مشتاق للكشك (هيثم الموسوي)
فوجئ سكان مار الياس ظهر أمس بحركة غريبة. شبّان وصبايا ينزلون تدريجاً إلى الشارع. في أيديهم أرغفة خبزٍ، وتدور عليهم «شفّة مازوت».
لم يفهم زوّار المحال التجاريّة سبب «عجقة الأولاد» كما سمّاهم صاحب أحد المحال التجاريّة. لم يردّ الشبّان على التعليقات. أحضروا المزيد من الشعارات. انتظموا في صفوف. دقّت ساعة الصفر فهتفوا: «قالوا انطوى سيف الغلا/ إلنا الدولة شدّت حالا/
تاري الدولة مع التجّار/ تنين أصل البلا».
هكذا بدأت مسيرة «اتحاد الشباب الديموقراطي» من مقرّ الاتحاد في مار الياس إلى السرايا الحكومية. يصرّ الاتحاديون على رفض تصنيفهم ضمن فريقي 8 و14 آذار، لأنهم من مناصري الرغيف، ويسألون: «إذا قلنا جوعانين، على مين بتحسبونا؟ أميركا أو سوريا؟».
في الشكل، نزل الشبّان في عزّ الفراغ الرئاسي ليعلنوا أن هذه الانتخابات لا تعنيهم إذ «ما بدّنا غيرك يا رغيف رئيس للجمهوريّة»، ولأن «الفراغ بالكرسي مش مثل الفراغ بالمعدة». هي التظاهرة الأولى التي يقودها اتحاد الشباب الديموقراطي وحيداً في شوارع بيروت منذ انتهاء الحرب الأهليّة. يقول الاتحاديون إنّ قرارهم نابع من معاناة يوميّة
يعيشونها.
وفي المضمون، يأتي هذا التحرك ليُعلن أن هناك فئة من اللبنانيين لا تزال تصرّ على أن «بناء دولة القانون والمؤسّسات لا يكون على حساب الطبقات الشعبيّة والكادحة، بل هي وُجدت لتخدمهم»، كما قال رئيس «الشباب الديمقراطي» عماد بوّاب.
إذاً هي ليست محاولة للحصول على مكسب في الحكومة الجديدة، أو مدير عامٍ هنا، أو رئيس مصلحة هناك؛ بل هي صرخة حقيقيّة من أُناس وجدوا أن المحيطين بهم يتركون الوطن شيئاً فشيئاً، فأدركوا أن المشكلة ليست في اسم الزعيم، بل في الطبيعة الطبقيّة ـــــ الطائفيّة للنظام، فكرّروا دعوتهم إلى دولة ديموقراطيّة علمانيّة.
أكملت المسيرة طريقها من مار الياس إلى زقاق البلاط فالسرايا. وتكرّر مشهد صدمة الناس بها، «لأننا لا نملك وسائل إعلام تدعو وتكرّر الدعوة عشرات المرات قبل أسبوع من التحرك»، يقول حسّان زيتوني. لكنّ المتظاهرين رفعوا لافتاتهم لتقول للناس «شعب جوعان، مسؤول فجعان، شو بعدكم ناطرين؟ تحرّكوا...»
وصل «الرفاق» إلى السرايا. حذّروا السلطة التنفيذيّة من أن «الشعب إذا جاع بياكل حكّاموا. ونحنا جوعانين!»، لكنّهم لم يتوجهوا إلى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة فقط بالقول: «أيها الزعيم: لديك ما يكفيك من خبز ولكن ليس ما يكفي جميع الناس»، بل إلى كلّ الزعماء.
لم يكن الحشد مليونياً، ربما لم يسمع أصواتهم قاطنو السرايا، أو هذا ما أوحى به ذلك الضابط. كان يتهكّم عليهم، مع عناصره. فقال له «الرفاق»: «يا عسكر خيّك معنا، شلاح البدلة وتعا معنا». لكن ذلك العسكري استمر بالتهكّم. هو لا يدري أن بين المشاركين صبيّة في الثانوية العامّة، تركت المدرسة والتفّت بكوفيّة الفلّاح حتى لا يعرفها المخبرون وقادت عمليّة الهتاف، بشعارات جديدة على الشباب. هي التي كانت تغني: اسمه مناضل فلّاح وعامل/ لازم ياكل حتى يعيش/ ما عم ياخذ بخشيش/ وأكثر أكله فلافل.
هو لا يعرف أنها لا تهتم به، ولا بكلّ الحكّام، لأنها ورفاقها يجاهرون بأنّهم «جايي مع الشعب المسكين جايي لأعرف أرضي لمين، لمين عم يموتوا ولادي بأرض جدادي جوعانين؟».
تعليقات: