لا تشكل الولايات المتحدة أكثر من 05،0 في المائة من تعداد سكان كوكب الأرض، إلا أنها تشارك بمقدار 25 في المائة على الأقل من حجم التلوث المناخي في الكوكب، خصوصا بالنسبة لما يسمى ظاهرة <<الاحتباس الحراري>>، ومع ذلك فإن سياسات حكومتها تمثل العقبة الأكبر أمام تطبيق <<اتفاقية كيوتو>> للحد من ارتفاع درجات حرارة كوكب الأرض، والتي قد تكون الخطوة الأولى نحو إنقاذ الكوكب.
يضيف هذا بدرجة كبيرة حجم الأخطار التي تمثلها سياسات الولايات المتحدة، ليس على استقلال وأمن ورفاهية أو تقدم، بلدان أو شعوب محددة في العالم، بل على مجمل مستقبل البشرية، وذلك بنتيجة توجهات بالغة الانانية، تحكمها الشهوات الغريزية، من أجل البقاء في موقع الأقوى والوصول الى الهيمنة المطلقة على العالم.
فقبل يومين من عقد المؤتمر البيئي في بون الهادف الى إنقاذ <<بروتوكول كيوتو>>، الساعي الى خفض نسب ثاني أوكسيد الكربون وغيره من الغازات ذات مفعول الدفيئة، أجرت الولايات المتحدة تجربة على الاعتراض الصاروخي في اطار برنامج الدرع الصاروخية، في تطور يهدد بإطلاق سباق التسلح النووي العالمي مجددا، ما يعيد تعريض كوكب الأرض الى خطر مميت، ظن الناس أنه تراجع بقوة بعد انتهاء الحرب الباردة.
وبرغم أن دول العالم تختلف في تقييم الولايات المتحدة وسياساتها، ما بين اعتبارها <<الشيطان الأعظم>> وبين اعتبارها <<حامية الحرية والديموقراطية>> في العالم، الا أن سياساتها بالنسبة الى الدرع الصاروخية، وبالنسبة الى اتفاقية كيوتو المناخية، تحظى بالتنديد والانتقاد من الغالبية العظمى من دول العالم، ومن بينها بلدان حليفة، ومقربة تماما منها، مثل بريطانيا واليابان.
وبرغم أن رئيس الوزراء الياباني جونيشيرو كويزوومي، سعى الى الظهور بمظهر المتفهم للرفض الأميركي لاتفاقية كيوتو، أثناء لقائه الأخير مع الرئيس الأميركي جورج بوش في <<كامب ديفيد>>، إلا أن قلقه من الرفض الأميركي بدا واضحا، لاحقا، وبالأخص أثناء اجتماعه في لندن مع رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير الحليف الأقرب لواشنطن، حيث اتفقا على مواصلة العمل لإقناع واشنطن بالاتفاقية البيئية بالغة الحيوية على مستوى الكوكب.
ومع أن بريطانيا حرصت على تجنب انتقاد سياسات الولايات المتحدة، سواء تجاه مشروع الدرع الصاروخية أم تجاه اتفاقية كيوتو، إلا أن صحفها اتجهت بقوة في الأشهر الأخيرة نحو انتقاد تلك السياسات، خصوصا عبر إظهار الاخطار التي تعترض وجود بريطانيا نفسها، جراء تلك السياسات. ونشرت تلك الصحف تحقيقات مدعمة بالصور البيانية تظهر تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري (الذي تهدف اتفاقية كيوتو الى معالجته) على بريطانيا، كونها تزيد بقوة من العواصف والأعاصير التي تضرب الجزر البريطانية ومن ظواهر الجفاف وحتى التصحر التي بدأت تضرب أجزاء أخرى منها. وبلغ الأمر حد إبداء القلق الشديد على وجود بريطانيا نفسها.
وتهدف اتفاقية كيوتو إلى خفض إنتاج الغازات الدفيئة، الناجم أساسا عن احراق الوقود وعن الزراعات المكثفة وصناعات عديدة، بنسبة 1،5 في المائة في الفترة بين 2008 و2012، من أجل الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، وبالأخص حرارة المحيطات، الذي يرى العلماء أنها تؤدي الى زيادة الأعاصير والفيضانات وظواهر الجفاف والتصحر وذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، ما يهدد أيضا برفع مستوى المحيطات والبحور وإغراق المناطق الساحلية في العالم كثيفة السكان.
والغريب أن مناطق عديدة من الولايات المتحدة نفسها مهددة بظاهرة الاحتباس الحراري، بالاضافة الى آسيا ومناطق في كندا واستراليا وأوروبا، وبالتالي فإن السياسات الاميركية في هذا المجال تبدو متعارضة مع مصلحة الولايات المتحدة نفسها مستقبلا. لكن الواضح أن الرئيس الأميركي جورج بوش الذي رفض <<كيوتو>> بذريعة أنها تُضعف أميركا، يضع على رأس الاعتبارات مصلحة الشركات النفطية الاميركية، في تقويض السياسات البيئية العالمية، كما يضع مصلحة شركات الأسلحة الاميركية، في رأس اعتباراته، وهو يجر العالم باتجاه سباق تسلح جديد.
يُظهر رسم كاريكاتوري نُشر مؤخرا في احدى الصحف الاميركية، عضوا في الكونغرس الاميركي، يقول مستشهدا بتصريح لبوش أثناء الحملة الانتخابية بأنه <<سيغير الأجواء في واشنطن>>: <<لم أعتقد أنه كان يقصد تغيير الأجواء في العالم بأكمله..>>.
تعليقات: