مجموعة من الأطفال حول صحن عشاء (طارق أبو حمدان)
يجلس النازح من إدلب، السوري فارس أبو الفتوح، أمام خيمة نزوحه في سهل المجيدية. ينظر بحيرة إلى الحقول الزراعية المترامية أمامه، هي مصدر رزق له ولعائلته المؤلفة من ستة أشخاص، لكنه غير قادر على التوجه إلى العمل في هذه الحقول الزراعية، بعدما انتهت مدة إقامته وعجز عن تجديدها، بسبب الشروط القاسية المفروضة وارتفاع كلفتها المادية نسبيا.
يقول أبو الفتوح إن نسبة كبيرة من النازحين وقعوا في هذه المشكلة وقد تفاقمت مع عمليات الملاحقة التي تنفذها الجهات الأمنية وقيامها بتوقيف من لا يحمل إقامة، وهذا ما فرض على النازحين التوقف عن العمل وملازمة مخيماتهم حتى إشعار آخر.
يشير شامل الأحمد (النازح من حلب) إلى أن كلفة تجديد الإقامة تتجاوز الـ 200 دولار أميركي. يقول: «عائلتي تتألف من تسعة أشخاص. وهذا يعني أن تجديد إقاماتهم يتطلب نحو 2000 دولار تقريبا، فمن أين لنا هذا المبلغ ونحن بالكاد يمكننا تأمين ربطة خبز».
يضيف: «عدم قدرتنا على تأمين هذه المبالغ دفعنا إلى التزام خيمنا فأقفلت علينا هذه المشكلة أبواب رزقنا».
من جهتها، تتحدث سلمى العزي النازحة من إدلب عن الشروط التعجيزية المطلوب توفرها لتجديد الإقامة. إنها شروط مرهقة. عجزت الغالبية عن تجديد الإقامة». وتؤكد أن 50 نازحا فقط من أصل 500 في سهل مرجعيون تمكنوا من تجديد إقاماتهم».
ملاحقة النازحين المخالفين لقانون الإقامة بدأت منذ نحو عام ونصف، بحسب ما يوضح النازح من بيت جن محمد العلي، إذ تحولت عمليات الدهم وما يرافقها من إقامة نقاط للتفتيش من قبل القوى الأمنية من الأمور المعتادة وشبه اليومية. ولتفادي الملاحقات، يقول العلي: «نمكث في الخيم، والسبب يبقى أبدا الوضع المادي، فالمعاناة إلى ارتفاع ، ولا من يكترث، الكثير من المخالفين اعتقلوا، خضعوا للاستجواب، ليس بيدهم حيلة هم بحاجة للمال حتى يتسنى لهم انجاز المعاملات الضرورية، وهذا غير متوفر ولن يتوفر في الظروف المعيشية التي تحكم نزوحنا».
القوانين المرعية في تجديد الإقامة للنازحين، تصنّفهم إلى فئتين: المسجلون لدى المفوضية وغير المسجلين وكلا الفئتين يقول النازح عبدو العليمي من حمص، ملزم بدفع مبلغ 200 دولار لتجديد الإقامة، على أن يقدم غير المسجلين لدى المفوضية تعهدا بالمسؤولية من قبل شخص لبناني، اي يجب ان يكون لكل سوري كفيل لبناني، وهناك صعوبة أيضا في الوصول إلى كفيل من هذا النوع، حيث بات شبح الإرهاب المستشري، يخيف اللبنانيين. وهنا أيضا عقدة جديدة في انجاز معاملة الكفالة».
إضافة إلى الكلفة المالية الباهظة والشروط التعجيزية المفروضة رسميا، يعاني النازحون من معاناة أخرى تتمثل بالاستغلال الذي يمارسه بعض الكفلاء اللبنانيين على السوريين. وذلك لأن نظام تجديد الإقامة سهّل استغلال النازحين، بحسب ما يكشف النازح شهاب العموري العامل في احدى مزارع الدجاج في بلدة الماري. ويشرح العلي أن من مظاهر الاستغلال ما يقوم به بعض أرباب العمل (الكفلاء) من دفع أجور قليلة للنازحين ومضايقة النازحين العمال وإجبارهم على العمل في ظروف سيئة. ومن الأمثلة على ذلك، يقول العموري ما حدث مع النازح شادي الذي اضطر للعمل «بالسخرة» في أحد سهول مرجعيون، قبل الحصول على كفالته، كذلك حسن ابن 17 عاما، وهو نازح من ادلب أجبره رب عمله، على العمل أكثر من 12 ساعة في اليوم في مزرعة بقر في وادي خنسا، في حين أمضى سهيل من ريف دمشق (12 عاماً)، أكثر من ستة أشهر في مرآب سيارات يعمل 12 ساعة يوميا مقابل أجر لم يتجاوز الـ 50 دولارا في الشهر. هذا فضلا عن تعرض بعض فتيات النازحين إلى التحرّش الجنسي مقابل الكفالة.
عدم قانونية أوضاع النازحين، رفع من خطر حرمان الأطفال المولودين حديثاً من الجنسية، ذلك لأن أهاليهم لا يستطيعون تسجيل المواليد في لبنان إذا لم يكن لديهم أوراق ثبوتية، وهنا فإن أعدادا كبيرة من المواليد السوريين، لا يحملون شهادات ميلاد رسمية، بسبب نظام التسجيل الذي يتطلب وثائق لا يمكن للوالدين إبرازها عند الطلب، وهذا الوضع أيضا يؤدي إلى حرمان الأطفال من متابعة تعليمهم، وبهذا تضاف مشكلة جديدة إلى مشكلات النازحين.
تعليقات: