لشعورهم بالظلم أكثر".
لفتة من إحدى الجمعيات العاملة بين النازحين لم تلق الترحاب من بعضهم. وزعت تلك الجمعية أسلحة بلاستيكية على الأطفال لمناسبة الأعياد. تقول إحدى الأمهات "وكأنه لا يكفينا صور الحرب والقتل التي علقت برؤوس أبنائها حتى يأتوهم بأسلحة كألعاب، هذا تكريس لحالة الحرب عندنا وكأنه علينا التحوّل إلى شعب يقاتل من صغيره إلى كبيره". تفضل هذه السيدة لو أن الجمعية صرفت المال على هدايا أخرى تدخل السعادة إلى قلوب صغار النازحين. انزعاج السيدة لا ينسحب على الأولاد الذين دخلوا في "مواجهات" افتراضية من زاوية إلى أخرى وسط ضحكات سرقوها وسط بهجة الأعياد من حولهم.
تعليقات: