الشاعرة هدى صادق: ليكن دعاء الأمهات لنا رحمة وصك دخول الى الجنة بإذن الله
كبرنا وعرفنا يا أُمي
أن الأطفال لا يكبرون عبثا
من تلقاء أنفسهم ..
وحتى يكبروا ...؟؟
يحتاجوا لمن يعلمهم كيف يأكلون ..
وكيف يٓحبون ..
وكيف يمشون ..
وكيف يتحدثون ..
وكيف يتمشطون ..
ويستحمون ..
ويواجهون العالم الكبير .
كبرنا وعرفنا يا أمي أن حكايات
الأطفال
أختُرعت لتسليتنا ..
لإلهائنا ..
لمنحنا شغفا للحياة..
لإسعادنا ..
لتلوين طفولتنا..
وأن بعضها مجرد من الحقيقة ..!
لأن كل نهاياتها جميلة
لا تشبه نهايات الواقع ..
كبرنا وعرفنا أن الأطباق لا تأتي
بمفردها على سفرة الطعام ....
وأن الملاعق لا تُرتب من تلقاء نفسها ..
وأن المناديل الورقية لا يطويها الهواء ..
وأن الطبخ لا ينضج دون بهارات حب ..
وأن اللمة تحتاج الى عطف وحنان أم ..
وأن الشبع لا يأتي من أصناف الطعام ،
إن لم نخلط مكوناتها بسعرات حرارية من المودة ..
وأن اللقمة تكون الذ، حين نقتسمها مع من نحب ..
كبرنا وعرفنا يا أمي أن الإعتدال في اللعب، وفي الدراسة ،
والشيطنة ، والأدب، يمنحنا مساحات واسعة ، وأكثر حرية للتنقل في الحياة ..
وأن الحُفر فوق الأرض كثيرة ،
والفِخاخ أكثر، لذا علينا أن ننظر دوما للأمام،
وأن نعرف أين نضع خطواتنا وأين نقف ..
لأن الوقوع والتعثر قد يكون مؤلما جدا
وأن الوقوف مجددا يحتاج لجهد كبير ...
وأن الحجارة لا تبتعد إن كانت في طريقنا بل علينا نحن الإنعطاف عنها..
لذا يجب علينا أن نعي أين يمكننا أن نعمل ومتى باستطاعتنا أن نستريح ..
لأن تسلق القمة لا يحتاج الى سلالم، وأدراج ، ومصاعد إلكترونية ،
فما من شيء قد يرفعنا إلا أخلاقنا ، وهمتنا، ونشاطتنا ،والكثير من خطوات التفاؤل ...
كبرنا وعرفنا يا أمي أن هناك طعنات قد تأتي من القدر،
وأخرى قد تأتي من البشر،
وأنها قد تكون في بعض الأحيان طفيفة ،وفي بعض الأحيان نافذة ،
وأن شفائها يحتاج لصبر ، وتحمل، ومشقة ،
وصمت غضب ،وسكينة روح وتسامح في بعض الأحيان..
كبرنا وعرفنا يا أمي أن الكره يبعدنا عن الله لسنوات ضوئية كبيرة ،وأن الحب يقربنا منه
وأن اختلاء النفس بذاتها ، والتأمل يفتح لنا نوافذ بصيرتنا، لنرى النور اكثر ..
وأن التعصب فتنة، وإدمان حُب النفس مرض ...
وأن التواضع تاج النفس ، والرحمة عرشها ،
وأن البسمة رسالة لا تحتاج الى ساعي ليستلمها منه بريد القلب ..
وهي لا تستقل حافلة، أو طائرة ،أو صاروخا لتحط بسلام في مطارات النفوس ..
وأن الفشل أول النجاح إن واصلنا العمل على تطويره،
وإنعاش طاقته ونشاطه ومنحه فرصا جديدة للتجربة .
وأن الحزن شعور جميل إن كان في محله ،دون إن يتحول الى بعبع يخيف أفراحنا
إن لم نخفف من جرعاته كل حين ..
وأن الآتي دوما أجمل وإن تأخر
في الوصول..........
وإن انتظار الفرج حكمة، والسعي لاستقباله فلسفة ،
وأن الوثوق بالله سرور ،والإبتعاد عنه ضياع ..
كبرنا وعرفنا يا أمي أن الدواء مر ، ورغم هذا نحتاجه ليعالجنا
وأن الوجع حتمي وقد خلق لنعرف قيمة الصحة ، وكيف نحافظ عليها
بالشكر والعرفان لله ...
وأن البكاء أحيانا يكون من فرح، وأحيانا يكون من حزن ،
مع أنه في كلتا الحالتين دموع مالحة
وأن من السهل أن نحطم بيتا ، أو نشعل حربا ، أو نمزق قلبا ،أو نجرح بشر
أو ندوس وردة ، وأن من الصعب أن نزرع الثقة مجددا في تربة من خذلناهم وخناهم مرارا
لهذا علينا أن نثمن الكلمات قبل أن تخرج من أفواهنا ،
لأنها قد تتحول الى رصاصة ، وما من فرصة لإعادتها الى حناجرنا ..
لأنها ستكون قاتلة ومؤذية ومدوية
وما من وسيلة لرتق أغلب الإصابات، أو إيجاد ترياق لتطبيب أغلب الندوب ،
خاصة تلك التى لا ترى بالعين المجردة
فالإختبار هنا يحدد من أنت وكيف هي نظرة الآخرين لك
الكثير الكثير مما تعلمناه يا أمي ، ولا زلنا بحاجة لكثير من الوقت لنعرف اكثر
آلا أن الشيء الذي فطرنا عليه وعرفناه دون تعلم هو أن الدنيا بلا أم
صعبة جدا، ومعتمة ،
لهذا اغتنم وجود امك وقبل جبينها ، ويدها ، واحتضنها ، كن على تواصل معها،
امنحها الحب باضعاف مضاعفة،
فمهما فعلنا لن نرد لها ذرة مما فعلته لاجلنا،
وليكن دعائها لنا رحمة وصك دخول الى الجنة بإذن الله..
وكل عام وكل الأمهات بخير
تعليقات: