تقدمتَ إلى امتحانات البكالوريا مرات عدة ولم توفق في النجاح؟ لا تيأس، فبإمكانك الحصول على شهادة بكالوريا، وبدرجة جيد لو أردت، في مقابل مئات الدولارات لجامعيين «يضمنون» لك دخول الجامعة
لو سئل ذوو الطلاب عما يتمنّونه لأبنائهم ساعة الامتحان، فسيحلمون بمراقبين تملأ قلوبهم الرأفة والحنان على فلذات أكبادهم، يغضّون الطرف لمساعدة الطلاب في النجاح. قانوناً وعرفاً، يعد السماح للطلاب بالاطلاع على ما يكتبه زملاؤهم غشاً، إلا أنه قد يبقى أقل خطورة من نوع آخر من الغش، يرفض صاحبه إعطاءه صفة التزوير، بل يراه «غشاً لا يعتمد فيه على المراقب، بل على قدرات ذاتية مع بعض المساعدة من مختار المحلة، والنتيجة مضمونة». هذا ما يقوله «كمال»، الشاب الذي تقدم لامتحانات البكالوريا عن سبعة من أصدقائه خلال السنوات الأربعة الماضية، وأمّن لهم نجاحهم «مشرّعاً أبواب المستقبل أمامهم».
تخرّج كمال، أو «رجل الشدائد» كما ارتأى تسمية نفسه، منذ بضع سنوات حاملاً إجازة جامعية في أحد الاختصاصات الأدبية، لكنه لم يوفق في العثور على عمل كالكثير من الخريجين، الأمر الذي دفعه إلى «استثمار علمه في تجارة مربحة»، وهي أن يتقدم إلى امتحانات البكالوريا الرسمية عن طلاب يصفهم بالفاشلين مقابل 1000 دولار يتقاضاها في حال النجاح. «بإمكاني تحصيل ألف دولار عن كل دورة، ما يضمن لي المصروف لباقي السنة في انتظار الامتحانات المقبلة»، يقول رجل الشدائد.
يُرجع كمال بداية مشواره مع هذه «المهنة» إلى السنة التي تلت تخرجه، حيث كانت المسألة في البداية مجرد خدمة من صديق لصديقه أداها محرجاً ومن دون مقابل، بعد إصرار «رفيق عمره» الذي لم يوفق في الدورتين السابقتين. وبسؤاله عما إذا كان يعلم تبعات هذا العمل الذي ينطبق عليه التزوير واستخدام المزور وانتحال الصفة، أجاب كمال: «فداء لصديقي». لكنه لا يلبث أن يعترف، قائلاً: «كنت متردداً وخائفاً في البداية، فمستقبلي على المحك لكنني غلَّبت قلبي على عقلي، ووجدت أنها الفرصة لأظهر وفائي لصديقي».
أما أدوات المهنة فكانت «إخراج قيد مبلولاً وقلباً من حديد». يشرح كمال التفاصيل: يحتاج المرشح لدخول مركز الامتحان إلى إخراج قيد فردي وبطاقة ترشيح، كلاهما يحملان صورة المرشح. إخراج القيد مسؤولية صاحب الطلب «والمسألة بسيطة جداً، ليس على المختار سوى ختم الصور لإصدار إخراج قيد تحمل صورتي. أما بطاقة الترشيح، فأنزع غلاف النايلون، وأضع صورتي مكان صورة صاحب العلاقة ثم أعيد لصق الغلاف».
تنتهي الترتيبات السابقة ويأتي اليوم الأول من الامتحانات مع «عقبة» رجال الأمن الداخلي الذين يتولون أمن المركز. يسرد كمال التفاصيل الميدانية: «عليك أن تتمالك اعصابك لتستر الخوف، وإلا افتضح أمرك، وبذلك تقطع ثلاثة أرباع المسافة». ويبقى الربع الأخير الذي يلخّصه في «مواجهة المراقب ورهبة الامتحان، فإذا نجحت ضمنت عشرة أوراق خضراء في جيبك، وإلا ضاع جهدك عبثاً». أما بالنسبة إلى احتمالات افتضاح أمره، فيعطيها نسبة ثلاثة في المئة، تتلخص بأن يتعرف إليه أحد المراقبين، أو أن يشي به أحد «المغرضين». يذكر قصة صديق له يعمل في «المهنة» نفسها قُبض عليه في المركز الذي كان يجري فيه «كمال» امتحانه، إثر «دزة» من ابن خال الشاب.
ولا بد من الإشارة إلى أن المادة 463 من قانون العقوبات تنص على أن كل من يزوّر تذكرة هوية أو شهادة اخراج قيد، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. كما أن المادة 464 من القانون ذاته تنص على الحبس من شهرين إلى سنتين لكل من ينتحل اسماً غير اسمه أو يستعمل إحدى هذه الوثائق باسم غير اسمه أو بهوية غير هويته.
وذكر كمال لـ«الأخبار» أن المراكز التي أجرى فيها الامتحانات منذ عام 2002 وحتى العام الفائت، انحصرت ضمن محافظتي جبل لبنان وبيروت. أحد هذه المراكز في الضاحية الجنوبية والباقي في بيروت. أما عن كيفية اتصال هؤلاء الشبان به، فيقول: «زبون بجيب زبون».
يرى «رجل الشدائد» أن جميع من تقدم بالامتحانات عنهم فاشلون، فالامتحانات بنظره لا تحتاج إلا إلى القليل من الدرس والتركيز، ومن يرسب فيها من دون سبب فلا أمل له في أن ينجح بشيء. ويؤكّد أنه واحد من عشرات الخريجين الذين يخوضون الامتحانات الرسمية بهذه الطريقة، والاحتراف في التزوير يدل على أنه عملية شائعة ونتيجة خبرات طويلة في هذا المجال، تشبه مثيلتها في عملية الغش التي كشف عنها النائب محمد قباني حينما أبرز مجموعة من رخص القيادة «نالها» مكفوفون ومتوفون. غش كهذا يعيد إليه عدد من الجمعيات الأهلية ارتفاع عدد القتلى جراء حوادث السير، أما الغش الذي يمارسه كمال ورفاقه، فيبقى الأمل ألا يكون لاختصاصات من تقدم للامتحانات عنهم صلة بأرواح
البشر.
تعليقات: