مياه الحاصباني وقد أضحت سوداء
الحاصباني:
اسودّت مياه الحاصباني من جديد. وقد بات هذا اللون مألوفا في مثل هذه الفترة من كل عام، فزيبار الزيتون المتسرب من عشرات المعاصر باتجاه مجرى النهر لم يوجد حل له بعد. بحيث وصل إلى أعلى مستويات النهر، وتحوّلت مياهه الصافية الى ملوثة، وبنسبة كبيرة، بالميكروبات والأوبئة، مع انتشار واسع للروائح الكريهة على طول المجرى ولمسافة زادت على الثلاثة كيلومترات. الأمر الذي أدى إلى نفوق الثروة السمكية بشكل خاص والقضاء على الحياة المائية بشكل عام. هذا كلّه، في ظل فشل كل المحاولات التي قامت بها بعض الجهات المعنية لحماية هذا النهر، بما فيها إنشاء محطات للتكرير وبرك لتجميع المياه الآسنة وبقايا عصر الزيتون.
مشكلة تلوث نهر الحاصباني الموسمية تبدو بعيدة عن الحلّ، وإن كانت سلسلة المشاريع المتعددة التي نفذتها البلديات، بالتعاون مع جمعية الشبان المسيحية ومؤسسة ميرسي كور ووزارة البيئة، التي حدّت منها نوعاً ما. إلا أنها لم تتغلب عليها، ومع بداية موسم الزيتون من كل عام تتفاقم المشكلة بتسرب كميات كبيرة من مياه زيبار الزيتون الى مجرى النهر انطلاقاً من أكثر من 34 معصرة، لتضاف الى كميات أخرى من الصرف الصحي تصبّ بدورها في المجرى عبر مجارير أكثر من عشرين قرية.
على طول مجرى النهر ابتداءً من اعلى النبع شمالا وحتى خراج بلدة الماري جنوبا، تبدو بشكل واضح جداول يتجاوز عددها الخمسة عشر، تصب حممها السوداء من زيبار زيتون وصرف صحي ونفايات منزلية بكميات كبيرة، وذلك انطلاقا من محيط ميمس ومرج الزهور وصولاً الى الهبارية والماري، مروراً بكوكبا، حاصبيا، الخلوات، الكفير وعين قنيا. هذه الجداول الموبوءة تنشط خلال شهري تشرين الثاني وكانون الأول، وهي من الغزارة بحيث تلوث روافد النهر ومجراه بشكل كامل وعلى مدى حوالى شهرين، تكون كافية للقضاء على الحياة المائية وتهدد البيئة والسلامة العامة. علماً أن ضفاف النهر تحضن عشرات المنازل السكنية والمشاريع السياحية، إضافة الى العديد من المعامل والمصانع، ناهيك عن البساتين والسهول والحقول الزراعية المروية.
قائمقام حاصبيا وليد الغفير اشار الى ان اجتماعاً كان قد عقد في مكتبه حضره رئيس البلدية وأصحاب المعاصر، خصص لبحث مشكلة زيبار الزيتون التي تلوث الحاصباني، وتم الاتفاق على ان تتولى كل معصرة عملية حصر الزيبار عبر حفر خاصة، او نقلها الى اماكن تجميع بعيدة عن المجرى، و»وجهنا تحذيراً باتخاذ كل التدابير المشددة بحق المخالفين، على ان تتابع عملية التنفيذ البلدية».
رئيس بلدية حاصبيا كامل أبو غيدا ذكر أن هذه المشكلة مزمنة، بحيث فشلت حتى الآن كل المحاولات مع العديد من المؤسسات المانحة، وما نفّذ من مشاريع خاصة كمحطات للتكرير لم تف بالحاجة المطلوبة فـ»رفع التلوث يلزمه جهد أكبر، وهناك وعد تلقيناه من مجلس الأنماء والإعمار بتنفيذ مشروع كامل متكامل لحماية الحاصباني من كل تلوث، لكن المباشرة به يلزمها حسب آخر المراجعات وصول التمويل من الدول المانحة». وأضاف «كنا قد توجهنا بكتاب لمجلس الإنماء والإعمار لمساعدتنا بإقامة مشروع لرفع ضرر زيبار الزيتون عن منطقة الحاصباني، إذ تبين بان كمية الزيبار التي تصل الى النهر سنويا تقدر بحوالى 8000 متر مكعب قابل للزيادة، وأضرارها تطال جميع البساتين الواقعة على جانبي النهر، كذلك لها مفاعيل سلبية على العمال الزراعيين والمواطنين القاطنين في حوض الحاصباني، إضافة الى ضرر فادح على المنتجعات السياحية التي يزورها سنوياً حوالى 250 ألف زائر. كما وجهنا كتابا آخرا لمنظمة اليونيسف، طلبنا عبره إقامة خط رئيسي للصرف الصحي في حاصبيا من موقع البصيص حتى محطة التكرير». وأنهى بالقول إن تلوث الحاصباني كان ولا يزال من سلم اولويات البلدية و»كل ما تمكنا من إنجازه التخفيف قليلاً من التلوث ،لأن هذا الموضوع يلزمه حلول جذرية تفوق طاقة وقدرة بلدية حاصبيا وكل بلديات القضاء مجتمعة(.
الناشط البيئي الدكتور امين شميس الحمرا، أسف لعدم وجود معالجات جدية لهذه الكارثة البيئية التي تتكرر عاماً بعد عام، دون أن تتمكن الجهات المسؤولة رغم وعودها من معالجتها، وإن كانت عاجزة كما يتضح، فعليها التنحي وترك هذه المعالجات لأهلها. شميس اضاف أن «هناك حاجة بالفعل لحماية نهر الحاصباني، وهذه الحالة من الإهمال الواضحة تدفعنا للتفكير أن هناك تواطؤاً ما بين بعض المسؤولين والملوثين، وإننا بالمناسبة نناشد وزارة البيئة إذا لم تكن لها القدرة على الفعل المباشر من خلال إقامة المشاريع البيئية، ففي الحد الأدنى عليها ان تتدخل مع النيابة العامة لفرض القانون ومعاقبة المسؤولين عن هذه الكارثة».
مختار حاصبيا امين زويهد رد ما يحصل من تلوث سنوي للحاصباني الى إهمال الجهات المعنية في ملاحقة المتسببين بهذا الضرر البيئي، وخاصة أصحاب المعاصر حيث القوانين تلزمهم بتجميع زيبار الزيتون في برك تحد من وصولها الى مجرى النهر، كذلك كان هناك خلل في كافة محطات التكرير التي نفذت في حوض النهر التي لم تكن سوى منفعة شخصية للبعض، الذي تجاهل المنفعة العامة في رفع التلوث عن هذا النهر الذي تعتاش منه مئات العائلات.
تعليقات: