فاجأنا حسن عبدالله بمعرضه المقام لدى «دار الندوة». المفاجأة جاءت لسببين: أولهما أن حسن عبدالله كنّا عرفناه شاعراً وكاتباً، وهو يسير في درب الكتابة منذ عقود، وثانيهما أن المستوى الفني الذي تشي به لوحاته يدفعنا إلى الاعتقاد أنها ليست المرة الاولى التي يستلّ فيها الشاعر ريشة ويعمل على مزج الألوان ووضعها على القماش أو الورق. هكذا، كنّا قدمنا إلى المعرض مع سابق تصور أننا سنرى محاولات مترددة، فإذ بنا نرى أعمالاً مكتملة العناصر، ومستوفية لشروط اللوحة ومتطلباتها.
بيد أن اهتمام حسن عبدالله وشغفه النسبي بالفن التشكيلي ليس جديداً، إذ تعود جذوره إلى أيام الدراسة في دار المعلمين. هذا الاهتمام لاحظه أساتذته في مادة الفنون الجميلة حينذاك، وأثنوا على رسومه وتلاوينه. نام هذا الاهتمام بالرسم خلال فترة طويلة، واختفت بعض آثاره خلف هموم الحياة والدراسة، ومن ثم العمل. لكن حسن عبدالله كان يتعمّد زيارة معارض الفن التشكيلي المختلفة، ويحاول ألاّ يتخلّف عن حضور بعض هذه المعارض التي كان يعتبر أصحابها من ذوي الخبرة والتجديد، أو المستوى اللائق في هذا المجال، إلى أن أتى اليوم الذي قرّر فيه، وبتشجيع ودفع من بعض الأصدقاء، وفي مقدمتهم الرسامة خيرات الزين، أن يرسم مجموعة من اللوحات، التي شكّلت مادة المعرض الذي نحن في صدده.
مشاهد الطفولة
وبما أن أكثر ما ترسّخ في ذهن حسن عبدالله وذاكرته كانت مشاهد الطفولة، وما بعدها، المرتبطة ارتباطاً واثقاً بالمكان والمحيط الذي ولد ونشأ فيه في جنوب لبنان، وفي بلدة الخيام تحديداً، فقد جاءت أعمال المعرض كلها ذات صلة مباشرة بالمشهد الطبيعي، القريب من الحقيقة أو المتخيّل، من دون أن يعني ذلك أن عبدالله كان جلس في الواقع أمام المشهد كي ينقل بعض مكوّناته، أو لجأ إلى صور فوتوغرافية تعكس أمكنة في عينها. عاد إلى «صور الداخل»، كما يسمّيها، كي يرسم، بتقنية الأكريليك، مشاهد بعضها على القماش وبعضها الآخر على الورق تجسّد طبيعة بكراً، أو شبه بكر، حافظت على سهولها وهضابها وأشجارها، ولم تخترق مفاصلها سوى بيوت تبدو أنها تراثية، طينية وصغيرة الحجم. تتشابه البيوت في لوحة حسن عبدالله، أكان من حيث الحجم أم من حيث تماثل أشكالها ومداخلها بعضها مع البعض الآخر. ربما كان في هذا القرار ما يشير إلى التماثل القائم، أو بالأحرى الذي كان قائماً، لدى سكانها في طرق العيش، وفي المستوى المعيشي ذاته، كما هي الحال في القرى والبلدات الواقعة في الأرياف، قبل أن تمتد إليها يد «الحضارة» وتشوّه معالمها البسيطة والوادعة.
هذه البساطة نفسها يمكن اعتبارها صفة من صفات أعمال عبدالله. ليس في المشهد الطبيعي لديه ما يشير إلى تعقيد مفتعل أو مقصود، بل إن بعض الأعمال صيغت على نسق عفوي و «طفولي»، لكنها لا تفتقد إلى المعرفة بقواعد اللون، وبأصول التعاطي معه من زاوية أقرب إلى التناغم منها إلى التعاكس. إذ لم نرَ، في ما شاهدناه من أعمال، تناقضات لونية حادة أو ألواناً صارخة، كما لم نشهد، في الوقت نفسه، مقاربات تأليفية حادة أيضاً، إذ ينزع الصانع إلى تأكيد الوداعة المنسية، المذكورة آنفاً، كما لا تخلو بعض اللوحات من «هفوات» في حيّز التأليف، تبدو وكأنها على انسجام مع النسق العفوي الذي سار عليه.
على أن هذا الأمر لا يقع في العين مباشرة، بل يختفي وراء الانطباع الأولي، وربما النهائي، الصادر عن الأعمال المعروضة، الذي يفيد أن حسن عبدالله تعامل بصدق مع ما صنعه، وحاول أن ينقل إلينا ذاك البعد الشعوري، وتلك الباقة من الذكريات التي دفعته إلى إقامة معرضه التشكيلي الأول، ولا شك لدينا في أنه أفلح في هذه المهمة.
(]) يستمر المعرض إلى 26 تشرين الثاني في «دار الندوة « ـ الحمرا، خلف البيكاديلي.
تعليقات: