عودة المغتربين للعمل في لبنان تحرّك العجلة الاقتصادية
فاجأوا الأهل والأصدقاء بقرارهم الاستقرار في وطنهم
غياب الفرص الحقيقية وضآلة الراتب في دول الاغتراب
يسيرون عكس التيار، أو قد يظن البعض ذلك، ولكن قرارهم فاجأ الأهل والأصدقاء، وربما حظي بترحيب من آخرين، لكن وراء ذلك أسباب متعدّدة تجدر التوقف عندها...
إنهم العائدون إلى أرض الوطن للعمل بعد سنوات من الاغتراب والهجرة في دول كان البعض يعتبرها ملاذاً لإيجاد الرزق والبحث عن فرص حقيقية، لكن التبديلات في المنطقة غير الواقع، فقرروا العودة إلى لبنان...
ضآلة الراتب مقارنة بالمصاريف الملقاة على عاتق الشباب، فضلاً عن غياب الفرص الحقيقية في دول الاغتراب، يجعل خيار العودة بالنسبة لهم هو الأنسب، سواء للعمل مع الأهل أو في القطاع الخاص، لكن كل ذلك يطرح اسئلة متعدّدة عن واقع المغتربين...
وربما يحتار المرء من أين تكون البداية، ولكن في نهاية الطريق يقف الشباب أمام اتخاذ قرارات مصيرية، قد يبدو بعضها مغرياً أو تعلّمه التجربة غير ذلك، من هنا تأتي أهمية المقارنة بين العمل في السوق المحلي أم خارجه...
«لـواء صيدا والجنوب» يسلّط الضوء على ظاهرة عودة الشباب للعمل في بلدهم بعدما خاضوا تجربة العمل في دول الاغتراب، فعاد بهذه الانطباعات...
العودة للعمل في الوطن!
* قرار العودة للبنان لم يكن سهلاً ولكن الغربة ليست سهلة هي الأخرى، واقع عبّر عنه محمد بركة بالقول: «بدأت العمل في عدة وظائف قبل دخول الجامعة، رغم أن والدي يملك متجراً خاصاً به لبيع المفروشات في صيدا، ولكن فضّلت العمل منفصلاً خلال دراستي الجامعية، وبما أن كل شاب يطمح للسفر بسبب الظروف التي يمرُّ بها لبنان، والأمر نفسه نلاحظه في دول الخليج حيث بدأنا منذ عامين نلمس التراجع في أجور الموظفين والعلاوات التي تدفعها غالبية الشركات، لذلك فضّلت العودة إلى بلدي، لأن هناك فرصة للعمل مع والدي وتطوير مصلحتنا، فالعمل الحر أفضل من الوظيفة، رغم توافر الضمانات في الوظائف لكن تدنّي المعاشات يجعل العمل الحر أفضل، كما نلاحظ أن الناس «تنق» كثيراً، فهناك العديد من الأفكار تجعل الإنسان قادراً على تطوير عمله، ورغم الفرص التي قدّمت لي مجدداً للعمل في الخليج لكني فضّلت البقاء في بلدي لأن الرواتب غير مغرية، رغم أنها أعلى من الرواتب في لبنان، إلا أن الشاب عند عودته لزيارة وطنه ينفق كل ما ادّخره خلال العام».
وأضاف: «بمقارنة المصاريف والنفقات فإن تقاضي 800 دولار في لبنان يعادل راتب 2000 دولار في الخليج، وكان راتبي 3000 دولار في الخليج، إلا أننا نرى تراجعاً في العملات المدفوعة خارج لبنان، كما يصعب على الشباب تأمين ثمن للمنزل، ولكن والحمد لله ساعدني والدي على شراء منزل، وليس عيباً أن يتلقى الإنسان مساعدة من أهله، لكن عليه واجب الاعتماد على نفسه، وفتح مصلحة في لبنان أمر يحتاج إلى الفطنة والوعي، حيث نرى العديد من الأعمال مجدية لذلك تم فتح العديد من المحال مؤخراً، كما أن المهن الأخرى عليها طلب، فإذا اراد الإنسان إصلاح أي شيء في منزله يجري أكثر من 4 اتصالات بالعمال، والمفاجأة أن الجميع مشغول ولا يلبّي طلب الزبائن، لأن هناك تقاعساً من البعض عن العمل».
وختم بركة: «لقد تمكّنت من تطوير مصلحة والدي بعد عودتي إلى لبنان، ونلاحظ تجاوباً من قبل الأهل، وبمقارنة المبيعات للعام الحالي عن السابق، نرى ارتفاعاً في الأرباح، فيما نلاحظ أن الرواتب في دول الخليج أصبحت متدنية بسبب المزاحمة في العمل بشكل ملحوظ، كما أن الإنسان يستطيع العيش بأقل الإمكانيات فبعد العسر يسرا، وإن شاء الله تتبدّل الأحوال نحو الأحسن في لبنان».
الخبرة تعطي الأولوية
* بدوره محمد هلال قال: «عملت في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة على مدى 3 سنوات ضمن تخصص الإدارة والمحاسبة، ومن ضمنها شركات متخصصة في الاستشارات الهندسية ووسائل إعلامية وشركة حكومية تعطي تصاريحاً للبناء، كما عملت في مجال متابعة أمور الموظفين، وقررت العودة إلى لبنان، رغم أن المعاش الذي كنت اتقاضه في الخارج يُعد جيداً مقارنة بالأوضاع في لبنان، إلا أن هدف الاستقرار مع العائلة هو الذي جعلني أقرر العودة، خصوصاً أن خطيبتي موظفة ضمن القطاع الرسمي في لبنان، ورغم أن شهادتها تخوّلها الحصول على أضعاف الراتب الذي تتقاضاه في الخارج، لكن ما لمسناه من تجارب يعلّمنا أن المؤسسات الخاصة لا تعطي الآمان والاستقرار للموظفين، على عكس الحال بالنسبة لمؤسسات الدولة التي لا زالت مستقرة في لبنان وتعطي الموظفين حقوقهم في مواعيدها، ورغم الاحترام للموظفين في دولة الإمارات لكن ارتفاع تكاليف المسكن بشكل كبير أمر لافت، والمعيشة مرتفعة، فالدخل الذي يتقاضاه الموظف في الخارج يمكن أن يحصّله الشخص في بلده رغم كل المساوئ التي نعاني منها في لبنان».
وأضاف: «قررت العودة والالتحاق بفرصة عمل حصلت عليها في بلدي، فهناك العديد من فرص العمل سواء في لبنان أو خارجه، وذلك يحتاج إلى من يقوم بمهمة إرسال السيرة الذاتية إلى الشخص المعني أو دائرة شؤون الموظفين، والرواتب تعدّ مقبولة في لبنان، لكن المهام الملقاة على عاتق الموظفين تُعد كبيرة مقارنة بالراتب، ومن يملك خبرة عمل خارج لبنان تعطيه أفضليه لإيجاد فرص عمل حقيقية. وبالطبع كل إنسان لديه ظروفه التي تجعله يقرر العودة أو البقاء في الخارج، لكن في الغربة يحصل الإنسان على خدمات أفضل من حيث الانترنت وعدم انقطاع الكهرباء والمياه وغيرها من المشاكل التي باتت الخبز اليومي للبنانيين، فضلاً عن غياب الضمان الصحي والخدمات والطرقات، لكن يشتاق الإنسان لرؤية الأهل والأصدقاء والحي الذي عاش فيه، مما يجعله ينفق كل ما يدخّره خلال العام على زيارة خاطفة لوطنه الذي نحب العودة إليه، ولكن يبقى التساؤل عن مدى تشجيع المجتمع والحي لنا للعودة إلى وطننا؟!».
العودة بعد الدراسة
سؤال يستحق التوقف عنده وربما يستغرب البعض قرار العودة بالنسبة للشباب للبحث عن فرص عمل داخل وطنهم، ولكنه يبقى أمراً حقيقياً، وخصوصاً للذين اختاروا الدراسة والتخصص خارج لبنان.
* تجربة خاضها علي ملاح وعبّر عنها بالقول: «بعد إنهائي تخصص المحاسبة والمالية في صيدا سافرت لمتابعة تحصيلي في الماجستير بلندن، وقبل ذلك عملت في السوق الحرة على مدى 5 سنوات، والراتب يُعد جيداً بالنسبة لشاب يتابع دراسته الجامعة، وبعد ذلك قررت الذهاب إلى برينغهام في بريطانيا، فوجدت صعوبة بداية في متابعة الشرح بالنسبة لأساتذة الجامعة، ثم تأقلمت بعد شهر واحد، وبعد إنهاء مرحلة الماجستير بدأت أبحث عن فرص عمل في بريطانيا، ولكن هناك تشدّدا وضرورة إظهار الأسباب لاختيار أجنبي ضمن وظائف القطاع الخاص، فضلاً عن منافسة القادمين من أوروبا الشرقية الذين يستطيعون العمل بسهولة هناك، لذلك قررت العودة إلى لبنان، وحالياً ابحث عن فرص عمل سواء في لبنان أم خارجه، فهناك صعوبة في إيجاد فرص عمل في بعض الدول، لكن تقدّمت من خلال مكاتب توظيف ومواقع متخصصة في هذا المجال».
وأضاف: «لا يكفي إيجاد فرصة عمل بل اختيار بلد يؤمّن للشباب الحياة المطلوبة، ولكن قد يضطر الإنسان إلى اتخاذ قرارات لا ترضيه، وفي المرحلة الحالية أدعم معلوماتي من خلال القراءة والخضوع للدورات، حيث نلاحظ أن الجامعات في الخارج تعتمد على تنمية قدرات الطلاب وهناك إمكانية للوصول إلى المعلومات بشكل أفضل لتوافر الكتب والمراجع، والأساتذة يشجّعون الطلاب على التحصيل العلمي، ويعتبرون التعليم بالنسبة لهم رسالة سامية، وإن شاء الله بعد إيجاد فرصة عمل مناسبة سوف أتابع الدكتوراه، وأسعى لإكتساب خبرة في لبنان تمكنني من العمل».
إيجاد فرص عمل يبقى الهاجس لدى الشباب، مما يدفع البعض منهم إلى الهجرة فيما البعض الآخر يفضّل البقاء في وطنه، إلا أن العودة بعد سنوات من الاغتراب دليل على غياب الفرص الحقيقية في دول كانت محط استقطاب للشباب اللبناني.
تعليقات: