اشتباك سوري ــ إسرائيلي فوق الجولان: قواعد اشتباك جديدة
فوجئت إسرائيل بقرار القيادة السورية التصدي لاعتداءاتها. صاروخا أرض ــ جو سوريان دفعا الكرة في ملعب تل أبيب، ووضعاها بين خيار الحد الأدنى بالانكفاء عن سياسة شنّ الاعتداءات والدعم السافر للمسلحين، والحد الأقصى بالمجازفة بسيناريوات أخطر، قد تفوق قدراتها
يحيى دبوق
تحمل واقعة استهداف الدفاعات الجوية السورية لطائرات العدو الحربية فوق الجولان بعدين غير منفصلين. يرتبط الاول بالنتيجة التكتيكية ــ العملياتية التي تناولها بيانا الجيشين، وكان محل «تلهي» جملة من القراءات والتحليلات، حول حقيقة إسقاط الطائرتين من عدمه، فيما يرتبط البعد الثاني بظروف وموقف وأهداف القيادة السورية التي اتخذت قرار التصدي، والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه لاحقاً. البعد الثاني، لا الأول، وما يمكن أن يبنى عليه، سيكون حاضراً ويلقي بظلال ثقيلة على طاولة صنع القرار السياسي والأمني في تل أبيب.
لا شك في أن قرار التصدي، بغض النظر عن نتائجه المباشرة وبما يمكن أن يترتب عليه لاحقاً، يطرح مروحة واسعة من التساؤلات في تل أبيب، وفي أساسها دوافع القيادة السورية وأهدافها، والمدى الذي أرادت أن تصل اليه، وإن كان مؤشراً على الآتي من أفعالها وردود فعلها. مهما كانت النتيجة، توجد حقيقة ثابتة لم ينكرها العدو، وهي أن الدفاعات الجوية السورية أطلقت صاروخين باتجاه الطائرة الحربية الاسرائيلية، بهدف إسقاطها، وعلى هذه الحقيقة ستبني إسرائيل أفعالها اللاحقة.
في الوقت نفسه، من الصعب الفصل بين تبلور قرار التصدي واندفاع إسرائيل الى التمادي، وتكرار التمادي، في خروق السيادة السورية واستهداف مواقع الدعم الناري للجيش السوري في حربه ضد الجماعات المسلحة في المناطق المحاذية للحدود في الجولان. وهو تزامن في حدّ أدنى مشبوه، ويتماهى مع الهجمات الأخيرة للمسلحين، ضد مواقع الجيش السوري ومناطق انتشاره.
والأهم، أن من الصعب أيضاً الفصل بين الخروق الإسرائيلية المتكررة ومعونة المسلحين ميدانياً، والتطورات السياسية والميدانية الاخيرة في الساحة السورية، التي بدى واضحاً خلال الايام القليلة الماضية مستوى وحجم انزعاج تل أبيب وقلقها منها، وتحديداً ما أظهرته التعليقات العبرية من قلق تجاه الاتفاق الأميركي ــ الروسي، الذي وإن قدّرت أنه لن يصل الى النتائج الموضوعة له وكادت تجزم قراءة تل أبيب بأنه محكوم بالفشل، لكنه كان محركاً للقلق والانزعاج من جهة أنه كاشف ومؤكد لبدء مسار التراجع الاميركي عن الاهداف المأمولة إسرائيلياً، تجاه إسقاط النظام السوري أو إضعافه وحلفاءه، علماً بأن إسقاط النظام وإضعاف وحلفائه هما معيار موقف تل أبيب من أي تطور سياسي أو ميداني في الساحة السورية.
قرار التصدي يطرح مروحة واسعة من التساؤلات في تل أبيب
ما تداوله التعليق الاسرائيلي أمس، الذي غابت عنه التعليقات الرسمية، هو وصف قرار القيادة السورية بأنه استثنائي وغير معتاد وتطور مقلق، وبحسب تعبير القناة العاشرة العبرية: «هي رسالة من (الرئيس السوري بشار) الأسد. الصاروخان يهدفان للإشارة الى إسرائيل بأن الأسد يعمل على معادلة جديدة، وعلى إسرائيل أن تدرك ذلك». وتضيف: «الاتفاق الروسي الاميركي أعطى الأسد جرعة ثقة كبيرة، كذلك فإن النجاحات الميدانية التي حققها الجيش السوري في الأسابيع الاخيرة، بمعونة من روسيا وإيران، ساهمت كثيراً في رفع مستوى الثقة لديه».
مقاربة إسرائيل و«إشاراتها» دلّت أمس على أنها تنظر إلى قرار التصدي بمستوى مرتفع جداً من القلق. فهي في الوقت الذي لا يمكنها الاستسلام للإرادة السورية والتراجع عن «معادلة انزلاق القصف» وإظهار القوة، تدرك أنّ التمادي بالرد على قذائف طائشة وصل إلى حدّ لا يمكن للقيادة السورية السكوت عنه، خاصة أنه يساهم في تعزيز موقف المسلحين، فضلاً عن أصل التمادي في الاعتداء وتكراره.
من هنا، أرسلت إسرائيل أمس جملة من الرسائل الردعية، كما هي العادة المتبعة في حالات القلق من سيناريوات متطرفة، بـ«كشفها» عن مناورة أركانية كبيرة جداً، حاكت مواجهة مع الجيش السوري وحلفائه على جبهتين (لبنان وسوريا) تخللها التمرين على استدعاء 200 ألف جندي من الاحتياط. الرسالة، وإن كانت تهدف الى تعزيز الردع ولا تكشف نيات عدائية آنية، إلا أنها تظهر في المقابل منسوباً مرتفعاً من القلق، استدعى منها الاعلان عن المناورة والتشديد على عدد المستدعين من الاحتياط. تزامن الاعلان عن هذه المناورة مع الاعلان أيضاً عن مناورة أخرى مخصصة لردع حزب الله، أشارت فيه المصادر العسكرية الإسرائيلية الى أنها حاكت سيناريوات قتال في مواجهة حزب الله وإخلاء المستوطنين من المستوطنات القريبة من الحدود مع لبنان.
في موازاة الاعلان عن المناورتين، أكدت إسرائيل أمس، عبر المراسل العسكري للقناة العاشرة، وكما يبدو كجزء من الرد على الصاروخين السوريين، (وربما أيضاً المناكفة) أنها قررت تعزيز علاج الجرحى السوريين في المستشفيات الإسرائيلية، وأنها قررت نقلهم عبر حافلات من الحدود بشكل ثابت يومياً إلى مستشفى زيف في صفد، ومن ثم إعادتهم بعد تلقيهم العلاج الى الاراضي السورية، لافتاً الى أن هذا المنحى سيتعزز في الفترة القريبة المقبلة.
إلى أين وجهة الأمور؟ السيناريوات مفتوحة. هل عملية التصدي وإطلاق الصاروخين باتجاه الطائرة الحربية الاسرائيلية هي بداية مرحلة جديدة ضمن مسار أفقي، في حدّ أدنى، أم هي بداية مرحلة جديدة، يشكل التصدي نقطة انطلاق في مسار تصاعدي؟ الواضح أن المسألة مرتبطة بالقراءة والتقدير الاسرائيليين، وما سيترتب عليهما من مواقف وأفعال، إزاء كل من السيناريوات المقدرة.
في حدّ أدنى، الكرة الآن في الملعب الاسرائيلي ومدى تمسكه بمعادلة الرد على «القذائف الطائشة»، وإن كان سيواصل تماديه خارج إطار «الردود الشكلية» والتأثير في مجرى قتال الجيش وتصديه للمسلحين في المناطق الحدودية.
ومساء أمس، الواضح من «الردّ» الإسرائيلي بعد منتصف الليل على «انزلاق» ثلاث قذائف باتجاه الجولان المحتل و«الكارثة» التي كادت أن تقع لدى المستوطنين، أنّ الرد وبيان الرد جاءا بعد دراسة مستفيضة. اختارت تل ابيب الحد الأدنى من الخيارات، لتعذّر الحد الأقصى. البيان الصادر عن الناطق باسم الجيش، في اعقاب الاعتداء على مربض مدفعية بالقرب من القنيطرة (وهو رد يعد مدروس نسبياً) حمل إشارات تهدئة رغم الاستهداف وهو لا يتساوق مع الظرف ورسالة التصدي السورية. ولفت إلى أنّ الجيش سيستهدف ايضاً الجماعات المسلحة، في حال انزلاق قصف من جهتها، وهي اشارة غير مباشرة، أن إسرائيل غير معنية بالتصعيد المباشر والواسع مع الجيش السوري، وانها تكتفي فقط بـ«الرد» على الانزلاقات دون أهداف خاصة تتعلق بالقتال بين الجيش السوري والمسلحين... من هذه الناحية، تحديداً، يبدو أن رسالة القيادة السورية، قد وصلت بالفعل، وإن لم تصل كاملة.
مع ذلك في الصورة الأعم والأهم، «مفاجأة» الرد السوري، والنتيجة التي كانت ترمي اليها، تثيران تساؤلاً أشمل حول مجمل المقاربة الاسرائيلية للساحة السورية: هل ستؤدي المفاجأة إلى فرملة إسرائيل ودفعها أكثر إلى التمسك بموقف شبه التدخل المباشر في الحرب السورية، أم انها ستتعامل معها كفرصة لدراسة خيارات بديلة أكثر مجازفة لمواجهة التهديدات الكامنة في التطورات السياسية والميدانية الاخيرة في سوريا، علماً بأنها خيارات تفوق طاقتها وقدراتها؟
المؤكد أننا أمام محطة مفصلية في حركة الصراع بين محور المقاومة وإسرائيل، وبين محور المقاومة والجماعات التكفيرية ومن ورائهم الأطراف الإقليميون والدوليون، الداعمون لهذه الجماعات.
لا نعلم من أطلق الصاروخين
كان لافتاً جداً، وذا دلالات، حديث مصدر عسكري إسرائيلي للقناة الاولى العبرية، في آخر ساعات ليل أمس، عن «جهل» إسرائيل بهوية الجهة التي أطلقت الصاروخين، باتجاه الطائرة الحربية! هذا «الجهل» أقل ما يمكن وصفه أنه «تريّث» إسرائيلي وعدم وضوح خيارات وإمكانات، بانتظار تبلور الخيار والقرار النهائيين في تل أبيب.
وبحسب المصدر العسكري: «تدرك إسرائيل أن صاروخين أطلقا باتجاه الطائرات بعد أن نفذت مهمة في سوريا. لكن حتى الآن فإن الجيش الاسرائيلي لا يعرف الجهة التي أطلقت الصاروخين، إن كانت الجيش السوري أو حزب الله أو حتى الدفاعات الروسية، بل هي لا تعلم حتى الآن نوعية الصاروخين اللذين أطلقا».
نجاة المستوطنين من «كارثة» أمونيا في الجولان
ذكر موقع NRG الإخباري العبري أن إحدى القذائف الثلاث التي انزلقت أمس من الاراضي السورية باتجاه الجولان السوري المحتل، انفجرت بالقرب من حاوية كبيرة تحوي مادة الأمونيا السامة، وكان من شأن تسرب المادة منها إلحاق «كارثة» بالمستوطنين.
مراسل الموقع أشار إلى أنّ التعليمات صدرت بضرورة تقليص حجم المادة السامة في الحاوية، لافتاً إلى أن «الكارثة الكبيرة» لو حدثت، لكان من شأنها أن تغير خريطة المواقع القتالية لكل الأطراف 180 درجة.
من المعارك في القنيطرة (قرية جباتا الخشب) كما تظهر من الجولان المحتل (أ ف ب)
تعليقات: