أكد المرجع الشيعي اللبناني البارز محمد حسين فضل الله أنّ أمّتنا الإسلاميّة التي أعزّها الله بالقرآن دستوراً ومنهاجاً، وبرسوله محمّد(صلى الله عليه وسلم ) شرفاً وأسوةً حسنة، وبرسالة الإسلام ظهوراً على الدِّين كلّه، لن يستقيم لها شأن، ولن تستعيد موقعها الذي وضعها الله فيه، وبذل السلف الصالح فيه كلّ غالٍ ونفيس، إلا من خلال وحدة أبنائها في قضاياهم الكُبرى التي باتت تهدّد مصيرهم، في كلّ المجالات؛ السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة والثقافيّة والروحيّة، والعمل بجدّ على رصّ البنيان الإسلامي الذي يسدّ على المستكبرين والعابثين والمنحرفين منافذ فتنتهم التي يحرّكونها لتحقيق مصالحهم الكُبرى، في ضرب إسلامنا، ونهب ثرواتنا، وتحطيم حاضرنا ومستقبلنا.? لقد كنّا نؤكّد، ولا نزال، أنّ الوحدة الإسلاميّة تمثّل الأساس الأوّل لإدارة المسلمين لاختلافاتهم المذهبيّة والسياسيّة؛ وأنّها لا تعني أن يتنازل كلّ فريق من المسلمين عن قناعاته للفريق الآخر، بل تعني أن يعيش المسلمون الذهنيّة التي يحدّقون من خلالها بالدوائر التي تجمع، مع احتفاظ كلّ فريق بخصوصيّاته، بحيث لا تأكل الاختلافات التفصيليّة القضايا المشتركة الكلّية. ?وأضاف إنّ الله تعالى يقول: (فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) [النساء:59]، وقد أمرنا الله تعالى بالاعتصام بحبله، فقال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) [آل عمران: 103]، وأمرنا أن لا نتنازع، فقال تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) [الأنفال:46]، وأمرنا بالالتزام بشريعته ومنهج رسالته، فقال تعالى:(ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتّبعها ولا تتّبع أهواء الذين لا يعلمون) [الجاثية:18]، وأمرنا أن لا نستسلم للظالمين، فقال تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار) [هود:113]، وأمرنا أن نحذر من شياطين الإنس والجنّ، فقال تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدوّاً شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعضٍ زُخرف القول غرورا) [الأنعام:112]... وبيّن لنا عواقب الابتعاد عمّا ابتعدنا عنه، فأتانا الذلّ إلى ديارنا، واحتلّ أعداؤنا بلادنا، وأصبحنا كمن عناهم الله بقوله:( ألم ترَ إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً) [النساء:51]، فكفّر بعضُنا بعضاً، وفضّل بعضُنا الكافرين على بعضٍ، واستعان الكثيرون منّا بالمستكبرين ضدّ المستضعفين، وبالكافرين ضدّ المؤمنين؛ حتّى استفحل داء الفرقة فينا، فلم تعد أعيننا ترى جامعاً بين الفرق، ولم يعد القلب يحسّ إلفةً بين المذاهب، مع أنّ الجميع يشهدون الشهادتين.?ويرتكزون على كتاب الله وسنّة نبيّه، في مفاهيمهم وفقههم وأخلاقهم ومنهجهم؛ وهم إن اختلفوا، فذلك ديدن الاجتهاد؛ تختلف فيه الأنظار، وتتنوّع فيه الآراء؛ وإنّما هي مادّة للحوار بين المسلمين؛ يُدلي كلٌّ بحجّته ودليله وبُرهانه، ليُصارع الفكرُ الفكر، بدلاً من أن تُسفك الدماء، وتنتهك الأعراض، وتقطّع الأرحام. ?وأكد على أن قدرنا كمسلمين أن نعيش حالة طوارئ ضدّ كل فتنة عمياء، لا يرضى بها مُسلم لمسلمٍ إلا أصابته، كما قال تعالى:(واتّقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة) [الأنفال:25].?إنّ المستكبرين اليوم، يُعملون في تعميق الفرقة فيما بيننا؛ وهم بدأوا بحروب اصطنعوها، وهم أوقدوا نارها، واخترعوا أسبابها، فاحتلّوا أفغانستان والعراق، وأقاموا لهم قواعد في أكثر من منطقة، وهم أعلنوا أنّ عدوّهم الإسلام... وهؤلاء لا يستطيعون أن يثبّتوا مواقعهم ونحن متوحّدون على الإسلام، ولا يقدرون على تشويه ديننا ونحن متمسّكون بالقُرآن والنبيّ، ولا يتمكّنون من نشر البغضاء فيما بيننا ونحن نتحاور فيما اختلفنا فيه...?لقد أطلقنا دعوةً إلى الحوار الجادّ بين المسلمين، أيّاً كانت وجهتهم الاجتهاديّة؛ انطلاقاً من كتاب الله وسنّة نبيّه، لأنّهما يمثّلان الجامع الأكبر فيما بيننا، تأكيداً للتوحيد الخالص بعيداً عن الغلوّ، ولمبدأ الارتباط بالحقيقة بعيداً عن الخرافة.? وتعاملاً بالواقع وتحدّياته لا استغراقاً في التاريخ وتعقيداته الذي هو مسؤوليّة من عاشوه، على هدى قوله تعالى: ?(تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عمّا كانوا يعملون) [البقرة:134]؛ فإنّ اللقاء والحوار هما الطريق إلى الوحدة والعزّة للإسلام والمسلمين.
* كاتب لبناني من الخيام
تعليقات: