يتقشّف المطوّرون في بناء المشارع العقارية لكي تحافظ السوق على متانتها. (الأرشيف)
هل يستعيد القطاع العقاري عافيته بعد أعوام عجاف ذاق خلالها مرارة الانعكاسات السلبية للأوضاع السياسية والاقتصادية؟ السؤال يبدو مشروعاً بعدما بيّنت إحصاءات المديريّة العامّة للشؤون العقاريّة أن القطاع العقاري استعاد حيويّته خلال شهر شباط المنصرم بعد بداية ضعيفة مطلع السنة.
أظهرت إحصاءات المديرية العامة للشؤون العقارية ارتفاعاً شهرياً بنسبة 20,26 % في أداء القطاع العقاري خلال شباط الفائت، إذ زاد عدد المعاملات العقارية إلى 5,165 معاملة من أصل 4,295 في كانون الثاني. هذه الخطوة الإيجابية جاءت لتضيء شمعة في عتمة القطاع العقاري ليصبح وضع القطاع مستقراً وهادئاً وفق رئيس جمعية تجار ومنشئي الأبنية إيلي صوما.
فالسياسة التي اعتمدها منشئو الأبنية قبل 4 أعوام والتي تقضي بخفض معدلات تشييد الأبنية أثبتت فعّاليتها، بما أدى الى استقرار الوضع العقاري وأصبح العرض يتماشى مع معدّلات الطلب. ويشرح صوما لـ "النهار" أن التاجر الذي كان يعمد سابقاً الى تشييد 10 أبنية خفّض العدد إلى مبنيين، حتى أصبح عدد الشقق التي يتم إنشاؤها بنحو 16 ألف شقة سنوياً من 25 ألف شقة سابقاً، مشيراً إلى أن "الوضع العام في البلاد وتراجع عدد المغتربين والخليجيين فرضا وضع هذه السياسة، حتى لا نصل الى مرحلة انهيار القطاع رغم أن الأمر مستبعد في الوقت الحاضر".
وفي الوقت الذي بدأت تسري فيه شائعات عن "هرولة" الخليجيين الى بيع عقاراتهم بأسعار خيالية، يؤكد صوما أن "عمليات البيع ليست جديدة وتعود الى أعوام خلت. إلاّ أن ما يشاع عن البيع بأسعار خيالية يحتاج الى بعض الدقة"، مؤكداً أن "حركة الشراء والمبيع جامدة نسبياً في بيروت حالياً، وأن ثمة نحو 1200 شقة فارغة على الخط البحري لبيروت معروضة للبيع بأسعار تناهز الـ 5000 دولار للمتر الواحد".
ولكن ألم ينعكس الجمود على الأسعار؟ لا ينفي صوما الأمر ويشير إلى أن أصحاب العقارات، وخصوصاً اولئك الذين تتراكم الديون عليهم في المصارف، يعمدون الى التقليل من حجم أرباحهم على نحو يترجم بخفض أسعارهم بين 20 و30 %.
ورغم الجمود العقاري يعوّل القطاع على القروض الميسّرة التي توفرها المصارف بدعم من مصرف لبنان، يلفت صوما إلى أن هذه القروض اضافة الى قروض مؤسسة الاسكان والمؤسسة العسكرية توفّر شراء نحو 11 ألف شقة سنوياً، منها 7 آلاف شقة من قروض مؤسسة الإسكان وحدها. ويشير الى أنه "ما دام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يواصل تسهيل القروض الإسكانيّة من الإحتياطي الإلزامي، ستستمر حركة السوق العقارية رغم الهدوء الذي يسودها".
وفي موازاة جمود القطاع العقاري، وحتى لا يصل وضعه إلى ما لا يُحمد عقباه في ظل الأوضاع السياسية الحالية، تقوم جمعية منشئي الأبنية بالتحرك خارج لبنان لتنشيط الحركة في الداخل وتأتي زياراتها الى اوستراليا والدول العربية ولاحقاً الى كندا وبعض الدول الاوروبية في هذا السياق، إذ أن زيارتها الى اوستراليا نجحت في بيع نحو 100 شقة في لبنان وكذلك الأمر في الدول العربية"، وفق ما يؤكد صوما.
مشاريع المكاتب على حالها
ويبدو أن سياسة التقشّف في بناء الشقق السكنية انسحبت كذلك على المكاتب التجارية، وهذا ما أثبتته الدراسة التي أجرتها شركة "رامكو" والتي بيّنت أن عدد المشاريع التي يجري تطويرها لاستخدامها كمكاتب بلغ 34 مشروعاً ووصل مجموع مساحتها إلى 194,863 متراً مربعاً.
وبيّنت الدراسة أن المشاريع قيد الإنشاء سنة 2016 لم تتبدّل عن 2015 والتي كان مجموعها 195,684 متراً مربعاً. وهذا إن دلّ على شيء فعلى الجمود الحاصل في قطاع تطوير المكاتب وفق ما يقول المدير العام لشركة "رامكو" كريم مكارم. وتتزامن هذه النتائج مع مؤشرات أخرى منها أن ورش التطوير الجديدة اقتصرت على 4 مشاريع انطلقت خلال الأشهر الـ12 الماضية، فيما بلغ عدد المشاريع قيد التطوير في السنة الجارية 34 مشروعاً مقارنة بـ37 مشروعاً في العام السابق أي بإنخفاض 8 % تقريباً.
وبحسب تقرير "رامكو" حازت الأشرفية على 71 % من هذه المشاريع وقد بدأ هذا النمط منذ أعوام في تنفيذ مشاريع تطوير مكاتب في مناطق أوتيل ديو والمتحف والعدلية وكورنيش النهر، وبلغت مساحتها 139,099 متراً مربعاً. ويعزو مكارم قلّة المشاريع المخصصة للمكاتب إلى "ندرة الأراضي المعروضة والمخصصة للمكاتب من شركة سوليدير". وتبعاً لمواقعها تراوح معدلات البيع في الطوابق الأولى لهذه المشاريع بين 3,500 إلى 4 آلاف دولار للمتر المربع. وتبيّن هذه الأرقام أن الأسعار وفق ما يقول مكارم "مستقرة مقارنة بأسعار العام الفائت ولم تتبدل، في ما عدا التخفيضات التي يجريها المطوّرون الذين تقلّصت أعداد عمليّات البيع لديهم".
تعليقات: