إضمحلال الجمهورية في لبنان

لحظة إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود
لحظة إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود


انتهت ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية اميل لحود عند الساعة الثانية عشرة منتصف ليل 23 نوفمبر 2007 من دون انتخاب رئيس بديل، وبالتالي اضحت سدة الرئاسة خالية، ووفقا للنص في المادة 62 اضحت سلطات الرئيس موكولة بمجلس الوزراء مجتمعا، ولان المجلس المذكور لا يستوفي، في شكله الحالي، شرطا ميثاقيا ضمن مقدمة الدستور التي هي جزء اساسي من الدستور ، اذ جاء في الفقرة "ي"من مقدمة الدستور " لاشرعية لاي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". ولان العيش المشترك يعني التعاقد السياسي على ادارة شؤون الشعب الذي هو وفقا لنص الفقرة "د "من المقدمة ايضا "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية"، ولان الشعب اللبناني متنوع طائفيا ، وقد توافق اللبنانيون تاريخيا على توزع الوظائف بينهم على اساس المحاصصة الطائفية، ونصت المادة 95في الفقرة "أ"على مايأتي"تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة"، وذلك في "المرحلة الانتقالية"،اذ ان المادة نفسها اشترطت على مجلس النواب المنتخب (بعد اقرار التعديلات على الدستور التي نص عليها "اتفاق الطائف" في العام 1989،والتي اقرت في القانون الدستوري الصادر في 21 91990) ، والمجلس المنتخب، المشار اليه في المادة المذكورة، ذاك الذي انتخب نوابه في العام 1992، ان"يتخذ الاجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية"، ولان هذه الاجراءات لم يتخذه المجلس المنتخب ، ولا المجالس التي انتخبت بعده، فان المرحلة الانتقالية لا تزال مستمرة ،وبالتالي فان ما نصت عليه الفقرة "أ" من المادة 95واجبة التنفيذ، وبما ان طائفة(الشيعية) من الطوائف اللبنانية استقال الوزراء الذين يمثلونها من الحكومة فان مجلس الوزراء الحالي يخالف اولا الفقرة المذكورة في المادة السابق الاشارة اليها،اضافة الى انه يخالف الفقرة "ي"ايضا، وبالتالي يكون من غير الدستوري ان توكل اليه صلاحيات رئيس الجمهورية، وحتى من غير الدستوري ان يمارس عمله كمجلس وزراء حتى بوجود رئيس الجمهورية ، لانه بذلك يخالف "ميثاق العيش المشترك"الذي هو العقد بين اللبنانيين،و في هذا الشأن كتب سليم نصار في كتابه "منطق السلطة "ان "التعاقد الصالح يتم بين فريقين مستقلين الواحد عن الاخر ، وقادرين على تبادل الالتزام والمنفعة بحسب شروط محددة ،وفي فترة زمنية معينة".

استنادا الى ذلك فان السلطة التنفيذية في لبنان غير موجودة وفقا للدستور، و لان الشعب مصدر السلطات وفقا للفقرة "د "،ولان رئاسة الجمهورية خالية السدة، والحكومة منتقصة الشرعية الدستورية ، ولان مجلس النواب الذي يتمتع وحده بالشرعية الدستورية لانه يمثل الطوائف كافة ، وتكوينه الحالي ينسجم مع الفقرة "ي" يعتبر مجتمعا، نظريا، الحاكم الدستوري في هذه الحال.

لكن هذا المجلس هو هيئة انتخابية منذ 13 نوفمبر الجاري، اذ تنص المادة 73 من الدستور على مايأتي"قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الاقل او شهرين على الاكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد واذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فانه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق اجل انتهاء ولاية الرئيس"، وتنص المادة 75"ان المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة او اي عمل اخر".

ولان ليس لمجلس النواب الحق في ممارسة اي عمل قبل انتخاب رئيس الجمهورية، فانه لا يستطيع اداء اي عمل اخر، ولان الحكومة غير مكتملة الاركان الدستورية ، ولان رئيسا للجمهورية لم ينتخب،فان لبنان الان يفتقد وجود السلطات الثلاث ،اي انه من دون اطار حكم دستوري، وبالتالي فان الدولة في حال اضمحلال اذا جاز التعبير.

ان هذا الاضمحلال مرهون بنتائج الجلسة المتوقعة لمجلس النواب في 30 نوفمبر الجاري،فاذا انتخب الرئيس تبدأ الجمهورية باستعادة الحياة،لكنها تكون بحاجة ماسة الى ايجاد جواب على السؤال الذي ولد عند منتصف ليل 23 24 الجاري،اذ ان التعاقد اللبناني الذي انهار بهذا الشكل المريع ،وللمرة الاولى منذ 23 ايار (مايو)العام 1926 تاريخ اقرار الدستور اللبناني ، وذلك بعدم وجود اطار سلطة حكم دستوري ،نقول ان هذا التعاقد يتوقع له ان يصل في المستقبل الى المأزق مرة اخرى، واذا كان لبنان وطنا نهائيا لجميع ابنائه ،فان هذه النهائية تحتم بقاء الوطن ،واستمرار مؤسساته،فهل سيكون في المستقبل حلا دستورية لمثل هذه الازمة، وهل يقبل الافرقاء اللبنانيون تعديلا محدودا للدستور ام انهم سينقلبون على "الطائف"مرة اخرى؟ ام ان "المرحلة الانتقالية"التي وردت في المادة95 ستستمر الى ان تقع ازمة كبرى كتلك التي شهدها لبنان في العام 1975 وتستمر 14عاما ، وتحصد عشرات الالاف من القتلى حتى يقتنع اللبنانيون بضرورة تعديل الدستور؟

Hasana961@yahoo.com

تعليقات: