مدخل بلدة الهبارية
الهبارية·· تميزت بأهمية تاريخية وموقع مميز وفاعل سياسياً
العلاقات الوطيدة بين أهالي العرقوب تجعلهم بمنأى عن الفتنة
في أحضان جبل سدانة المتفرع من جبل الشيخ، ترتاح بلدة الهبارية - قضاء حاصبيا، في وادٍ ضيق، تضللها غابات الصنوبر والسنديان وبساتين الزيتون والكرمة والجوز من كل الجهات·
وتبعد عن العاصمة بيروت 116 كلم، وتعلو عن سطح البحر 650 متراً، وهي بلدة عريقة قديمة العهد، وسميت بالهبارية نسبة للقائد الروماني الشهيد "هوبر"، ويؤكد ذلك غنى البلدة بالآثار الرومانية والصليبية المنحوتة بالصخر في مواقع عديدة في خراج البلدة، أهمها "معبد بعل جاد"، الذي مازال شاهداً يزين ساحتها العامة حتى يومنا هذا، ويعتبر بحسب المراجع التاريخية والأثرية من أهم وأقدم المواقع الأثرية الرومانية في الشرق قاطبة· عائلات الهبارية مقسمة إلى 4 أرباع هي: "المساعدة، العبادلة، الزهاونة والعطاوطة"، وكل منها يضم العديد من العائلات، يرجعون في أصولهم إلى عرب العشائر من شمال شرقي الأردن هضبة الجولان السوري المحتل·
عدد سكان الهبارية اليوم 6 آلاف نسمة مسجلين على لوائح النفوس، ينتخب منهم حوالى 2200 ناخب، ولا يتجاوز عدد المقيمين في البلدة 1500 نسمة، والباقين نزحوا بسبب الأوضاع الأمنية التي تحكمت بالمنطقة منذ أواخر الستينيات إلى مناطق أخرى، خاصة إلى العاصمة بيروت، وأقاموا تجمعاً لهم في منطقة الشويفات، بات يعرف اليوم بحي الهبارية، كذلك هناك نسبة لا يستهان بها من أبناء الهبارية الذين هاجروا إلى ديار الإغتراب، وخصوصاً أميركا اللاتينية، واستقر القسم الأكبر منهم في البرازيل·
اكتسبت الهبارية أهمية تاريخية تميزت فيها عن باقي بلدات وقرى العرقوب، فكانت ممراً للسيد المسيح أثناء انتقاله من القدس إلى جبل حرمون للتجلي، كما جرت فيها معارك عديدة أيام الفتح الإسلامي بقيادة أبا ذر الغفاري، وكانت أيضاً ممراً لجيوش صلاح الدين الأيوبي في طريقه إلى فلسطين، حيث التحق به عدد من أبناء البلدة·
شهدت الهبارية منذ مطلع الخمسينيات نهضة علمية رائدة، تعدت نسبة الـ 85% من عدد أبناءها، فكان منهم الطبيب والمهندس والمحامي والصيدلي وغيرهم من المثقفين وحملة الإجازات، كما أن عدداً آخر من ابناء البلدة التحق بالمؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية، وتبوأ مناصب عالمية، كما كان لرجال الدين موقعهم ومكانتهم في الهبارية خاصة والمنطقة بشكل عام، وكان لهم الفضل في توعية الأجيال الصاعدة واعدادها اعداداً صالحاً، من خلال نشر الدين الإسلامي الحنيف، القائم على الفضيلة والقيم ومكارم الأخلاق، فإلى جانب الجامع القديم في الهبارية تم افتتاح مسجد جديد في البلدة من قبل دائرة الأوقاف الإسلامية السنية في صيدا وذلك في 5 تشرين الأول الماضي برعاية مفتي يدا ومنطقتها الشيخ سليم سوسان ومفتي مرجعيون وحاصبيا الشيخ حسن دلي وبحضور عدد من العلماء ورجال الدين، واطلق عليه اسم "مسجد صلاح الدين"، عن روح المرحومة الحاجة فاطمة الدبس وبات هذا الصرح الديني مقصداً للمسلمين في المنطقة· كما كان للهبارية موقعاً مميزاً وفاعلاً على صعيد التنظيمات والأحزاب السياسية التي ظهرت على الساحة اللبنانية مثل: الحزب الشيوعي، التقدمي الإشتراكي، التنظيم الشعبي الناصري، البعث، السوري القومي الإجتماعي، الجماعة الإسلامية، وحديثاً كان الديمقراطي اللبناني وتيار المستقبل·
وقد لعبت هذه الأحزاب دوراً أساسياً في بلورة الوعي السياسي والوطني لأبناء البلدة، وانخراطهم في صفوف المقاومة الفلسطينية، ثم في صفوف المقاومة الوطنية، وأخيراً في المقاومة الإسلامية، مشاركتهم الدائمة في مقاومة العدو الإسرائيلي طيلة هذه الحقبة وحتى التحرير في العام 2000 ·
موقع الهبارية الجغرافي والوطني، جعل منها قلعة حصينة، وخطاً دفاعياً ثابتاً في دعم ومساندة اخوانهم في الخط الأمامي المتقدم من راشيا الفخار وحتى شبعا، مروراً بكفرحمام وكفرشوبا في مواجهة العدو الإسرائيلي المتربص شراً في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا، وكان مقدراً لها أن تدفع في كل جولة ضريبة الدم، وثمناً باهظاً للخراب والدمار، إلا أنها ظلت على الدوام عنواناً في التضحية ومثالاً يحتذى في الإباء والكبرياء·
في العام 2000 وبعد التحرير مباشرة، شهدت الهبارية حركة عمرانية لافتة، ساهم فيها عودة الأهالي الكثيفة إلى قريتهم لمحو آثار الدمار والخراب عنها، متباهين بهذا الإنجاز العظيم، الذي كان لهم شرف المساهمة في انجازه صموداً واعتقالاً وتهجيراً واستشهاداً·
علي عيسى
ولكن الأوضاع الأمنية المستجد منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، مروراً بعدوان تموز العام الماضي حال دون بقاء الأهالي في بيوتهم، وتحول التهجير القسري الذي كان قائماً إبان الاحتلال إلى تهجير طوعي كما يصفه رئيس البلدية علي عيسى بعد التحرير، الذي قال: لقد ساهم بذلك أيضاً السياسات المتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة، التي لم تفعل شيئاً مما هو مطلوب منها، لرفع الغبن والحرمان الذي لحق ببلدتنا بالمنطقة على مدى أربعة عقود ومتتالية·
ويضيف عيسى: أمام هذا الواقع المرير، وبغية التخفيف من معاناة الأهالي ومساعدتهم على تخطي العقوبات التي تعترضهم، عمدت البلدية فور زوال الاحتلال الإسرائيلي مباشرة، إلى تنفيذ العديد من المشاريع الإنمائية والخدماتية والثقافية· وانجزت سلسلة من هذه المشاريع أهمها: انشاد مبنى جديد للمدرسة الرسمية بتمويل من "مجلس الجنوب"، تعبيد الطريق العام للهبارية، اعادة تأهيل شبكة الصرف الصحي، وانشاء محطة جديدة لتكرير المياه المبتذلة بالتعاون مع "مؤسسة مرسي كور"، انشاء مركز ثقافي في البلدة بالتعاون مع المؤسسة نفسها أيضاً، وكذلك ترميم وتأهيل المعبد الروماني بواسطة "جمعية لبنان التاريخ"، بناء العديد من جدران الدعم على جانبي الطريق الرئيسي المؤدي للبلدة، توسيع وتعبيد العديد من الطرقات الداخلية والمساهمة في شق وتعبيد طريق عام يربط البلدة بشبعا، كما انه هناك مشاريع أخرى قيد التنفيذ وسينتهي العمل فيها خلال فترة قريبة·
ولفت إلى "أن بلدية الهبارية قامت بواجبها خلال حرب تموز لجهة تأمين المواد الغذائية والطبية لأبناء البلدة، ومواكبة النازحين إلى القرى المجاورة والعاصمة بيروت، ومساعدتهم قدر المستطاع، كما كان للبلدية حضورها الثقافي والسياحي والبيئي، وقامت بالعديد من النشاطات المتعلقة في هذه المجالات"·
وأمل عيسى "أن تفرج الدولة عن الأموال المجمدة في صندوق البلديات المستقل، كي تتمكن من تنفيذ المشاريع المقدرة، خصوصاً في ظل الأوضاع الإقتصادية الضاغطة، حيث لم يعد بمقدور الناس تحمل الرسوم والضرائب، وكذلك الإفراج عن التعويضات المستحقة لأبناء العرقوب والمقدرة منذ العام 2000 في الجلسة الشهيرة التي عقدها مجلس الجنوب آنذاك في مدينة بنت جبيل، بهدف دعم ومساعدة أبناء المناطق المحررة، وتشجيعهم على العودة إلى قراهم وبيوتهم"
· المختار أبو همين
من جهته، المختار وجيه أبو همين أسف "لحركة النزوح الكثيفة التي شهدتها، الهبارية ولا تزال منذ التحرير وحتى اليوم "مبدياً خشيته من "فراغ البلدة من سكانها إذا ما استمر الوضع على هذا المنوال"·
وغدا ذلك لعدة عوامل أهمها: الأوضاع الأمنية السائدة في المنطقة، الضائقة الإقتصادية المتحكمة بالناس انعدام فرص العمل، بعد البلدة عن الجامعات والمعاهد، إضافة إلى ذلك هناك مشكلة أخرى تواجه أبناء البلدة، لا سيما المقيمين فيها، وهي الزراعة التي تشكل العامود الفقري بالنسبة لهم·
ولفت إلى "أن البلدة فيها حوالى 6 آلاف شجرة زيتون تنتج ما يقارب 15 ألف صفيحة زيت في الموسم، لكن نتيجة تدني الأسعار، وغياب الجهات المعنية لجهة دعم المزارعين ومساعدتهم على تصريف انتاجهم، دفعت بالعديد التخلي عن أرزاقها والتوجه نحو المدينة بحثاً عن لقمة العيش، لذلك نأمل ونتمنى من المعنيين والمسؤولين، إن كان في الدولة أو خارجها من جمعيات ومؤسسات مانحة، أن يعوا خطورة الوضع، ويسارعوا فوراً إلى معالجة هذه المشكلة منعاً لتفاقمها، وذلك من خلال ردة فعل تهجيرية معاكسة من المدينة باتجاه الريف،، وتقديم المساعدات والدعمين اللازمين لهم كي يتمكنوا من الصمود في أرضهم"·
واعتبر "أن هذا الإهمال، إن كان مقصوداً أم غير مقصود من قبل المسؤولين، نحن شأنه أن يعزز أطماع العدو الإسرائيلي بأرضنا، لذلك علينا التواجد الدائم في هذه الأرض وبشكل كثيف لمواجهته"·
وقال: إن الدعم والإنماء في الدول النامية، يكون في المناطق الحدودية، وليس في الداخل، وهذا ما ينطبق على منطقة العرقوب، التي نأمل أن تبقى في ذاكرة وضمير مسؤولينا، وأن يترجم ذلك على الأرض وأن لا يبقى ذلك قولاً· ونبه إلى "القلق الذي بدأت ينتاب سكان المنطقة وخوفهم مما يخبأ لهم مستقبلهم، إزاء هذا التقصير غير المبرر من قبل المسؤولين جميعاً"·
وتساءل أبو همين: هل يريدوننا أن نترك المنطقة لتعود إلى ما كانت عليه، أم عليهم ايلائها اهتاماً خاصاً ومساعدة الناس على الخروج من الوضع الصعب الذي يتخبطون به؟
ضرورة الوعي
الشيخ وائل نجم، رأى "أن وعي العرقوبين والعلاقات الحميمة والوطيدة القائمة فيما بينهم، تجعلهم في منأى عن أية مشاريع فتنة أو كل ما من شأنه أن يعكر صفو وأمن واستقرار الناس"·
وأضاف: انني أدعو الجميع إلى الوعي والتواصل والتكامل من أجل تعزيز الوحدة الوطنية فيما بيننا، وهذا الذي يخدم وطننا ويخدم مسيرتنا جميعاً، والسقف عندما ينهار انما ينهار على رؤوس الجميع دون استثناء، فعلينا ان نتعلم من دروس الحرب الأهلية على مدى 15 عاماً، وبأن النتيجة كانت خسارة على الجميع، وعلى الوطن، فهذه التجربة يجب أن نستفيد منها، وأن تتجاوز هذه المرحلة، وهذا الإنقسام السياسي الحاصل في البلدة، وأن لا يؤثر علينا في هذه المنطقة وعلى لبنان بشكل عام أيضاً، كي يبقى وطناً للجميع·
الناشط الإجتماعي والبيئي رياض عيسى، شدد على "ضرورة ايلاء الوضع السياحي في الهبارية اهتماماً خاصاً، لاظهار وجهها التراثي والحضاري الحقيقيين، خاصة بعد ادراجها على الخارطة السياحية بموجب قرار حمل الرقم 2005/263 صادر عن وزارة السياحية، وذلك في أعقاب زيارة قام بها وزير الثقافة الدكتور صادق متري للبلدة، تفقد خلالها المواقع الأثرية فيها، خاصة معبد "بعل حاد"، مبدياً اعجابه بهذا المعلم الذي يوازي من حيث الشكل والتصميم والتراث آثار بعلبك وعنجر وغيرها"·
وقال: لقد ساهمت البلدية بالتعاون مع "مؤسسة مرسي كور" ومديرية الآثار، بإعادة ترميم وتأهيل هذا المعبد، واستملاك الأراضي المحيطة به·
ولفت إلى "أن أبناء الهبارية لا سيما الجيل الجديد منهم، كان لهم دور فاعل وايجابي في الحفاظ على البيئة، واعادة الصورة الطبيعية لبلدتهم، من خلال حماية ما تبقي من احراج صنوبر وسنديان تتميز بها الهبارية عن باقي قرى المنطقة، كما قاموا بالتعاون مع البلدية بحملات تشجير للتعويض عما خسرته من هذه الثروة، وغيرها من الأنشطة الثقافية والاجتماعية"·
وشكر عيسى "فوج الهندسة في الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل" على الجهود، التي يبذلانها لتنظيف خراج البلدة وأحراجها، وكذلك الأملاك الخاصة من القنابل العنقودية والقذائف غير المنفجرة، التي خلفها عدوان تموز·· "آملاً تسريع وتيرة العمل للتخلص من هذه الموبؤات وما تشكله من خطر داهم على المزارعين وأصحاب الأملاك"·
المواطن سامر منصور، اعتبر "أن القاسم المشترك الذي يجمع ما بين الهبارية وباقي بلدات وقرى العرقوب هو المعاناة والحرمان المزمنيين، على كافة الصعد الإقتصادية والحياتية والمعيشية والإنمائية، في ظل غياب تام للدولة بكافة مؤسساتها، وكأنه كتب لأبناء هذه المنطقة أن يدفعوا وحدهم فاتورة الحرب مع العدو الإسرائيلي نيابة عن اللبنانيين والعرب"·
وتساءل: إذا كان أبناء الهبارية لم يتأخروا يوماً عن نداء الواجب وعما يترتب عليهم تجاه الدولة حتى في أحلك الظروف، فلماذا هذا التقصير الذي ليس له ما يبرره تجاههم، بالرغم من مرور حوالى 7 سنوات على زوال الاحتلال·؟ وشدد على "ضرورة دفع التعوضيات الزراعية للمستحقين جراء حرب تموز أسوة بباقي المناطق"·
ونبه منصور إلى "حركة النزوح الكثيفة لأبناء المنطقة باتجاه المدينة بحثاً عن لقمة العيش"·
أملاً "أن تثمر الجهود التي يبذلها مفتي مرجعيون وحاصبيا الشيخ حسن دلي بتوجيه من مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني على كافة المستويات، بهدف ايلاء هذه المنطقة اهتماماً خاصاً، من أجل دعم صمود المواطنين ومساعدتهم على تجاوز الهموم والصعوبات التي تواجههم، في ظل الظروف الإقتصادية الضاغطة·
تعليقات: