سيكون من السابق لأوانه تقدير احتمالات مستقبل الجزء اللبناني من قرية الغجر المحتلة، والواقعة على أطراف هضبة الجولان السورية المحتلة وبالقرب من قرية الوزاني اللبنانية في الطرف الشمالي الشرقي للحدود مع فلسطين.
لا تعني مطالبة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الحكومة بأن تتخذ موقفاً مما يجري في بلدة الغجر، أن الحزب في صدد تنفيذ عمليات لتحريرها، وإن كان قد اعتبر أن هناك أرضاً لبنانية "إذا كنتم نسيتموها فلتتذكروها". إذ أن أولويات الحزب في الساحة السورية، فيما الجنوب اللبناني يشهد هدوءاً على خطوط التماس أو الخط الأزرق يذكر باتفاق الهدنة. علماً أن إجراءات اسرائيل في الغجر، خصوصاً في طرفها اللبناني ليست جديدة، إذ بدأت في عام 2006، بعد إعادة احتلالها لأجزاء من المنطقة الحدودية، ثم انسحابها من كل المناطق باستثناء الغجر.
لماذا الغجر، وليس تلال كفرشوبا على سبيل المثال؟ وهي تلال لبنانية تحتلها اسرائيل منذ عام 1978، علماً أن إسرائيل اعترفت منذ انسحابها من لبنان عام 2000، أن الطرف الشمالي من الغجر أرض لبنانية، وثبتت الأمم المتحدة هذا الاعتراف.
يبدو واضحاً أن قضية الغجر أكثر تعقيداً من غيرها، إذ أن الذي يسكنها هم سوريون، في طرفيها، الجنوبي الذي يتبع لسوريا وتحتله اسرائيل، والشمالي الذي استحدث بالتوسع أثناء احتلال اسرائيل للمنطقة الحدودية في 1978. وإذ تعود هذه قضيتها الى الواجهة، فلأنها أرض لبنانية، علماً أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر في 17 تشرين الثاني 2010 كان قرر سحب قواته من الجزء الشمالي للقرية، مشترطاً ان تكون المنطقة في عهدة اليونيفيل، إضافة الى اعتراف دولي بتطبيقه القرار الدولي الرقم 1701. لكن القرار الاسرائيلي اعتبر آنذاك مناورة لا تعيد القرية الى السيادة اللبنانية، بفعل الشروط الاسرائيلية، كما ان هذا الانسحاب لا يكتمل من دون خروج الجيش الاسرائيلي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وذلك بسبب تشابك المنطقة على الحدود اللبنانية والسورية والفلسطينية، وكلها اليوم تحت الاحتلال.
اذا كانت قضيتا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وضعتا على الرف منذ عام 2006، فإن قضية قرية الغجر المحتلة، تبقى حاضرة بفعل موقعها الجغرافي، وكونها تتداخل بالأراضي اللبنانية، باعتبار ان الغجر المحتلة هي سورية في الأساس وتقع في الطرف الشمالي الشرقي لهضبة الجولان المحتلة، حيث توسعت لتشمل أراضي لبنانية سيطرت عليها اسرائيل.
في ملف الغجر، رفض لبنان 2009 اقتراحاً يقضي بوضع الشق اللبناني المحتل من القرية في عهدة (اليونيفيل) بعد انسحاب اسرائيل منها، مصراً على وضعها تحت السيادة اللبنانية من خلال انتشار الجيش اللبناني فيها، ودعّم لبنان موقفه بوثائق ترسيم الخط الأزرق ما بين لبنان واسرائيل والتي تشير الى ان قسماً من قرية الغجر لبناني وينبغي استرداده. لذا تبقى هذه القضية عالقة، وتشكل مصدر توتر مستمر، وهي المنطقة الوحيدة التي لا تزال محتلة مع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وتشكل خرقا للقرار 1701.
احتلت إسرائيل قرية الغجر مع احتلالها هضبة الجولان السورية المتاخمة عام 1967، ولم تكن القرية ممتدة في اتجاه الشمال اللبناني. وبموجب الخط الأزرق للحدود اللبنانية أصبح شمال الغجر جزءاً من لبنان، ما ترك الجزء الجنوبي تحت سيطرة إسرائيل. وأخلت إسرائيل شمال الغجر عام 2000 عندما أنهت احتلالها لجنوب لبنان الذي استمر 22 عاماً، لكن لبنان لم يستعد سيادته إلا على تخوم القرية، قبل ان تعاود احتلالها مرة أخرى خلال حرب تموز 2006، ولم تنسحب منها.
وحتى حزيران 1967 كانت القرية تخضع للإدارة السورية، وإن كانت مشكلتها أكثر تعقيداً منذ تحديد الحدود اللبنانية – الفلسطينية - السورية عام 1923، وفي اتفاق الهدنة عام 1949، إذ تارة كانت تعتبر لبنانية وتارة أخرى سورية وثالثة مشتركة، الى ان حسمت سوريتها نهاية خمسينات القرن الماضي. ويقال انه عندما احتلت إسرائيل منطقة الجولان من سوريا عام 1967، لم تدخل اولاً الى قرية الغجر لاعتبارها لبنانية، رغم ان لبنان لم يكن يمارس سيادته عليها.
وحين احتلت اسرائيل المنطقة الحدودية من لبنان عام 1978، توسعت الغجر شمالا داخل الأراضي اللبنانية. ومنحت اسرائيل سكان الغجر الجنسية الإسرائيلية عام 1981، بعدما قرر الكنيست الاسرائيلي من خلال "قانون الجولان" ضّم الجولان الى "دولة اسرائيل".
وبعدما انسحبت اسرائيل من الجنوب في 2000، شمل الخط الأزرق الجزء الشمالي من الغجر، فاضطرت اسرائيل الى إخلائه من دون ان يدخله الجيش اللبناني الذي لم يكن قد انتشر بعد في الجنوب، ولذلك فإن الانسحاب الاسرائيلي من شمال الغجر، لا يرتبط بالقرار 1701فحسب، انما يتعلق بالقرار 425 أيضاً، والانسحاب يعيد الوضع الى ما كان عليه قبل عام 2006، وهي المنطقة الوحيدة التي لم ينسحب منها بعد عدوان تموز.
هل يستطيع لبنان تحريك ملف الغجر اليوم؟ سيطرح مجدداً ملف تلال كفرشوبا والمزارع. وستطرح أيضاً مشكلة السوريين الذين يعيشون في الجزء الشمالي للغجر ويحملون الجنسية الاسرائيلية. وعلى رغم عودتها الى الواجهة، لا يطرح الكلام عليها أي احتمالات للتصعيد وخرق قواعد الاشتباك. فقرية الغجر لبنانية، باعتراف الجميع، أما ممارسة السيادة عليها فيرتبط بما يحدث في سوريا أولاً وأخيراً.
تعليقات: