رحلة فتاة بعد خروجِها من السجن


من حبة هلوسة الى ترويج المخدرات... رحلة سناء السوداء مستمِرة بعد خروجِها من السجن

من المخدرات إلى السجن إلى النفق المظلم، رحلة فتاة تخطت القضبان فاصطدمت بقيود المجتمع. فقر وحرمان، رفض من المحيط و"فيتو" على التوظيف، فاتورة باهظة تدفعها سناء نتيجة تعاطي الممنوعات في الصغر، وها هي تصارع القدر علّها تصل إلى برّ الأمان، وتحقق طموحها بالحصول على وظيفة وإكمال تعليمها.

رحلة الى المجهول

في سن الثالثة عشرة خطت سناء خطوتها الأولى نحو المجهول، غُرّر بها في المدرسة لتناول حبّة تنسيها الهموم. من حبّة هلوسة الى رحلة في عالم السموم، جرّبت خلالها كل الأنواع، حتى وصل بها الحال الى ترويج المخدرات، كي تتمكن من الحصول على حاجتها اليومية منها، الى أن أوقفت على أحد حواجز الجيش اللبناني وفي حوزتها كمية من المخدّر، وتلفت الى ان "الفقر كان السبب في إدماني، أردتُ ان أنسى وضعنا المزري، فغرقت في وحول المخدرات".

سنة وسبعة أشهر سجن حكم على سناء (26 عاماً)، لكن في الحقيقة كما قالت لـ"النهار":"انتهت المدة التي قضيتها في السجن منذ عام لكن سجن المجتمع لم ينتهِ بعد، ورغم متابعتي تحصيلي العلمي خلف القضبان والحصول على شهادة البكالوريا في قسم العلوم في أصعب مرحلة من حياتي حيث كنت اتعالج من الادمان، الا ان ذلك لم يشفع لي بعد الخروج الى الحرية، اذ لم أجد من يقبل منحي فرصة العمل كي أجني المال وأتابع الجامعة التي ساهمت جمعية "دار الامل" بتسجيلي فيها، فحتى ثمن قلم لا املك".

أمل رغم الألم

في عائلة فقيرة تسكن الضاحية الجنوبية ترعرعت سناء مع شقيقتها الصغرى، والدها عاطل عن العمل بعكس والدتها التي اضطرت الى ذلك كي تؤمن قوت أسرتها، وشرحت "خرجت بتخلية سبيل، بعدما تكفلت جمعية "دار الأمل" بدفع مبلغ ثلاثمئة الف ليرة. لكن، لا أزال احتاج لدفع مليوني ليرة، اليوم انا شفيت نهائياً من المخدرات، لكن فرحتي الكبرى حين أكمل تعليمي وأحصل على وظيفة، والتي يحول بيني وبينها سجل عدلي أسود. سأحاول البحث عنها بعيداً من محيطي، لكون الجميع يعلم تاريخي، ومع ذلك لا تعنيني نظرة المجتمع. أما أهلي، ورغم ما عانوه من تجربتي ومحاولتهم علاجي الذي رفضته مراراً وتكراراً حتى دخلت السجن وأخذت القرار بإرادتي، الا انهم لا يستطيعون ان يتبروا من ابنتهم".

لا تخشى سناء من الغرق مجدداً في وحول المخدرات، وقالت: "من لديه الإرادة للحصول على شهادة داخل السجن لا يخشى شيئاً". ولا يزال لديها أمل في مستقبل أفضل، اذ "موت الأمل في عيني يعني موتي، وأنا أريد متابعة فصول عمري، لن أغلق كتاب حياتي من أجل فصل أسود فيه، ففي كل رواية مرحلة سوادء، وسأخط النهاية كما حلمت بها لا كما يحاول ان يفرضها المجتمع عليّ".

"وصمة عار"!

جمعية "دار الأمل" تقوم بدورات مهنية للسجينات، لا سيما في الصناعات اليدوية، في الخياطة والمكياج وتصفيف الشعر والتصوير، فضلاً عن دورات محو أميّة. المسؤولة الاعلامية في الجمعية تيريز رومية شرحت لـ"النهار" قائلةً: " نحاول معرفة متطلبات السوق اللبناني، وعلى أساسها نقوم بالدورات التي في نهايتها نمنح السجينات شهادة من دون ذكر أنها اعطيت لهن في السجن. ومع ذلك يواجهن صعوبة في التوظيف بعد خروجهن الى الحرية، اذ اغلب أصحاب المصالح يرفضون توظيفهن لكون سجلهن العدلي "ممهوراً" بوصمة عار كما يعتبرون".

محاولات رغم الصعوبات

تحاول الجمعية التواصل مع أصحاب الشركات لتأمين وظائف للسجينات بعد خروجهن، لكن "نواجه صعوبة في ذلك، وفوق ذلك تعاني معظم السجينات من أوضاع اجتماعية صعبة، ومن نبذ من بعض الأهل لهن، كما ان منهن من لا يجدن منزلاً للسكن فيه بعد الخروج وفي احيان معينة يكون الوضع كارثياً، ما يدفعهن الى تكرار الأمر الذي أدى إلى دخولهن السجن".

هذه مشكلة اجتماعية على كافة الأصعدة "تطال الدولة وأمن المجتمع، ويفترض التعاون من الجميع لحلها. صحيح ان القانون اللبناني لا يراعي وضع السجينات، اذ لا يمكن ان نغيّر شيئاً في ما يتعلق بالسجل العدلي الآن، لكن يمكن أن تبدأ شركة او اثنتين بتبني السجينات السابقات، لذلك دعينا اقتصاديين الى ندوة لشرح هذه الاشكالية لنتعاون معاً في سبيل الوصول الى مخرج".

...

هناء سجينة سابقة تروي صعوبة العيش خارج القضبان

زينة ناصر

خرجت هناء نصر الدين من #سجن_النساء في بعبدا بشهادة الثانوية العامة، تخبر قصّتها المؤثرة بحزن، يعكس وضع كثيرين من السجناء، ولا سيّما النساء منهم في #لبنان.

في بلدنا تختلف معاملة المرأة عامة عن الرجل، فلو أخطأ الاثنان، تتحمل المرأة "العار"، فكيف إذا كانت سجينة سابقة؟ فلا القوانين الصارمة تحميها، ولا سوء تطبيقها. وفي ظل غياب الدولة "الراعية" وتثبيت دور الدولة "الشرطي" في أغلب الاحيان، تلعب الجمعيات دور البديل والراعي لأولئك الاشخاص المهمّشين، لكن دورها لا يكتمل من دون الشراكة مع الإعلام.

من هذا المنطلق، دعت جمعية "دار الأمل" لندوة في نقابة المحررين، حول تعزيز دور الإعلام في الحشد والضغط "لإعادة اندماج السجينات في المجتمع بعد خروجهنّ من السجن"، شرحت خلالها الجمعية عن أطر المساعدة التي توفّرها للسجينات، وتحدثت هناء، إلى جانب سجينتين أخريين عن معاناتهنّ داخل السجن وخارجه.

أخبار ذات صلة

حكاية أمّ من وراء قضبان بعبدا

من تعاطي إلى ترويج... "ضحية" مجتمع

أوقفت هناء، ابنة الـ26 سنة عندما كانت تمشي مع صديقتها منذ حوالي السنة قرب حاجز "العاملية"، حين سألها عنصر في الدرك عن أوراقها الثبوتية. مدّت الفتاة يدها إلى جيبها لتخرج منه "البضاعة"، وهي الكلمة التي استخدمتها للدلالة إلى سيجارتَي الحشيش التي كانت بحوزتها.

بعد نقلها إلى مخفر جبيش، ومنه إلى ثكنات عدّة، انتهى الأمر بـ"ضحية المجتمع" كما تعرّف عن نفسها في سجن النساء في بعبدا. هناك، خضعت الفتاة العشرينية لدورات تدريبية مهنية عدّة، وأمضت معظم وقتها تدرس لنيل شهادة الثانوية العامة. وعندما سألناها عن توصيفها للوضع في السجن قالت: "حرمان قوي"، مضيفة: "لا طعام ملائم... ولا ظروف السجن كلها". وإلى جانب الدراسة، كان اليوم النموذجي في السجن بالنسبة لهناء يحتوي لعب الورق، مشاهدة التلفاز، النوم، والتعرّض للشمس ورؤيتها لفترة تتراوح ما بين 45 دقيقة وساعة كحد أقصى.

واجهت هناء دعوى "ترويج مخدرات"، حيث بلّغ عنها أحد أفراد عائلتها كان قد أوقف من القوى الأمنية، أنها زوّدته بحبوب مخدّرة". وسبب ذلك، حسب كلامها، "كان يريد ان يتزوّجني ورفضت فلفّق ضدّي هذه التهمة".

عالجوني من التعاطي... لا تسجنوني

تعرّفت هناء إلى جمعية "دار الأمل" خلال تواجدها في سجن النساء في بعبدا، وهو أحد السجون الثلاثة الذي تعمل فيه جمعية "دار الأمل" بالتعاون مع مؤسسة "دياكونيا". ومن الخدمات التي استفادت منها الصبية الدورات التدريبية، تقديم طلب إخلاء السبيل، والمتابعة النفسية الاجتماعية من خلال فريق عمل الجمعية المؤلف من 5 مساعدات اجتماعيات، 4 مدربين مهنيّين، 3 معالجين نفسيين، مكتب المحامين ومحامين أفراد متطوّعين.

تعترف الفتاة النادمة على تعاطي المخدرات أن ما قامت به هو غلطة كبيرة، لكنها ترجع أسباب تعاطيها الحشيش إلى "المجتمع الظالم" والبيئة الحاضنة للمخدرات التي تعيش فيها. إلا أنها في الوقت عينه تتمنّى وتطالب بـ"معالجة المدمن من المخدرات بدلاً من إدانته وسجنه". وتعتبر ان السجن يمكن ان يدفع أيّ شخص لتعاطي المخدرات من جديد، كونه بيئة غير محفّزة.

للشراكة مع إعلام "حقوقي"

تنطلق مديرة جمعية "دار الأمل" هدى حموية قرى من الحضور الخجول لوسائل الإعلام في المؤتمر الذي عقد خصوصاً للإعلاميين، فمن أصل 100 وسيلة إعلامية مدعوّة، لم تحضر سوى بضع وسائل إعلامية لا تتعدى العشرة، مما ينذر بالخطر، كونه من واجبات الإعلام ليس فقط نقل الخبر الصحافي، وإنما مناصرة القضايا المتعلّقة بحقوق الإنسان ومحاولة إيجاد الحلول لها، جنباً إلى جنب مع المجتمع المدني.

وتشير إلى "النقص الكبير في التفات الدولة إلى أوضاع السجون في لبنان"، وتسائلت "أين أصبحت الخطة الخمسية لتأهيل السجون التي جرى الحديث عنها منذ سنوات عدّة". كما تدعو المجتمع لـ"تقبّل السجين، وخصوصاً المرأة السجينة عند خروجها من السجن، وفسح المجال لها للعيش بكرامة بدلاً من إدانتها على الدوام".

أي شركة تتقبّل توظيف سجين سابق؟

وتعطي هناء كمثال، إذ ان "هناء لا تجد فرصة عمل لائقة كونها كانت في السجن، مع العلم أنها طموحة وتسجّلت اليوم في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية". أما هناء، فتؤكد لنا ان "دار الأمل" تكفّلت ببدل التسجيل في الجامعة، لكنها في أمس الحاجة إلى عمل يبدأ من فترة ما بعد الظهر حتى الليل. السجينة يمكنها الاندماج في المجتمع، خصوصاً "أنني أتلقى دورات تأهيل نفسي ما بعد خروجي من السجن"، وتتساءل: "أيّ الشركات الانسانية يمكنها استقبالي"؟

وتشرح أهداف المشروع تفصيلياً، فهي: "تحسين الظروف الحياتية داخل السجن، تحسين الأوضاع الاجتماعية، الصحّية، الجسدية، والنفسية، متابعة الملفات القانونية للسجينات (تأمين محامين، دفع كفالات وغرامات...) ومساندة عائلية، ومساعدة أطفال السجينات، تمكين السجينات من خلال دورات تدريب مهني لكسب المهارات، إتاحة المجال للسجينات بتحسين مستواهن التربوي والثقافي من خلال دورات محو أمية ولغة أجنبية، ومن دورات مهارات حياتية ضرورية، مساعدة السجينات لتحضير أنفسهن لإعادة الإندماج الاجتماعي بعد خروجهن من السجن، وجعل المجتمع معنياً بحقوق الإنسان في السجون، والتعاون لإعطاء الفرصة للسجينة لتحسين ظروف حياتها داخل وخارج السجن".

"وكأنهنّ كلهنّ شياطين وكأننا كلنا ملائكة"

بعد كلمة نقيب المحررين الياس عون ومديرة جمعية الأمل ومدير مكتب "دياكونيا" في لبنان رودولف جبرايل، كانت كلمة للمحامي باسم حمد، وأشادت به السجينات لأنه "تقبّلهنّ كإنسان ونظر إليهن بكل احترام"، وهو أمر لم يروه كثيراً في السجن وفي المجتمع على حدّ سواء، كما يقلن. وكلام باسم يكاد يختصر ما تعاني منه السجينات، خصوصاً عندما يتساءل: "كم جميل لو كان السجن في نظر الدولة مدرسة أو مؤسسة اجتماعية؟ ألسنا كلنا مسؤولون، أو ليست مسؤولية الدولة نزع الكفر لا الكافر، والشر لا مرتكبه، أو ليس من مسؤوليتها منع السارق من السرقة بتأمين عمل أو لقمة عيش كريمة له؟" ويضيف: كأن لا حكم بالبراءة ينفع ولا إخلاء سبيل يشفع، وكأن السجينات كلهن شياطين وكأننا كلنا ملائكة".

وعلى رغم كلام رئيس فرع السجون المقدم غسان عثمان عن التحسينات التي طرأت على السجون، إلى جانب الصعوبات التي يجب اجتيازها، وعلى رغم قوله ان "معالجة قضية السجون هي من مسؤولية الدولة، فهي التي تعطي السجين حقّه وتؤهله ليصير مواطناً صالحاً"، إلا ان الواقع لا يطمئن كما الكلام. من جهة أخرى، يرى عثمان ان "السجن يجب أن يكون كمؤسسة لإعادة التأهيل الاجتماعي، بحيث يتمتع فيه بحقوق السجين/السجينة الانسانية ويساهم في منحهم فرصة جديدة لحياة أفضل".

"في بلدنا، تخرج السجينة بحكم براءة من القضاء، ليدينها المجتمع ويفضحها في القضاء ويعمل على الا تقبلها أرض ولا سماء"، ويؤكد المحامي الذي شاهد وعمل مع سجينات عدّة: "هي لم ترتكب شيئاً، بل مجتمعها هو الذي ارتكب الخطيئة الكبيرة، بنبذها ودفعها إلى الخطأ مجدداً، وكأنها ليست إنسانة تخطئ وتصيب".

هناء نصر الدين
هناء نصر الدين


تعليقات: