منذ أكثر من ثلاث سنوات، ضجّ لبنان بالجريمة التي اكتشفت في حدث بعلبك. كانت «إبادة» لعائلة بأكملها. أب وزوجته وابنه البالغ من العمر 13 عاماً، وُجدوا بالّصدفة مقتولين داخل المنزل. الأب كان يستقبل ضيفه. الأمّ كانت في المطبخ تحضّر القهوة. والصبيّ كان يحمل بيده خرطوم المياه ويشطف الشرفة.
لم يسمع أحدٌ من الجيران أصوات العيارات الناريّة. استخدم القاتل مفرقعات ناريّة لإخفاء صوت طلقات البندقيّة. الجريمة لم تحصل لأسباب ثأريّة، كما اعتُقد في بداية الأمر. الدافع دين لا يتعدّى 1200 دولار أميركيّ، وفق القاتل. ولولا زوجة الضحيّة التي بقيت ليومين على قيد الحياة قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، لكانت الجريمة سُجِّلت ضدّ مجهول!
لم يعد لهذه العائلة أي أثر. اسمها يتردّد داخل المحكمة العسكريّة، حيث يأتي المتّهمون الثلاثة بالقتل أو المساعدة على قتل عائلة محمّد صبحي زعيتر (أحدهم فار من وجه العدالة)، من دون أن يقفل الملفّ بعد.
في 7 تشرين الأوّل 2012، استقلّ القاتل واثنان من أشقائه وابن عم والده سيارة تابعة لأحدهم («جيب ميتسوبيشي») من إحدى البلدات البقاعيّة، قاصدين منزل محمّد زعيتر في بلدة حدث بعلبك، بهدف إنهاء خلاف حول دين مالي مترتّب لزعيتر بذمّة المتّهم بالقتل، بحسب ما جاء في القرار الاتهامي.
كان الأخير قد استدان 1200 دولار مقابل فوائد خياليّة أصبحت مع الأيّام 18000 دولار أميركيّ، فيما قرّر زعيتر أن يسامحه بـ4000 دولار أميركيّ، ليتبقّى بذمّته 14000 دولار أميركيّ. يومها، كان المدين يحمل 4000 دولار أميركيّ قرر أن يعطيها لزعيتر.
لم يكن المبلغ في جيبه فقط، وإنّما استلّ الرّجل وقبل خروجه من المنزل ومناداته لأشقائه، مسدسّه الحربي ووضعه على وسطه تحت ثيابه.
وفي الطرّيق إلى حدث بعلبك، توقّفت السيّارة في شمسطار، حيث اشترى القاتل ز. ق. مفرقعات ناريّة وضعها في كيس أسود، وأكمل سيره وركن السيّارة قبل 100 متر من منزل المغدور، الذي شكّ به في بداية الأمر ورفع السّلاح في وجهه، قبل أن يطمئنه ويطلب من زوجته تحضير ركوة قهوة ووضع السّلاح إلى جانب كرسيّه على الشرفة المطلّة على الطّريق.
وعلى «السطيحة» نفسها كان إيلا ابن الـ13 عاماً يقوم بتنظيف الأرض، وما هي إلّا دقائق حتى علت الصّرخة على اعتبار أنّ المدين يرفض رفضاً تاماً دفع المبلغ كاملاً. يقول القاتل إنّ زعيتر استفزّه بالكلام بعد أن سحب بندقيّته من نوع «كلاشنكوف». لم يستطع تمالك أعصابه، فما كان منه إلّا أن سحب منه البندقيّة وأطلق النّار باتّجاه زعيتر الجالس قبالته على الشرفة وأرداه قتيلاً.
لم يكتف الرّجل بقتل زعيتر وإنّما أطلق النّار على طفله إيلا، ثم لحق بزوجة زعيتر إلى المطبخ وأطلق النّار عليها من دون أن يدرك أنّها لم تفارق الحياة.
كادت الجريمة أن تظلّ عالقة دون متهمين لولا أن زوجة المقتول وقبل أن تفارق الحياة قد كشفت أنّ القاتلين هم ثلاثة: ز. ق. وشقيقه وثالث لا تعرفه.
يقول القاتل إنّه نادم على ما فعل وأنّه لم يكن يريد قتل زعيتر بل كان يريد إنهاء الموضوع. حينها، قام زعيتر بشتمه وتهديده بالقتل إن لم يدفع المبلغ كاملاً ثمّ أشهر سلاحاً من نوع «كلاشنكوف» في وجهه بشكلٍ يلامس صدره، فانتابه الخوف قبل أن يفقد أعصابه ويقوم بقتله. ويضيف: «ركض ايلا باتجاه الكلاشنكوف الموجود إلى جانب والده وقبل وصول إيلا إلى الطّاولة، أطلقتُ النّار عليه، ثمّ خرجت زوجة زعيتر وبدأت بالصراخ فأطلقتُ النّار عليها».
بصوتٍ متهدّج، يعترف القاتل بجريمته، قبل أن يضيف: «والله ما كان بدّي اقتله، بس ما بعرف شو صار»، مشيراً إلى أنّ المفرقعات التي أطلقها عقب تنفيذ عمليّة القتل كانت بهدف عدم لفت الأنظار «وإلّا قتلوني»، مشدّداً في الوقت عينه على أنّه لم يشترِ المفرقعات لهذه الغاية وإنّما لابنه.
القضيّة ما زالت أمام القضاء العسكريّ كون اثنين من أشقاء القاتل الذين يُعتقد أنّهما كانا معه في السيّارة عسكريين. وقد استجوب رئيس «العسكريّة» العميد حسين عبدالله، أمس، المدّعى عليهم.
يشير شقيق القاتل العريف ع. ق. أنّ شقيقه مجنون وغامض وغير مقرّب من العائلة، لافتاً الانتباه إلى أنّه أوصل شقيقه إلى منزل زعيتر من دون علمه بهويته أو أنّه كان يقصد قتله، بل إنّه لم يعلم بذلك إلّا إثر وصولهما إلى المنزل، على اعتبار أنّه بقي في السيارة وفي مكان بعيد عن منزل المغدور.
وإذا كان الموقوف ع. ق. يؤكّد أنّه كان برفقة شقيقه القاتل بمفردهما في السيّارة، فإنّ شقيقهما الثالث المدّعى عليه م. ق. يشدّد على أنّه كان في بيروت أثناء الجريمة.
وقبل انتهاء الاستجواب، عمد مفوّض الحكومة المعاون لدى «العسكريّة» القاضي فادي عقيقي إلى توجيه عدد من الأسئلة إلى القاتل التي أجاب عليها بسرعة وبدقّة. وحده السؤال عن اسم الطبيب الذي كان يعالجه بعد أن أشار إلى أنّه يعاني من مرض أعصاب، لم يجد له إجابة.
وخلص عقيقي إلى تسجيل طلب بكفّ النّظر عن عرض المدّعى عليه على طبيب نفسي باعتباره أجاب بسرعة على الأسئلة وأنّ ذاكرته جيّدة.
وقد أرجئت الجلسة إلى 13 آذار المقبل.
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-10-15 على الصفحة رقم 3 – محليّات
تعليقات: