كعكة أبو ربيع.. جزءٌ من الذاكرة وسرّها مخبأ منذ 50 عاماً

دوّن أبو ربيع سر الكعكة كي لا يندثر
دوّن أبو ربيع سر الكعكة كي لا يندثر


ضبطت ساعات سكان زحلة يومياً، على موعد لقاء مع كعكة تنسب في المدينة إلى أبو ربيع. رجل ستيني رافقه السكان في مراحل حياته منذ 50 سنة، فتبدل مظهره، وتغيرت كذلك عربته الخشبية القديمة.

لا ينسب إسم أبو ربيع إلى ابنه البكر يوسف، بل إلى كعكته التي حمل لقبها بعد عودته من هجرة قصيرة في ألمانيا، خولته إكتساب خبرة إضافية على مهنة كان والده علي فرحات قد أسسها، بعد انتقاله من الجنوب في بدايات القرن الماضي إلى زحلة، وأسس فرنه في مار الياس، أحد أحياء المدينة القديمة. لكن الأب قرر العودة إلى الجنوب، فباع الفرن إلى ابنه حسين الذي استطاع تطوير الكعكة وتحويلها جزءاً من ذاكرة زحلة، وركناً في حياة أهلها اليومية.

عامل أبو ربيع كعكته بإتقان، جاعلاً السمسم الذي يلمع عليها عنواناً لجودة المواد المستخدمة. رغم سنه المتقدم نسبياً (66 سنة) لايزال يعمل لمدة 16 ساعة في اليوم. يبدأ نهاره عند الخامسة فجراً، بالعجن اليدوي الذي يعطي الكعكة حجمها وشكلها المتناسق، ثم يخبزها بنفسه أيضاً، ويضعها فوق العربة متوجّهاً إلى بولفار زحلة. باختصار، هو "سولو" مهنته التي لا يستعين فيها سوى بعامل واحد يساعده في مراحل الخبز والبيع أحياناً.

يعلم أبو ربيع، بعد سنوات الخبرة الطويلة، حجم التصريف الممكن في المدينة. لذلك، يحدد كمية الكعك يومياً، بما يتناسب مع الطلب. في أقل من 4 ساعات يُصرف 200 كعكة، ولا يزيد كمية الإنتاج إلا في فترات الصوم عند الطوائف المسيحية.

لا يكشف أبو ربيع سر خلطته لأحد. باع الوصفة مرة، كما يقول، لمغترب في كندا، بعدما وقّع على تعهد عند كاتب بالعدل بأن لا يستخدمها سوى في كندا. عاد المغترب بعد فترة ليخبر أبو ربيع عن نجاح فرنه الذي يبيع الكعكة بخمسة دولارات، مؤكداً حفاظه على سرها المخبأ في بيت النار الحجري، الباقي على حاله رغم ورش تجديد الفرن وتوسيعه.

لم يتأثر أبو ربيع بالإنتاج المشابه في مؤسسات ضخمة أخرى، بل تمسك بالقيمة المضافة لكعكته، ورفع سعرها كي لا يبخل في موادها الأولية، وبقي الإقبال على حاله وربما أفضل مما كان.

أمنت كعكة أبو ربيع معيشة عائلته، وعلّمت أولاده الأربعة "أفضل تعليم"، كما يقول. فلم يعد بين هؤلاء من يرغب بأن يتولي المهمة عن والده. ما لا يرضيه كثيراً. لكنه قرر أن يدوّن وصفته كي لا تندثر، على أن يكشفها لولده يوسف في الوقت المناسب أو يبيعها عندما يتعب، "لكن لمن يقدّر فعلاً قيمتها".

* عن المدن



تعليقات: