قولنا والعمل – صوت الغدّ
إذا كان لبنانُ قائماً على التسوية... وإذا كانت كلُّ الحلولِ فيه تسويات... فسؤالُ الديمقراطيَّةِ باتَ بلا جواب.
وإذا كانت التسوياتُ آنيَّةً... والمواقفُ غِبَّ الطلب... فالثَوابتُ والمسلَّماتُ أضحَتْ آلياتٍ واجتهادات.
فلا الديمقراطيَّةُ، ولا الثوابتُ، ولا كلُّ المسلَّمات... لها في جنَّة الموالاة مكان.
الموالاةُ مجموعةٌ من المدارسِ السياسيَّةِ اللبنانيَّةِ وبيوتاتِها ترفضُ وتقبَلُ في آن... لأنَّ المُهمَّ عندها هو دستورُ الأثمانِ وقوانينُ الحِصَصِ والأوزان. أمَّا الوطنُ... وأما الحقيقةُ... وأمَّا الكرامةُ... وأمَّا الشعبُ... ومعهُ الرغيفُ والقرطاسُ والدواءُ والقلقُ والإنتظار، فهذه أمورٌ تَلْحَقُ بالوفاق... وبعد الوفاقِ يعودُ النفاق...!؟
آهِ من زَمَنٍ كلُّ شيءٍ فيه مُباح...!؟
أهلُ الموالاةِ متَّفقونَ في كلِّ شيء... والمقاديرُ مضبوطَةٌ على أنغامِ الأوصياءِ والأولياءْ... والثورةُ أنغامٌ وأوتارٌ حنجريَّةٌ... بل لسانيَّةٌ... وحَسْب.
فلا هم ثورةٌ، ولا هم أرزٌ، ولا حتى قِندولٌ أو بلاّن... أنهم شيءٌ... شيءٌ ما... في مكانٍ ما... في فندقٍ ما... للحظةٍ ما... ولهدفٍ ما!؟
في أي حال، فعندما ننتَهي من همِّ الفراغِ ورئآسةِ الفراغِ وحكومةِ الفراغ... وبعد أن يعودَ هؤلاء، لا شيءَ سوى فراغ... سنفرَغُ بدورِنا للسؤالِ عن الحُكمِ وأصولِ الحُكمِ في لبنان...
وديمقراطيَّةِ النظامِ فيه.
سنَفرغُ للبحث عن الدستور والقوانين والأعراف بعد أن بدَّدَتْها آليات الموالاة واجتهادات حكومة الموالاة.
وقبل أن نشرَعَ في إعادةِ بناء الدولةِ ومؤسساتِها الهَشَّة... سنعرِّجُ على الإنسانِ ومفهومِ الإنسان في لبنان... وعلى مجتمعِ الإنسان وبُنيتِِهِ... وأسُسِِ التربيةِ فيه.
سنفرَغُ لسؤالِ القيَمِ ونُظُمِها... القيمِ الإنسانيَّةِ العامَّة والوطنيَّةِ والشخصيَّةِ... وما يترتَّبُ علينا لأجل تأكيدِها وتثبيتِها من جهدٍ وإصرار.
سنَفرَغُ لكلِّ ذلك، قبل أن نروي للأجيالِ الآتية، حكايَةَ تلك الموالاةِ التي مرَّت في تاريخ لبنان المعاصر، وما أسقَطَتْهُ على البلادِ والعبادِ من عُقْمٍ فكريٍّ، وركودٍ اقتصاديٍّ، وفسادٍ سياسيٍّ، وتفكُّكٍ اجتماعيٍّ... وارتهان...!؟ سنَفْرَغُ لاستعادة أنفُسنا من لُجَّةِ اللامعنى التي أغرَقتنا بها على مدى نيفٍ وسنتين.
سنفرَغُ لاستعادةِ كرامتِنا الإنسانيَّةِ والوطنيَّةِ والشخصيَّةِ بعد طول انتظار.
سنفرَغُ لإطلاقِ رِحلةِ العدالةِ والحريَّةِ والإستقلال. وسنَفْرَغُ حتى لسؤالِ الإيمانِ والتديُّنِ والتعصّب... سنَفْرَغُ للمقاماتِ والمؤسساتِ الدينيَّةِ وما يترتَّبَ عليها تجاهَ الإنسانِ وكرامةِ الإنسان من واجبات.
أما الكنيسةُ... فسنظلُّ نطالبُها بأن تكون كنيسةَ الشعبِ لا كنيسةَ الخاصَّة... كنيسةَ المحبة والفداء... لا كنيسةَ التحيُّزِ والإنزلاق.
أوليست الكرامة الإنسانيَّة، تلك التي حَرَمَتْنا منها، ولا تزال، سياساتٌ جائرة، ميَّزَتْ عن سابق تصورٍ وتصميم، بين إنسان وإنسان، بل بين آدميّ وآدميّ... أوليست الكرامةُ الإنسانيَّة تلك قيمةً كبرى... تأتي بعدها سائرُ القيم؟
آهِ من زَمَنٍ كلُّ شيءٍ فيه مُباح...!؟
إن من يعيدُ الينا كرامتَنا هو النظامُ العام... والنظامُ آتٍ لا محالة... والقانونُ آتٍ وكلُّ الضوابطِ والأصول... وما سوى ذلك خرابٌ وخَواءٌ واندثار... ونقيقُ ضفادعِ الموالاةِ وطقوسُ عبادةِ الحقيقةِ عندها شُبهةٌ وسراب!؟
آهِ من زَمَنٍ كلُّ شيءٍ فيه مُباح...!؟
قد نكون من زمنٍ غيرِ الزمنِ الذي أنتم منه... زمنٍ ما من مباح فيه سوى الخير العام.
قد نكون من طينةٍ عجنَتْها آلهة الحقِّ والعدلِ والإستقامةِ والنزاهةِ وبذلِ النفس. فلسنا لأزمنةِ البؤسِ التي بشَّرتم بها، ولا نحن مؤمنونَ بزمَنِ الشيطان الذي بعضُكُم غارقٌ فيه... ولا نبالغُ إذا قلنا إنَّ لبنان، إما أن يكونَ كما نحن عليه أو أن لا يكون...!؟
تعليقات: