النبطية تكرم ابنها «الاستقلالي» محمد بك الفضل


زياد الشوفي – عباس علوية، النبطية :

في الذكرى الثالثة والسبعين لعيد الاستقلال والثلاثين لغياب رجل الاستقلال ابن مدينة النبطية النائب والوزير السابق الراحل محمد بك الفضل، اقامت بلدية مدينة النبطية بالتعاون مع «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» و«جمعية بيت المصور في لبنان» و«معرض خليل برجاوي لطوابع البريد» مهرجاناً تكريمياً في قاعة مار انطونيوس في ثانوية السيدة للراهبات الانطونيات في النبطية بحضور النائب عبداللطيف الزين، النائب ياسين جابر، رئيس بلدية مدينة النبطية الدكتور احمد كحيل ممثلا بعضو المجلس البلدي صادق اسماعيل، رئيس جمعية العمل البلدي الدكتور مصطفى بدر الدين، وعائلة الراحل الفضل، ورؤساء بلديات واتحادات قضاء النبطية، ووفد من النادي اللبناني لهواة الطوابع والعملات في لبنان برئاسة وارف قميحة، وفاعليات سياسية وحزبية وعسكرية وقضائية وثقافية وتربوية واجتماعية وشخصيات اعلامية ورسمية واعضاء المجلس البلدي لمدينة النبطية ومختاري المنطقة ورؤساء جمعيات واندية ومدراء جامعات وثانويات ومدارس ومعاهد وهيئات تعليمية ومحامين واطباء والفريق التصويري لجمعية بيت المصور، ووفد من «ليبان بوست» وحشد من الاهالي ومن تلامذة ثانوية السيدة للراهبات الانطونيات.

وتحدث رئيس جمعية بيت المصور الزميل كامل جابر فقال: «ها أنني بعد انتظار طويل، وبعد نحو عقدين من مقالتي الصحفية على الضيم اللاحق بذكراه، أقف بين يدي سيرة الراحل محمد فايز بك الفضل، لا لأعاتب الدولة وتقصيرها هذه المرة، بل لأبدي فرحي العظيم بهذه اللّمّة الحميمة حول شخصية كانت فاعلة في المسار السياسي على المستوى الوطني والمحلّي، كادت أجيالنا تطوي صفحتها وشأنها، امتداداً لحيف متواتر بدأ قبل عقدين من رحيل صاحبها في العام 1986، واستمرّ إلى حين بدأت تلوح مبادرات مشكورة من بلدية النبطية حيناً، ومن أبنائها وفاعلياتها المختلفة، لا سيما معالي النائب ياسين جابر في حين آخر، ناهيك عن ومضات متقطعة لمحافظة النبطية».

وأضاف: «خيراً فعلت وزارة الاتصالات وليبان بوست حينما ارادتا تكريم رجالات الاستقلال بطوابع بريدية تذكارية، وهذا الإصدار لهذه الطوابع أفادنا وأنصفنا، نحن اللذين انتظرنا ردحاً من الزمن أن تكرّم الدولة رجلاً لم نرَ أكثر من اسمه وضوحاً على العلم اللبناني الأول، علم الاستقلال. ولن ننتقص من حقّ أحد من رجالات الاستقلال ممن ظلّت تتذكرهم الدولة كل عيد بتحية وإكليل زهر، لكن حقنا عليها ألا ترى بعين واحدة وأن تتعامل مع ذكرى هذا الرجل معاملة المثل. فشكراً على الطابع البريدي التذكاري، برغم اختيار صورة الراحل محمد الفضل عليه، من مواقع الانترنت من دون العودة إلى العائلة، أو إلى بلدية المدينة التي كانت ستسارع حتماً إلى تأمين صورة تتمتع بالمواصفات المطلوبة».

وتابع: «نحن نعتبر الطابع الذي صدر إلى جانب أربعة عشر طابعاً آخر، لشخصيات من الاستقلال لها التقدير والاحترام، بمثابة وسام ردَّ الاعتبار إلى رجل الاستقلال محمد الفضل وإلى مدينته وأهلها، بعد ثلاثين عاماً على رحيله. هذا الطابع الذي مكّننا من إصدار مغلف تذكاري يحمل الطابع ممهوراً بصورة صاحبه، سيوزع على الحضور بعد قليل، مع ثلاث بطاقات بريدية تحمل صوراً للراحل من ذاكرة المدينة والعلم اللبناني الأول. فهنيئاً للعائلة الصغرى، آل الفضل، وللعائلة الكبيرة من أبناء النبطية والجنوب، لا سيما من يجتمع اليوم في هذا المكان، هذا الوسام وهذه التحية الوطنية عشية العيد الثالث والسبعين للاستقلال، ما يجعلنا نشعر بزوال بعض الغبن والعتب».

تلته رئيسة الثانوية الأم كاميليا القزي بكلمة رحبت فيها بالحضور في «هذا الجنوب المعطاء الذي أنجب العديد من النوابغ، ومنهم محمد بك الفضل». ثم عرضت تسجيلاً مصوراً لمقابلة أجرتها مع بهيج محمد الفضل في دارة العائلة في النبطية، وتضمنت معلومات عن حياة الراحل ومشاركته الفاعلة في إطلاق علم الاستقلال.

وتحدث خليل برجاوي عن حكاية الطابع في لبنان الذي «بلغت طوابعه حتى اليوم 1800 طابع تتناول التاريخ والجغرافيا والآثار والتراث ورجالات الاستقلال والأدب والشع والفن والمبدعين».

واضاف: «نجتمع اليوم لنحتفي بصدور طابع بريدي لمحمد بك الفضل ضمن مجموعة من 15 طابعاً لرجالات الاستقلال. وأذكر أن الرئيس الياس سركيس كان قد منح الفضل وسام الأرز، وفي الحقيقة أن طابع البريد الذي صدر اليوم لهو أرقى من أي وسام، فالطابع مستحق لمن يستحق، وقد أعاد بعض الفضل للفضل، وجدّد له إعادة الاعتبار وأدخله التاريخ من الباب الأوسع، وصار له وثيقة بالاسم والصورة. وثيقة واضحة دامغة خالدة وباقية».

وتابع: «من هنا أدعو الفاعليات ونوابنا الكرام للمطالبة بجد ومثابرة لاصدار المزيد من الطوابع التي تسلط الضوء على جنوبنا الذي حرم كثيراً من هذا الامتياز، فلحسن كامل الصباح طابع واحد بينما لغيره الكثير، ولقلعة الشقيف 3 طوابع وغيرها من القلاع لها العشرات، وأسأل أين طابع الفنان نصري شمس الدين؟ وطوابع التراث الجنوبي وأسواقه ورجالاته؟ للحقيقة ان جنوبنا حرم كثيرا من هذا الامتياز. وأخير أشكر الإعلامي الصديق المبدع كامل جابر، الذي أدرك أهمية هذا الحدث، وأعني صدور طابع محمد الفضل، فبادر إلى جمع صور الراحل وعمل على تصميم غلاف لائق وجميل وإصدار 3 بطاقات بريدية من النوع الفاخر والمصمم على الأسس العالمية، ووضع السيناريو الإخراج لهذا الحفل الكبير لتكون النبطية سباقة في تكريم الاستقلال وابنها رجل الاستقلال محمد الفضل. كل الشكر لبلدية النبطية رئيساً وأعضاء والمجهود المميز لعضو المجلس البلدي السيد صادق إسماعيل وإدارة ثانوية الراهبات في النبطية».

ووزعت تلميذات من ثانوية الراهبات مغلفات تذكارية عليها طابع محمد الفضل وبطاقات بريدية للفضل ورئيس الجمهورية بشارة الخوري في النبطية سنة 1946 ومع فاعليات المدينة ومجلسها البلدية سنة 1952 وبطاقة «مكسيموم» للعلم اللبناني الأول مزينة بطابع الفضل، وأزراراً نحاسية لعلم الاستقلال.

ثم ألقى أحمد محمد الفضل كلمة العائلة فقال: «لم يخب ظن أبي، إذ كان يرددّ دون انقطاع، هذه المدينة تستحق منّا كل عطاء ووفاء، ولا بدّ أن يتذكر الناس كلّ ما فعلناه أو سعينا إليه. ربما تأخر الأمر ثلاثين عاماً، أو ربما خمسين عاماً، لكنّ مدينة أبي سعت إلى ذكره وتذكره، وها أنّها اليوم تتوج وفاءها بهذا المهرجان التكريمي الحافل. عند الرجولة والشهامة، يُذكرُ محمد بك الفضل، أبو الهمّات والمواقف الإنسانية والإجتماعية؛ ولكم تفانى في الخدمة والعطاء؛ وكم شدّ من إزر مواطنيه، وكم دفع من وقته وجيبه لفضّ المشاكل والخلافات؛ وهو الذي لم يكن ذات يوم صاحب ثروة. لقد خدم من دون منّة، وبخاصة أبناء بلدته وشبابها الذين ناصروه، وكان لهم المخلص الغيور والوفي، وبقي في ذاكرة وبال كلّ مخلص غيور».

وأضاف: «كان أبي مفعماً بالأمل، دائماً، دمث الأخلاق، باسم المحيّا، أنيق الهندام. ولأنك كنت يا والدي مدماكاً في محطّات الرجولة، بذكرك يفوح عبير النبطية الأصيل وشذاها الجميل. وكلما رفرف العلم اللبناني، يتلألأ اسمك محفوراً عليه بأحرف من نور. بيد أن الأيام أرهقتك يا والدي، فواجهتك العواصف، ومع ذلك بقيت الإنسان المثالي ومن خيرة الأوادم، حتى رحلت بصمت، ومثل رحيلك، ظل ذكرك زمناً مديداً أسير الصمت، حتى بدأت تلوح اهتمامات جيل الحماسة والنهوض والثقافة، الذي بدأ يواكب النهضة والتطور على مختلف المستويات، ومع ذلك راح يعيد إلى كل صاحب حقٍّ من أبناء المدينة الراحلين والمستحقين، حقَّه، وما نراه اليوم خير دليل على أن أبناء هذه المدينة أوفياء لذاكرتهم ولأصالتهم ولرجالاتهم الأوائل».

وختم: «ربما تأخر تكريم والدي بمعناه الواسع ثلاثين عاماً، أو خمسين عاماً، لكن أبي سيرتاح بعد هذه العقود في قبره، لأن جيلاً لم يعايشه أو يواكب مسيرته، يقوم اليوم بتكريمه، ورفع اسمه المستحقّ، رجلاً من رجالات الاستقلال في هذا الوطن، وما ذلك إلا وفاءً وأصالة، وتكريماً لتاريخ هذه المدينة وعطاءات رجالها. شكراً لكم أيها الأوفياء، بلدية وجمعيات وفاعليات مختلفة، يا من سعيتم وساهمتم في إنجاح هذا التكريم، لا سيما في ذكرى الإستقلال الثلاثين، بعد رحيل والدي، والسبعين الشاهد على مشاركته رجالات الاستقلال في انتفاضتهم ضد الانتداب وتوقيعهم ميثاق التحرر، وملامح العلم الأول».

وألقى النائب ياسين جابر كلمة قال فيها: «ماذا عسانا نقول لك في ذكراك، من وطن الإنسان المنسي؟ لقد أخطأوا في حقك وحق أنفسهم ووطنهم، فالتبس عليهم تقدير ما تركت وفعلت. وساعة نذكر أقطابا لنا ارتفعوا برؤوسهم فوق الأبعاد، نشعر بجلال التطلع ومهابة العطاء وشمولية البذل الذي قدموه. وما القول بمحمد بك الفضل إلا تذكير بإنسان أخذ موقعه في ثغر الفخر، فصقل شخصيته على العصامية والأخلاق والاستقامة وأحسن التغلغل إلى كل قلب. فقد نشأ هادئاً رزيناً، يراقب ويستشف ما تخبئ له الأيام من مسؤوليات جسام. فمن النيابة إلى الوزارة، لينحت حجارة الزاوية في كيان الوطن، وليتبوأ تلك المناصب ويبقى هو نفسه متواضعاً بأنَفَة، عاملاً بجدّية، بابتسامة ثقة وبعزم وإرادة لا تلينان.

وتابع: «تعود بنا الذكرى إلى العام 1995 عندما تولينا حقيبة وزارة الاقتصاد، وفي ذكراه توجهنا إلى ضريحه الطاهر لنضع عليه إكليلاً من الزهر، وفاء وتقديراً لذكراه العطرة... كما لا بد لنا هنا من العودة قليلا إلى الوراء، إلى العام 1943، عندما قامت حكومة المغفور له رياض بك الصلح، وبعد الانتخابات النيابية، بتعديل الدستور اللبناني وإلغاء ك لالمواد المتعلقة بالانتداب وعصبة الأمم، إلى اعتقال الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح وبعض الوزراء، لتبدأ معركة الاستقلال التي خاضها الشعب اللبناني بأكمله، حيث وقفت النبطية يومها الموقف الذي يمليه عليها تاريخها الوطني وينسجم مع نضالاتها وماضيها التليد، فقامت تظاهرة ضمت كل أبناء البلدة، ولدى وصولها إلى مقر الأمن العام الفرنسي الذي يمثل سلطة الاستعمار، تسلق بعض الشباب النبطاني إلى حيث يرفرف العلم الفرنسي فانتزعوه وأحرقوه، ولم يطل الأمر حتى امتلأت ساحة النبطية بشاحنات الجنود السنغاليين الذي راحوا يطلقون النار عشوائياً، فخلا السوق من الناس ولجأ كل إلى منزله وليس في اليد حيلة ولا سلاح، فداهم الجنود المنازل واعتقلوا العديد من أبنائنا ومنهم الشيخان سعيد صباح وعبدالله نعمة.

وفي شهر تشرين الثاني المجيد، أرغم الشعب اللبناني المستعمرين على التراجع وتم الافراج عن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء، وعاد أبناء النبطية المتعلقون إلى بلدتهم لتعيش النبطية يوماً وطنيا انتفضت فيه مع الوطن ضد مستعمريه ومحتليه، نبطية وطنية بنائبها المخلص محمد بك الفضل الذي وقّع على علم البلاد مناضلاً من أجل الحرية والكرامة.

ختام قولنا أن تكريم النبطية لأبنها البار حق وواجب علينا جميعاً ل~لا تموت المروءة بين الناس، شاكرين لكل من نظم وساهم واحتضن هذا الاحتفال، وأخص الإعلامي ابن العم الأستاذ كامل جابر. وشكراً جزيلاً للوزير بطرس حرب الذي رعى هذا العمل الجميل في تكريم رجالات الاستقلال بطوابع بريدية ومنهم محمد الفضل، وكذلك إلى ليبان بوست التي نفذت وساهمت يف إطلاق هذه الطوابع».

وألقى صادق إسماعيل كلمة بلدية النبطية فقال: «تعود ذكرى الاستقلال إلى النبطية ككل عام وتستحضر معها ذكرى تصميم العلم اللبناني موقعاً من مجموعة من القامات الوطنية ومنها توقيع مميز لممثل الشعب الذي فاز ضمن القائمة الجبارة التي عارضت الانتداب الفرنسي في أيلول 1943، إنه توقيع محمد بك الفضل النائب المعارض الذي شكل ورفاقه طليعة العمل النضالي في زمن الاستقلال. وتعود الذكرى منقوصة ككل عام حيث يغيّب اسم محمد فايز بك الفضل عن الاحتفالات الرسمية وهو ابن العائلة التي لعبت دوراً سياسياً مهماً في جبل عامل، منذ العام 1926 مع فضل بك الفضل ثم بهيك بك الفضل. غياب ذكره في الاحتفالات الرسمة لم ولن يخفف من بريق ذلك الاسم المشع في ذاكرة الناس، فهو الذي ترك اثراً حميداً طيباً طوال حياته السياسية، بداية في البرلمان حيث كان له من رعيل الاستقلال الأول دوراً بارزاً في صولات وجولات سن القوانين، وصياغة التشريعات وفي تمتين الأواصر النيابية ثم من خلال مهامه الوزارية ونشاطاته واجتماعاته ومراجعاته وحتى بعد خروجه من ندوة البرلمان لم يتخل عن واجب العمل في الشأن العام».

وقال:«نعم، إنها ذاكرة الناس التي تحفظ جميل العاملين بإخلاص لصون كراماتهم ولخدمتهم، الذاكرة الشعبية دائماً تنصف المناضلين ولا تبخسهم حقوقهم ولا تسمح لغبار النسيان أن يطوي صفحة إنجازاتهم. وما حفلنا اليوم إلا تجلّ لهذا الوفاء، فبعد أن لمسنا تقصير الدولة في هذا الملف كما في العديد من الملفات الإنمائية والخدماتية بادرت بلدية النبطية والفاعليات السياسية والجمعيات والأندية لإحياء هذه المناسبة من أجل تسليط الضوء على هذه القيمة الوطنية ولملء الفراغ الذي تركه غياب السلطة المركزية عن هذا التكريم. أما خيارنا إقامة الاحتفال في ثانوية السيدة للراهبات الأنطونيات، فلأن للأمكنة ذاكرة وفية أيضاً، ذلك أن محمد بك الفضل لعب دوراً مهماً في تأسيس هذا الصرح التعليمي، نظراً لإدراكه أهمية هذه المؤسسة في نشر العلم والمعرفة في النبطية والقرى المجاورة».

وختم: «في ذكرى الاستقلال أسعدتنا هذا العام سابقة وزارة الاتصالات عبر إصدارها طابعاً بريدياً خاصاً بمحمد بك الفضل ضمن مجموعة 15 طابعاً بريدياً لرجالات الاستقلال، ونحن نثمّن هذه المبادرة لوزارة الاتصالات ونأمل البناء عليها في السنوات المقبلة».

بعدها توجه الحضور إلى افتتاح معرض صور فوتوغرافية من أرشيف العائلة من إعداد البلدية وجمعية بيت المصور في لبنان، ومعرض الطوابع البريدية عن الفضل والاستقلال ورجالته من إعداد معرض خليل برجاوي لطوابع البريد. ثم وقع الحضور وفي مقدمهم النائبان الزين وجابر والفاعليات على علم استقلال لبنان مرسوماً من مجموعة فناني نادي الرسم في بلدية النبطية.










تعليقات: