طرابلس-
تصاعد الجدل حول القرار الذي اتخذته السلطات الرسمية بإقفال عدد من المحلات التجارية التابعة لرجال أعمال سوريين في طرابلس، بذريعة عدم استيفائهم شروط العمل القانونية، وبسبب اشتداد منافستهم للتجار اللبنانيين، مما ألحق ضرراً بالعمل التجاري اللبناني عامة، والطرابلسي بصورة خاصة.
ليس من قوانين في العالم تمنع أحداً من ممارسة العمل وفق قوانين البلد، لكن ما جرى في طرابلس ان الأعمال التابعة لتجار سوريين أفلتت من عقالها، ومن دون ضوابط، فألحقت الضرر بالعمل المحلي. والسبب الرئيس هو اختلاف الظروف الحياتية، والفوارق في متطلباتها، بين اللبناني والسوري لناحية تكاليف الحياة، والإيجارات، والضرائب، والأقساط المدرسية وسواها الكثير، لكن كلها تختلف بين اللبناني والسوري.
الاختلاف أتاح للسوري قدرة واسعة على المنافسة، فحلّ محل اللبناني، تزايدت أرباح الأول مكتفياً بما تيّسر، وأصابت البطالة والكساد الثاني ولم يعد يقوى على التحمل، فتصاعدت الأصوات المنادية بضبط الأمور.
وزير العمل محمد كبارة على تماس مباشر مع شارعه الطرابلسي، ويدرك حجم التأثير على مواطنيه. فاتخذ خطوات سريعة من شأنها البدء بحماية التاجر اللبناني، وبنتيجة موقفه اتخذ محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا قراراً بإقفال عدد من المحلات المخالفة، على أن يستكملها بخطوات لاحقة.
لكن صرخة "تعاطفية" تصاعدت مع السوريين استكمالا للتعاطف معهم في محنتهم، فأدخلت المدينة في دوامة من الجدل.
"النهار" جالت في الأسواق، للوقوف على الوقائع، فوصف رئيس جمعية تجار طرابلس فواز الحلوة القرار بـ"المتأخر كثيراً، وكان يجب أن يتخذ من البداية"، لأن "هناك من يعمل منذ سنوات من دون ترخيص، أو استيفاء الشروط القانونية".
وقال إن تزايدا كبيرا في أعداد السوريين أثر كثيراً على أهم وأعرق المحلات التجارية في المدينة، حيث يقال مثلا عن عمل ما لا يقل عن ثلاثين محلا للحلويات"، مع العلم أن طرابلس تشتهر بصناعة الحلويات، وتمتاز بخاصية فيها.
وذكر أن هذه المضاربة أدت إلى أن "يتراجع عمل محلات اللبنانيين، فيتعرض التجار، وعمالهم للخسائر، والبطالة، بينما تتوجب عليهم مستحقات حياتية كثيرة".
وقال: "هذا يعني أن السوري يأكل من لقمة عيش اللبناني، والمضاربة غير القانونية لا يقبلها أي بلد في العالم. ورغم قساوة الحالة، وتصاعد الصوت، لم يعر أحد القضية أي اهتمام"، لافتاً إلى "ما يناله السوري من مساعدات عالمية على صعد مختلفة"، بينما وصل الوضع بالتجارة اللبنانية إلى أكثر من الانهيار، وباتت الأسواق فارغة من العمل، وما إن تحل الساعة الواحدة حتى تفرغ الأسواق من المارة والزبائن".
ولفت إلى أن أكثر المتضررين هم العمال والتجار اللبنانيون،" فالعامل السوري مستعد أن يعمل بربع إيجار العامل اللبناني، مما يؤدي إلى تشرده، ومن غير الجائز أن تقطع رزقة أحد لصالح أحد آخر".
وطالب بإقفال المحلات لوقف المضاربة السورية، معتبراً أن ليس في ذلك أي روح عنصرية تجاه السوري، فبنظره، "مليارات الدولارات تدفع من مختلف دول العالم لمساعدة السوري، لكنه يهدد اللبناني في معيشته، وعلى صعيد السكن، لم يعد للبناني مكان ليستأجره من ضمن الامكانات المتوافرة له، فالمضاربة طاولت السكن أيضاً، لأن التغطية المالية الدولية مؤمنة لسكن السوري، فارتفعت الإيجارات، والمؤجر يخاف من المستأجر اللبناني لأنه لا يتمكن من الدفع".
أحمد الحريري يدير مؤسسة ياسر الحريري التي تتعاطى الأقمشة والبياضات المنزلية، أفاد أنه "ضد منع أي أحد من العمل، فالمضاربة ستحصل إن كانت من سوري أم من لبناني"، كما قال.
واستدرك قائلا إن السوري "لا يدفع الضريبة التي يدفعها اللبناني، مما يعزز قدرته التنافسية، وهذا يعني أن المطلوب تنظيم وضعه القانوني، وإخضاعه للقانون على غرار اللبناني". وأضاف: "لا أوافق على منع السوري من العمل، لكن شرط تلبيته الشروط القانونية... أنا أدفع الضرائب، والكهرباء، والإيجارات، وال"تي في آ"، بينما هو لا تطلب منه كل هذه الأمور، يؤدي ذلك إلى توسيع قدرته التنافسية، ويكتفي بهامش من الربح لا يكفيني كتاجر لبناني نظرا لارتفاع متطلبات الحياة اللبنانية".
في شارع المكتبات، نشأ مع مرور الزمن سوق كبير لبيع الثياب المستعملة. التاجر م.م. اشتكى من المقاهي الممتلئة بالشباب العاطل عن العمل، فقد "أخذ السوري كل الفرص لأنه يكتفي بإيجار ضئيل"، كما قال، مضيفاً: "تجارتنا دخل عليها السوري، معيشتهم رخيصة، ويسكن منهم خمس عائلات في منزل واحد، وتصلهم مساعدات من كل الأصناف، ما مكن السوري من العمل بأي أجرة ممكنة، فحلّ مكان اللبناني، وتراجعت القدرة الشرائية للمواطن، فباتت أعمالنا حاليا بالأرض".
ورأى أن "قرار توقيفهم عن العمل صحيح، وإذا كان لا بد من السماح لهم بالعمل، فيجب أن يعملوا لدى التاجر اللبناني، وليس كتجار يضاربون على عملنا، ويفقدوننا مداخيلنا".
نور الدين موسى، صاحب محل للمعجنات بجوار محلات أبو عرب التي طالها الاقفال، قال: "نحن ضد منع أي أحد من العمل، وقطع رزقه، لكن المطلوب أن يعمل الجميع ضمن قانون واحد، والرزق على الله".
وأضاف: "المدينة وضعها سيء، والسبب هم، مع اننا نتعاطف معهم في مأساتهم. اللبناني لم يعد يجد عملا، ومداخيله شحت، بينما هم يحصلون على مختلف المساعدات... نحن مع أن يعملوا، لكن ما نتج عن طريقة عملهم، أوصلتنا إلى حالات شديدة الصعوبة".
أحد التجار السوريين الذي طال الاقفال محله اعترف بالمشكلة، وقال: "اتخذنا قراراً بالاقفال قبل صدور قرار السلطات اللبنانية، لكننا نسعى لتأمين الشروط القانونية للعمل قبل العودة لفتح محلاتنا".
تعليقات: