ماذا عسانا نقول في هذه العجالة عن سلوى روضة شقير؟ فنانة أخرى كبيرة في قامتها الفنية تخسرها الساحة التشكيلية اللبنانية والعربية والعالمية. تكرّ السبحة، ولأنّ هؤلاء الكبار على موعد مع الاستراحة الأخيرة حيث السكينة والسكون، وحيث مولد الأمانة التي أودعها الخالق في قلوب هؤلاء... سلوى روضة شقير، الفنانة التشكيلية (النحاتة والرسامة) التي أعطتنا من الجمال (الاستيتيكي) والحس والمعرفة والجرأة ما لم يعطه آخرون.
قلائل هم النحاتون في بلدنا، بل نادرون، ولا سيما الكبار منهم، الذين جسدتهم في تجربتها. وحدها كنحاتة تعاملت مع الحجر بأسلوب خاص عصري اختزل تجارب عالمية عدة من فناني الحداثة وما بعدها. عملها، أيقونة الروح التي سكنت حجارتها وتأليفاتها المنوّعة المبنية بدوال العصر ولغته. كتب الكثير عنها، وسيكتب الأكثر، لكن الجميع متفق على فرادتها لأنّها نحاتة بزّت كباراً في مجالها، كمعاصرة تلعب بحكايا الحلم فتحوّله إلى واقع مأنوس، محسوس، يعطي معنى لحياتنا الحبلى قلقاً وهموماً. جاءتنا سلوى من هذا الحلم ــ الحقيقة ــ لتنفض عنا غبار التعب ولتخبرنا أنّ الفنّ مجسّداً بالنحت، هو حاجة وضرورة، بل قل لزوماً لوجودنا الإنساني والفلسفي والروحي.
عماراتها النحتية (المستقبلية) حملت أيضاً صفة ما بعد الحداثة بكل تجلياتها التي حاكت الخصائص المعمارية التقليدية القديمة، والأساطير الأولى لوجودنا، وسكننا وعيشنا، فنحسّ معها بأننا أطفال نلعب مع فتحات جدران الأرض.
لم تقتصر تجربتها على الحجر، بل تعدته إلى مواد أنتجتها تكنولوجيا هذا العصر (بلاستيك، نايلون، ألمنيوم، حديد، فولا، خشب، بولياستر، إلى آخر القائمة). حاكت برانكوزي، وأعمال أستاذها فرنان ليجيه، وعطاءات الحضارات الغابرة، وفناني المينيمال وفن الأرض، وأعمالاً مفهومية ما بعد حداثية بامتياز.
اهتمت بالفلسفة التي درستها في الجامعة الأميركية، فظهر هذا الشيء في كل أعمالها التي صبغتها التجريدية، فوجدت فيها توازنها... لم يقتصر عملها على النحت، بل اهتمت بالحفر والفريسك، والسجاد، والحلي، قبل أن تستقرّ على الحجر وأخواته. منحوتاتها تضيء الأمكنة المعتمة... والمضيئة.
تفاجئنا سلوى روضة شقير دائماً بأعمالها... كما فاجأتنا برحيلها...
رحلت حارسة الأمانة...
* أ. د. يوسف غزاويرئيس قسم الفنون التشكيلية في الجامعة اللبنانية
تعليقات: