في نهاية أيلول 2016 سجّلت نقابة المهندسين أدنى مستوى لمساحات البناء المرخصة منذ ثماني سنوات. يعكس هذا الأمر أزمة مبيعات القطاع العقاري ولا سيما «المبيعات على الخريطة»، التي كانت تموّل 40% من كلفة المشاريع. هكذا بات تجار العقارات رهائن التمويل المصرفي الذي يحدّد سقفه الأقصى مصرف لبنان بنسبة 60%، فيما بدأ تدهور المبيعات يضغط على قدراتهم في تمويل مشاريع جديدة
تشير إحصاءات نقابة المهندسين إلى أن مساحات البناء المرخصة بلغت في نهاية أيلول 2016، 7.4 ملايين متر مربع مقارنة بـ 7.7 ملايين متر مربع في نهاية أيلول 2015 و8.7 ملايين متر مربع في نهاية ايلول 2014 و11.3 مليون متر مربع في نهاية أيلول 2010.
وكالعادة استحوذت محافظة جبل لبنان على أعلى مساحات مرخصة خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية وبلغت حصتها 57.9%، ثم تلتها محافظة الجنوب بحصة 17.5%، والبقاع بحصة 12.4% والنبطية بحصة 12.3% وبيروت بحصة 4.9% والشمال بحصة 0.8% (لا تتضمن إحصاءات الشمال الرخص المعطاة من قبل نقابة المهندسين في الشمال).
وتعدّ إحصاءات «مساحات البناء المرخصة» التي تصدرها نقابة المهندسين، مؤشّراً على توقعات القطاع العقاري للسنوات الخمس المقبلة. فهذه الرخص تحمل آجالاً للتنفيذ تمتد إلى خمس سنوات. نبض السوق يكمن في هذه التوقعات، إذ إن هؤلاء التجّار يحتاجون إلى ثلاث سنوات بالحد الأدنى لتكوين مخزون من الشقق السكنية يتيح لهم الاستفادة من تحقيق أرباح ريعية وضخمة وسهلة، وهذا إذا لم يتلاعبوا هم بالسوق لتضخيم الأسعار ونفخها. وبالتالي فإن شروط تكوين مخزون الشقق يتطلب شراء الأرض ودراسة المشروع هندسياً ثم استصدار التراخيص القانونية تمهيداً لبدء عملية البناء التي تتطلب ثلاث سنوات وسطياً.
استحوذت محافظة جبل لبنان على أعلى مساحات مرخصة خلال الأشهر التسعة الأولى
هكذا تعكس الإحصاءات توقعات متشائمة نسبياً، لكنها أصلاً تعكس واقع التمويل في السوق. فالتجّار غير قادرين على تمويل المشاريع العقارية من المصارف بأكثر من 60%، علماً أن هذه النسبة هي الحدّ الأقصى المسموح به من مصرف لبنان. وبالتالي فإن تمويل النسبة الباقية (40%) يكون من خلال مكوّنين: رأس المال، المبيعات على الخريطة. ومن المتعارف عليه بين التجار، أنه عندما تبلغ نسبة المبيعات 25% من مجموع الشقق ضمن المشروع، فهذا يعني أن تجّار العقارات استردوا رأس مالهم أو القسم الأكبر منه، ما يعني أن كل ما يتحقق لاحقاً من المبيعات، سواء بقيت الأسعار على حالها أم ارتفعت، هي أرباح. ولذا، فإن هذه الآلية تتيح للتجار الرهان على ارتفاع الأسعار وفرض السعر الذي يناسبهم، وإن كان الأمر يختلف بين تاجر وآخر بحسب القدرات المالية لكلّ منهم.
وفي الواقع، فإن السنوات الخمس الأخيرة، أي منذ اندلاع الأزمة السورية وبدء تأثيراتها على لبنان، بدأت مبيعات القطاع العقاري تتقلص بسبب تراجع الطلب على فئة الشقق الكبيرة والفخمة، ثم انتقلت عدوى التراجع إلى الطلب على الشقق المتوسطة ولا سيما تلك التي تنشئ في المدن الساحلية الأقرب إلى العاصمة، وهو اليوم يصيب الشقق الأصغر حجماً.
نسبة التراجع في الأسعار، بلغت 25% وفق بعض الوسطاء في السوق، لكن هذا التراجع ليس أمراً عاماً أصاب الجميع، بل هو متفاوت بين تاجر وآخر. وهذا التراجع في الاسعار يأتي رغم أن المبيعات مدعومة من مصرف لبنان عبر عدد من قنوات الدعم المباشرة وغير المباشرة. فالمصارف تحصل من مصرف لبنان على قروض وإعفاءات تتيح لها تقديم قروض سكنية مدعومة الفوائد سواء كانت هذه القروض من مصرف لبنان مباشرة، أو بواسطة المؤسسة العامة للإسكان وغيرها من البرامج الإسكانية الخاصة.
تراجع مساحات البناء المرخصة سيترجم خلال الأشهر والسنوات المقبلة المزيد من التراجع في تنفيذ المباني السكنية والتجارية أيضاً، وبالتالي سيضغط هذا الأمر أكثر على الأسعار.
تعليقات: