كانَت كالمُعْتاد تُمارِسُ رياضَتِها المَسائِيَّة حينَ شاهَدَتْهُ مُنْزَوياً على مِقْعَدٍ حَجَريٍ مُتَئِكاً بِكوعَيْهِ على فَخْذَيهِ مُمْسِكاً بِرَأسِهِ مُحَدِّقاً بِالقَدَم.
بَدا كَمَّن أصابَهُ السأم, فَبَعْدَ أن تَأنَّقَ... تَخَلَّى عَن رَبْطَةِ عُنْقِه و فَتَحَ زِرَّ قَميصِه العُلْوي مُفْسِحاً لِنَسيمِ الهَواءِ البارِد لِلعَبَثِ بِشَعْرِ صَدْرِه ناخِراً جِلْدَهُ لِلْعَظِم.
حين أدْرَكَتْهُ تَمَهَّلَت قَليلاً مُحَدِّثَة نَفْسَها:" هذا مَشْهَدٌ خَليقٌ بِأن يُرْسَم", لِذا بِحِّسِ الفَنان إلتَقَطَت لَهُ صُورَة و واصَلَت جَرْيَها دونَ أن يُبادِرُها بِالكَلِم أو أن يُفْصِح عَن مَكْنونِ قَلْبِهِ و ما كَتَم.
كان هَذِهِ المَرَّة على التَّوَدُّدِ قَد عَزَم, و كان قَد تَخَيَّلَ رَدُّ فِعْلِها عَليه, و تَخَيَّلَ عَشَرات السيناريوهات التي سَتَجْذُبُها إليه, و تَخَيَّل كيف حين يَفُوزُ بِحُبِّها سَيَحْضُنُها عَشَراتِ المَرّات, و يُقَبِّلُها عَشراتِ المَرّات, و يَفْنى بَحُبِّها عَشَراتِ المَرات, لَكِن ما أن اقتَرَبَت حَتّى انهَزَم, و ما أن ابتَعَدَت حَتّى اجتاحَهُ الشُعورُ بِالنَدَم, و اشْتَدَّ اللَّوْمُ بِنَفْسِهِ و احْتَدَم, حَتَّى تَصَدَّعَ زُجاجُ قَلْبِهِ و انْقَسَم.
...
لاحِقاً حينَ دَنا مِنْهُ حارِس المُنْتَزَه, ألْقى عَلَيْهِ التَّحية و سَلَّم, لَكِنَّهُ ما أن تَقَدَّم... حَتّى تَبَيَّنَ أنَّ مَن يُكَلِّم قَد تَصَلَّبَ كالصَنَم...
...
ألْقَت نَظْرَةً أخيرة عليها قَبْلَ أن تَنْحَني فَوْقَها و تُخَرْبِش تَوْقيعُها بِالقَلَم, ثُمَّ عَلَّقَتْها بين ما كان لَدَيْها مِن مَثيلٍ على جِدارِ المَرْسَم, بَعْدَها جَهَّزَت قِماشَةً بَيْضاء جَدِيدَة و ثَبَّتَتْها على الهَرَم و قَرَّرَت أن تُغادِر المَشْغَل لِتَتَرَيَّض قَليلاً بَعْدَ أن داهَمَها السأم, إلاّ أنَّها حين إلتَفَتَت إليها وجَدَتْها لَم تَسْتَقِم, خُيِّلَ إليها حينَ أصْلَحَتْها أنَّ مَن بِها هَمَّ بِرَفْعِ رأسِهِ لِلْكَلِم, فَأطْرَت على مَوْهِبَتِها مُحَدِّثَة نَفْسَها:" كانَ خَليقٌ بِهِ أن يُرْسَم", ثُمَّ غادَرَت قَبْلَ أن يَتَسَنّى لِمَن في الرَسْمِ أن يُقْدِم... فتَسَمَّرَ كالصَنَم... ثُمَّ أطْرَقَ و انْزَوى كَغَيْرِ مَرَّةٍ مَع غَيْرِ لَوْحَةٍ في العَتِم...
***
تعليقات: