محطة التكرير المهملة في وادي ميمس (طارق ابو حمدان)
أرخى التلوث البيئي بثقله على وادي بلدة ميمس والمناطق السكنية والحرجية المحيطة، وذلك بعد الترهل والتعطل الذي ضرب محطات تكرير المياه المبتذلة الثلاث في وادي ميمس، نتيجة لإهمالها وعدم صيانتها منذ إنشائها عام 2002، فتحوّلت عن هدفها الأساسي لتغدو مصدر تلوث يتجاوز خطره البيئي الطرف الغربي لبلدة ميمس، وصولاً حتى نبع الحاصباني.
الأنبوب الرئيسي للمياه المبتذلة العائد لبلدة ميمس، ينقل نسبة بسيطة من مياهه الى خزانات إحدى المحطات في الوادي وهي معطلة أصلاً، في حين أن النسبة الأكبر تتسرّب من فجوات عدة أصابته في كل اتجاه، لتصب في مجرى نهر أبو دجاجة المحاذي، أحد روافد نهر الحاصباني والذي تنضب مياهه الخفيفة باكراً، ليتحوّل إلى مجرى للمياه الآسنة، فتغدو غدرانه أشبه ببرك سوداء داكنة، تسرح وتمرح مختلف أنواع الزواحف والحشرات السامة فيها، وتنبعث منها الروائح الكريهة، التي باتت مصدراً رئيساً للتلوث، الذي يضرب محيطه، ليطال بضرره عشرات المنازل وسكانها، إضافة إلى المواسم الزراعية، وأحراج الصنوبر والسنديان والزيتون، من دون أن تبدو في الأفق القريب أية محاولات جادة، لرفع هذا التلوث أو الحد من خطره، والمتّجه بسرعة إلى التفاقم مع مطلع الصيف، ما سيضاعف هذه الكارثة البيئية القاتلة.
ضرب نبع الحاصباني
خطر محطات التكرير هذه، يتجاوز وادي بلدة ميمس، إلى نبع الحاصباني الرئيسي الذي تتسرّب إليه المياه المبتذلة عبر نهر أبو دجاجة، وهو أحد روافده، مع بداية الصيف، ما سيضاعف خطر الوضع البيئي المزمن الذي يعاني منه أيضاً نهر الحاصباني وحوضه.
تكفي جولة قصيرة في وادي ميمس ونهر أبو دجاجة، ليتم اكتشاف أقنية الصرف الصحي المتعددة والمتفاوتة الغزارة، التي تصبّ جميعها في مجراه، لتتشكل غدراناً ومستنقعات سوداء مختلفة الأنواع والأحجام، تجمع بينها الروائح الكريهة. ويتحدّث المزارعون والقاطنون وأصحاب المصالح في المنطقة، خصوصاً مزارع الأبقار، عن تعرّضهم، وعلى مدار الساعة، لتنشق الروائح الكريهة، التي تسبّب لهم العديد من الأمراض الصدرية.
وتجدر الإشارة إلى أن استقالة بلدية ميمس، منذ سنتين نتيجة خلافات بين أعضائها، انعكس سلباً على أدائها بشكل عام وعلى الوضع البيئي بشكل خاص، لتنعدم عندها المعالجات الجذرية، في ظل الإمكانيات المادية البلدية الضعيفة والتي بدأت مع تكليف احد أعضائها بتصريف بعض الأعمال الضرورية والملحّة. ومن ضمن الإصلاحات المحدودة كانت محاولة التخفيف من الخطر الناتج عن تعطل محطات التكرير، وتسرّب المياه إلى مجرى النهر المحاذي، وقد تمّت الاستعانة بخبير بيئي أجرى كشفاً على المحطات والأنابيب التي تصبّ فيها، ليتبين أن أعطالاً كبيرة حصلت نتيجة للإهمال المزمن وعدم الصيانة. كما بدا أن الأنابيب الرئيسية تكسّرت قبل أن تصل إلى الخزانات، والبلدية أطلقت عملية ترميم محدودة تستغرق أسابيع عدة، لرفع ما أمكن من الضرر الحاصل، على أمل أن يتابع المجلس البلدي الجديد كامل الإصلاحات الضرورية.
قائمقام حاصبيا وليد الغفير، أشار إلى «أن معظم محطات التكرير في حاصبيا والقرى المحيطة معطّلة منذ فترة، بعد تلف بعض معداتها، وقد أناطت البلدية بورشة لإصلاحها، وتأخّر ذلك عائد إلى عدم وجود قطع الغيار بحيث نسعى لتأمينها». أضاف: «كنا قد طلبنا من البلديات في القرى المحيطة العمل على إصلاح المحطات والحدّ من تسرّب المياه المبتذلة إلى مجاري الأنهار، خصوصاً تلك المعتبرة روافد لنهر الحاصباني، وقد تذرع معظمهم بعدم القدرة على إصلاحها وتشغيلها بسبب الكلفة العالية المترتبة على ذلك».
تاريخ المحطة
لم تكن محطات تكرير المياه المبتذلة، التي نفذتها جمعية الشبان المسيحية في وادي بلدة ميمس العام 1998، وبكلفة ناهزت الـ150 الف دولار أميركي، على قدر طموح هذه الجهة المتبرّعة، فجاءت غير مطابقة للمواصفات والمعايير التي تتطلّبها مثل هذه المشاريع البيئية، بعدما اقتصرت إنشاءاتها على خزانات فارغة من اي محتوى لمعدات تساهم في تكرير وتنقية المياه المبتذلة وتحويلها لمياه صالحة للاستعمال! واختير في التصاميم، ما يسمّى بركود وترقيد محتويات المياه الآسنة، عبر خزانات متواصلة بواسطة أنابيب بلاستيكية، يبعد أحدها عن الآخر حوالي 5 أمتار. فكانت فاشلة بكل معنى الكلمة. فما يدخلها من مياه مبتذلة تبقى على حالها عند خروجها لتصبّ في نهر ابو دجاجة، أحد روافد نهر الحاصباني، مما يجعل التلوث ينتقل من محيط بلدة ميمس الى هذا النبع، ويساهم في رفع نسبة تلوثه.
تعليقات: