شبان قاطعين الطريق على الإحتفال بذكرىأسر يحيى سكاف في المنية
• آخر المظاهر المسلّحة حراسة لصورة رفيق الحريري
دخلت المنية في السجال والتوتّر السياسيّين، وهي المدينة المنسيّة تاريخياً من نعمة السلطة والخدمات المرافقة لها. وما لبث التوتّر أن انقلب حوادث أمنيّة، وسط تقاذف التُّهم بالتسلّح بين المعارضة والموالاة
بينما يكثر الحديث عند المعارضة عن تراجع شعبية تيار المستقبل في الشمال، يكثر بالوتيرة ذاتها الحديث عن التسلّح والتسليح ورواج الشركات الأمنية الخاصة. ولعل أكثر المناطق وضوحاً في ذلك بلدة المنية، التي تشهد سجالاً سياسياً حاداً منذ فترة بين المعارضة والموالاة تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، سواء لجهة اللغط بشأن ما يقال عن انشقاقات داخل الموالاة، وتحديداً داخل تيار المستقبل الأكثر نفوذاً في البلدة، أو ما يحكى عن توزيع للسلاح بالجملة، كل جماعة على أنصارها، من المسدسات إلى البنادق الحربية، حتى أن بعض المتلقّين للسلاح يحاول التحري عن عدد البنادق التي تلقّاها زميله، حسب ما يقول أحد المتابعين في البلدة.
ولا يتورّع الكثيرون عن ذكر عدد الأشخاص الذين يتدربون مع هذه الجهة أو تلك المنافسة لها، محددين زمان التدريب ومكانه. فالناس هنا منقسمون، إمّا مع التيار وإمّا مع المعارضة، ومن تراجع عن تأييد التيار، إمّا أنه تراجع نحو الحياد بعدما أتعبه الواقع المرير وإما توجّه إلى قوى المعارضة كحال زكي وهبة، عضو نادي الأنصار في الشمال، بعد تركه العمل مع التيار والتوجه للعمل مع «المركز الوطني الاجتماعي» في المنية بقيادة كمال الخير، على خلفية «تقصير التيار في خدمة أنصاره»، حسب ما يقول.
في الطريق إلى مقابلة إحدى الشخصيات في البلدة، نلتقي أحد الشيوخ (الذي نمتنع عن ذكر اسمه)، فيشير إلينا بدخول سيارته حيث يمكن مشاهدة بندقية كلاشنكوف محصورة بين المقعدين داخل السيارة. وقبل أن نسأله، انطلق بسيارته قائلاً: «يبدو أنه تأخر. أنا لا أمشي دون مرافق. لا تستغرب وجود السلاح في سيارتي، فأنا تعرّضت مراراً للتهديد».
عَبَر أحد أزقة البلدة مسرعاً جداً وهو يقول: «هذا الحي ليس لنا». فبادرته سائلاً: «لمَ لا تخبر الأجهزة الأمنية بما تعرّضت له؟ لعلّها تستطيع حمايتك». أجاب: «لعلّ عدم إخبارها بذلك أفضل»، ومرفقاً كلامه بابتسامة باردة.
نقف مع دليل من البلدة على مدخل منزل الشيخ مصطفى ملص، ننتظر الإذن بالدخول، فيتلقّانا ثلاثة شبان بلباس مدني، ويعلّق دليلنا: «مساكين هؤلاء الشباب، فهم بعد فتية». ويضيف: «مرافقو الشيخ، ويؤمّنون له الحماية»، وأخذ بيدي ليشير إلى آثار إطلاق النار على جدار منزل الشيخ.
أثناء مقابلتي لأحد المعنيين بالوضع السياسي والأمني في البلدة، ممّن كان مؤيداً للتيار، يستفيض وهو يحدثني عن توافر السلاح والتوزيع ومراكز التدريب، ويكشف عن خصره ليرينا مسدساً لا يفارقه، ويزيد قائلاً: «عندي في بيتي بندقيتان حربيتان، وبلا ترخيص. كان السوريون هنا والمسدس لم يفارق خصري. وأنا كنت أول مدني قاتل في صفوف الجيش في معركة نهر البارد».
من جهته، يتحدث الشيخ ملص عن تسلّح قوى الموالاة: «نلاحظ وجود سيارات مسلّحة، ومن آخر المظاهر المسلحة قيام مجموعة منهم بحراسة صورة الشهيد الحريري التي نُصبت على مدخل المدينة، ربما خوفاً من إقدام أحد على تمزيقها».
ورداً على سؤال عما إذا كانت هذه المظاهر المسلّحة موجودة في أكثر من منطقة، يقاطع ملص جليسه من تجمع علماء المسلمين قائلاً: «أنا رأيت بعيني، وفي أكثر من منطقة، حواجز لشباب مدنيين نصبوها في أماكن عدة من البلدة». ثم يستدرك: «هذا كان خلال أحداث البارد».
ويستأنف ملص: «هؤلاء يمارسون نوعاً من الأمن الذاتي، وقد كان أول عمل عنفي مسلّح لهم في 11/9/2006 حين حاولت مجموعة من المسلحين اقتحام المسجد الذي أخطب فيه لمنعي من الخطابة». ويضيف: «لقد فقد هؤلاء أعصابهم بعد تراجع شعبيتهم، وراحوا يمارسون التهديد والعنف».
أما زكي وهبة فلا يخفي تقديره للشهيد الحريري، ويقول: «التيار لا يحب العمل إلاّ تحت القانون. حاولت أن أحصل على رخصة سلاح بواسطة التيار أيام الرئيس الشهيد ولم أفلح، رغم الخدمات التي قدمتها للتيار في المنية وبحنين». لكنه لا يلبث أن يسرد الأسباب التي دفعته لتغيير ولائه للتيار: «من اليوم الثاني لاندلاع الحرب في البارد، طلب مني التيار في طرابلس أن أقدّم طلبات لمن يرغبون في الالتحاق بالشركة الأمنية، وقد كتبت عدداً من الأسماء على عجل، ثم طُلب مني أن أزيد عدد الطلبات، حتى تقدمت بطلبات لـ21 فرداً، إلاّ أن المسؤولين في طرابلس تلكّأوا في توظيف هؤلاء، ثم أبلغوني بأنهم نقلوا الملف إلى مكتب التيار في المنية». ويتابع: «قبل رمضان بشهر تقريباً، وعدني المسؤول في تيار المستقبل في طرابلس ن. ع. بتحديد موعد لي لمقابلة كل من س. و ق. من أفواج طرابلس، لكنه لم يحدد الموعد، فذهبت من تلقائي لمقابلة الرجلين، وقد جلست معهما أكثر من مرة، على أمل التنسيق بيننا، لكن ما أغاظني في ما بعد أنه تبيّن لي أن 70 فرداً من المنية كان كل منهم يتقاضى 100 دولار شهرياً على اعتبار أنهم أنصار لتلك الشركات الأمنية».
لكن في مقابل ما يحكى عن التيار، فإن مصدراً مطّلعاً في المنية أكد لـ«الأخبار» أن هناك «ما يزيد على 150 عنصراً متفرّغاً لدى جماعة كمال الخير المعارضة. وكما أن عند الموالاة سلاحاً ومراكز تدريب تحت شعار «شركة أمنية خاصة»، فإن المعارضة تتسلح ولديها مراكز تدريب تحت غطاء «سرايا المقاومة».
شركات وأفواج
يقول زكي وهبة الذي كان ينشط ضمن إطار «المستقبل» إنه شاهد: «ملفاً يحوي أسماء 350 شخصاً في المنية قدّمها منسّق المنية في تيار المستقبل للجهات المعنية بالتوظيف في شركات الأمن، ويتوزعون ما بين لابس (البزة النظامية) براتب شهري يبلغ 625 ألف ليرة، وما بين تابع لـ«أفواج طرابلس» بمبلغ 100 دولار، على أن يتقاضى رئيس كل مجموعة مبلغ 300 دولار شهرياً». وتفيد مصادر مستقلّة بأن كل المعلومات المتوافرة تربط ما بين مجموعات الأفواج وشركات الأمن الخاصة في طرابلس والضنية والمنية. وفي جلسة مع وجهاء أبي سمرا، حاول منسّق المستقبل تأكيد براءة التيار من أية علاقة بأية مجموعة، قائلاً: «يحاولون إلصاق المجموعات بنا كما حاولوا توريطنا في فتح الإسلام».
تعليقات: