لم تنتصر النيابة العامة التمييزية بشخص القاضي سمير حمود لنساء لبنان فقط من خلال طعنها بالحكم المخفف بحق محمد النحيلي، قاتل زوجته منال العاصي. انتصر حمود للقضاء ودوره في حماية الناس قبل كل شيء، وانتصر للقانون وتطبيقه بشكل صحيح وعادل.
ولكي لا تأخذ المواطنين نشوةُ «الانتصار ـ الطعن» الذي جاهد المجتمع المدني والنسوي في سبيله كحق من حقوق النساء في الحياة والعدالة، يجب انتظار قرار وموقف المحكمة العليا، (محكمة النقض)، التي يعود لها، وفق حمود، قبول الطعن شكلياً، وبالتالي إعادة نشر الدعوى وفتحها من جديد، أو رفضه بالشكل». وَرَدَّ حمود قراره بالطعن بقوله لـ«السفير»: «لأنني اعتبرت أن العذر المخفف الذي منحته محكمة الجنايات للنحيلي غير متوفر وفقا لوقائع الدعوى ومجرياتها».
يذكر ان محكمة النقض (المحكمة العليا) تنتمي إلى القضاء الجالس، ولا تقع تحت صلاحيات النيابة العامة التمييزية التي تنتمي للقضاء الواقف.
وتكمن أهمية الطعن أيضاً برفض حمود منح القاتل العذر المخفف وفق المادة 252، وإسناده الطعن للفقرة «ب» من المادة 296 من قانون اصول المحاكمات الجزائية. إذ اعتبر أن محكمة الجنايات في بيروت (القاضية هيلانة اسكندر) قد «أخطأت في تفسير وتطبيق المادة 252 عقوبات». وبهذا يلتقي إسناد الطعن مع إرادة المشرّع اللبناني الذي كان قد ألغى جريمة الشرف بعذرها المحل والمخفف من ناحية، ومع عدم استعمال عذر «فورة أو ثورة الغضب الشديد» الذي تمنح على أساسه المادة 252 أسباباً تخفيفية للقاتل من ناحية ثانية.
وبمطالبته بإعادة «نشر الدعوى العامة مجددا (إعادة المحاكمة) وإنزال أشد العقوبة بحق النحيلي وفقا للمادة 549» (تصل عقوبتها الى الإعدام)، يعيد الطعن الجريمة إلى جوهرها الحقيقي وتوصيفها الأشد التصاقاً بها وهي القتل العمد.
وقد لحظ حمود بشكل خاص التعذيب الذي مارسه النحيلي بحق الضحية، على مدى سبع ساعات، وهو ما قفزت عنه محكمة الجنايات في حكمها لدى منح القاتل الأسباب التخفيفية، بتحديده (أي حمود) الفقرة الرابعة من المادة 549 والتي تلحظ التعذيب عبر النص «في حالة إقدام المجرم على أعمال التعذيب أو الشراسة نحو الاشخاص».
وبطعنها، استندت النيابة العامة التمييزية إلى البند «ب» من المادة 296 من أصول المحاكمات الجزائية التي تنص على صلاحيتها (صلاحية التمييزية) بالطعن في حال «مخالفة القانون أو الخطأ في تفسيره أو في تطبيقه».
وفي حال قبول المحكمة العليا طعن حمود، فإنها تعيد فتح المحاكمة، بما في ذلك استدعاء شهود الحق العام، تمهيدا لإصدار حكم جديد. ونظراً لإسقاط عائلة منال حقها الشخصي، فإن التمييز هنا يطال الحق العام فقط.
ولعل أهمية الطعن أيضا في أن قتل منال العاصي يأتي في صلب العنف ضد المرأة الذي ميّزه المجلس النيابي بقانون خاص شدد فيه العقوبة بعدما تبين للمشرعين أن آفة قتل النساء تستشري كالوباء في المجتمع. ويكفي أن نشير إلى أن محمد الطحش الذي قتل زوجته العشرينية ميمونة ابو العائلة، مؤخراً وبعد الحكم المخفف على النحيلي قال لها بعد تعذيبها لساعات: «بقتلك وبنحبس كم سنة وبطلع».
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-08-23 على الصفحة رقم 1 – الصفحة الأولى
تعليقات: