سهل الخيام أحد اكبر السهول الزراعية المهمشة

رئيس جمعية التعاونية لادارة مياه نبع الدردارة المهندس جهاد الشيخ وعدد من المزارعين
رئيس جمعية التعاونية لادارة مياه نبع الدردارة المهندس جهاد الشيخ وعدد من المزارعين


"المزارع شحّاد في بلده” هذا ما تسمعه من مزارعي سهل الخيام السهل الاكبر في جنوب لبنان، الذي يمتد على مساحة 10 كيلومترات مربعة، وتحتل مساحته المزروعة 600 دونم، اذ شهد توسعا ملحوظا في السنوات الاخيرة مع عودة عدد من المزارعين للارض مجددا وسط غياب فرص عمل في بلد يرمي القطاع الزراعي على هامش اولوياته، ليتحول معها المزارع من رقم صعب في الاقتصاد اللبناني الى "شحاد".

على مرّ السنوات الماضية لم يشهد القطاع الزراعي أي تحسن او يلحظ وزراء الزراعة اي مشروع زراعي يليق بمزارع يكد طوال اليوم لتكافئه الدولة برفع اسعار الاسمدة، غياب الارشاد والتوجيه الزراعي والاخطر منافسته ببضاعة مستوردة بأسعار ارخص ضمن صفقات " الفساد" التي تستفحل ارضية الاقتصاد اللبناني.

حين تطأ قدما،ك ارض السهل الذي يجمع حوله بلدات الخيام، ابل السقي، القليعة ومرجعيون، تشعر بغصة، وسط تساؤل: هل يعقل ان يكافأ المزارع المقاوم بالاهمال؟

على بعد امتار من السهل تقع مستعمرة المطلة في فلسطين المحتلة، داخلها تلحظ النمو الكبير للقطاع الزراعي، مصانع زراعية ومعامل، والاهم الانتاج الجيد للمزروعات بسبب ايلاء هذا الجانب اهتماما كبيرا، هذا الاهتمام مفقود في لبنان، فلا وزارة حاضرة، ولا مشاريع زراعية جاهزة ولا دعم يخرج للعلن في ظل حضور الجمعيات الوهمية الزراعية التي تأخذ الاموال من " درب" مزارع يحلم ان يكون له سوق تصريف لانتاجه بدلا من تكدسه في المخازن ومضاربته في السوق.

يتوق المزارع الخيامي ليكون "رقما صعبا" في معادلة الاقتصاد اللبناني، ويجهد ان يكون له قوته في سياسة الانماء الزراعي الغائب كليا وسط سطوة "السياسة" التي غيّبت المصانع الزراعية، وحرمت مزارعي الخيام من انشاء "حسبة" لتصريف الانتاج بسبب غياب التمويل، "كافئتنا الدولة بمزيد من الاهمال ضريبة التمسك بالارض" يقول احد المزارعين الذي يطرح اشكالية كساد المواسم بسبب الاستيراد " تخيل ان تحاربنا الدولة بانتاجنا بدلا من حمايته ودعمه".

سلسلة مشاكل

احلام مزارعي السهل تصطدم بسلسلة مشاكل تحول دون تفكيرهم حتى بأبعد من تصريف الانتاج وفق ما يؤكد يوسف الخوري احد كبار مزارعي السهل، يزرع حوالي 100 دونم تتوزع بين مزروعات مروية واشجار مثمرة وزيتون. يضع الخوري النقاط على حروف مشاكل مزارعي السهل، يتوقف عند غياب خطة النهوض الزراعي والزراعة العشوائية ولا يغفل عن غياب اسواق تصريف للانتاج تسهم في تشبص المزارع في ارضه بدلا من حثه على تركها بحسب الخوري "الدولة بخيلة على المزارع، الطبيعة ضد المزارع ولا احد يقف معه، نحن لا نطالب بمساعدة بل بكف غضبها عنا".

في كل بلد تشكل الزراعة عصب الاقتصاد، وتجهد الحكومات على دعمه ومؤازرته بمعامل ومصانع وتحرص على تصدير الانتاج عدا عن رفده بشبكات ري متطورة لضمان جودة الانتاج، اما في لبنان فتحرص الحكومات على ضرب الزراعة بشتى الوسائل بل كما يقول الخوري "تحتل النفايات اولوية والزراعة في دركها، تخيل انتاجي كان جيدا من القمح ووعدتنا وزارة الاقتصاد بأخذ المحصول وفي النهاية توقف المشروع فوقعنا فريسة كسر السعر. هل يعقل كيلو القمح يصل الى 325 ليرة؟! من يعوض خسائرنا عدا عن الجوز وغيرها، انا مصدوم... واقسى امنية ان اسدد ديوني".

جمعيات وهمية

في السهل عشرات المزارعين كل يهتم بانتاجه سواء من الحبوب الى الخضار والاشجار المثمرة والافوكا... زراعات مستحدثة بدأت تأخذ طريقها نحو السهل الذي كان قديما تتركز فيه الزراعات على الحبوب والخضار. ابو علي والذي يحاول ان يكون دبلوماسياً في مقاربته لواقع السهل، فهو يتكل على مجهوده، " نسينا انو عنا في وزارة تسأل عنا، بل يوجد نقمة من الدولة علينا، اين خطة النهوض بالقطاع الزراعي في خبر كان؟، علينا ان نتحمل غلاء الاسمدة والامراض التي تضرب الموسم وغضب الطبيعة واذا حضرت التعويضات تأخذها جمعيات وهمية ونحن نتفرج".

يعكس سهل الخيام صورة واضحة عن مجتمع لبنان الداخلي الذي يعيش ازمات متلاحقة وسط غياب الحلول وتجاذب اطراف الازمات، فيما يعتمد اغلب المزارعين على "نبع الدردارة" لري محاصيلهم.

رئيس جمعية التعاونية لادارة مياه نبع الدردارة جهاد الشيخ علي يشرح بعضا من مشاكل السهل التي تبدأ بأزمة تصريف الانتاج ولا تنتهي عند خطر غور مياه الدردارة وتلوثها بسبب الآبار التي حفرت على مقربة منها التي تهدد بتلوث النبع. يقول الشيخ علي ان "غياب الشبه كلي لوزارة الزراعة مضافا اليها غياب الارشاد الزراعي الذي يؤثر على الامن الزراعي ومعها مشكلة تصريف الانتاج كلها تضع السهل على المحك. كيف سيصمد المزارع في مواجهة الظروف الطارئة؟". في جعبة الشيخ علي مشروع " حسبة" وبراد لحفظ الخضار "غياب التمويل يحول دون تنفيذه، نواجه مشكلة حضور الجمعيات الزراعية الوهيمة التي تأخذ الاموال وتحرم المزارع من مشاريع زراعية، طبعا هذه الجمعيات لها سند سياسي والا كيف تضمن استمرارية شفطها الاموال؟!"، برأي الشيخ علي غياب السياسة العامة الزراعية احد ابرز معوقات تطوير ونهوض الزراعة التي يفترض ان تحميها الدول لا تقتلها".

شبكات مياه تحت الارض

يجهد الشيخ علي عبر جمعيته التي تأسست العام 2010 وعملت على تمديد شبكات مياه تحت الارض بسعة 10 انش، ان يمد المزارعين بجرعة " قوة" سيما المياه عصب الزراعة، "لكننا نواجه خطر تلوث نبع الدردارة بسبب جشع اصحاب الاملاك الخاصة دون رادع يذكر، يوجد الكثير من التعديات على النبع وهذا الامر بات يشكل خطرا كبيرا اذا لم يجر معالجته". لا يتردد الشيخ علي بالقول " ان تلوث المياه يعني تلوث الزراعة ما يعني ان مصير عشرات العائلات بات مهددا، وما زاد الطين بلة الآبار الارتوازية المحيطة بالنبع الذي نخشى ان يغور ويصبح في خبر كان سيما وسط تراجع نسبة المتساقطات ما يعني ان الزراعة على المحك والمسؤولية مضاعفة، لذا نسعى قدر الامكان الى حماية الزراعة ولكن يدا واحدة لا تصفق".

يرسم سهل الخيام صورة صادقة عن لامبالاة وزارة لا تهتم بمن يزرع، ويقدم واقعا حقيقيا عن هشاشة القطاع الزراعي الذي يعيش خضات متلاحقة رغم لجوء عدد كبير من الاهالي للزراعة كمورد رزق. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: متى تتعلم الدولة اللبنانية كيف تبني قطاعات صلبة بعيدا عن اروقة السياسة؟ لكن، حين تنظر الى المطلة وترى النمو الزراعي الكبير في ارض العدو، وتلتفت الى الخيام وترى سهلا عجوزا بالكاد يلتقط انفاسه الزراعية ليصمد بالحياة يتأكد لك اننا نحتاج الى دولة قبل ان نحتاج الى سياسة.

بركة الدردارة
بركة الدردارة


تعليقات: