العليّق من نقمة على المزارعين الى نعمة


لم يكن أحد يعتقد أن تُصبح ثمار شوك "العليّق" البرّي يوماً موضع إهتمام الكبار بعد إهتمام الصغار بها لسنوات عديدة في لهوهم وسط الحقول والأحراج. وربّما كون هذه الثمار بريّة صُرفت الأنظار عنها، فأُغفل نوع قديم - جديد من الفاكهة يُمكن تسويقه في ظلِّ الأوضاع الإقتصادية المُتردية التي يعيشها المزارعون في القرى الجبلية. واللافت أنّ هذه الثمار لقيت الإقبال والتشجيع من المُتسوّقين وقد توسّطت واجهات محلات الفاكهة والخضر بعد إهتمام المُزارعين بتسويقها عند ارتيادهم الحقول، وتحمّل عناء قطافها رغم الأشواك الكثيرة التي غالباً ما تجعل الوصول إليها صعباً. فبات للعليّق البري سعر بدأ بخمسة آلاف ليرة للكيلو الواحد، ليصل أحياناً إلى المستهلك بسعر يتراوح بين 8 و10 آلاف ليرة، وطبعاً من دون أن يتكبّد المواطنون والمزارعون تكاليف الانتاج من حراثة ورشّ مبيدات وأسمدة وريّ، فالعليّق ينبت في أراض مشاعية والحصول على ثماره بات متاحاً للجميع إلاّ إذا أخذنا في الإعتبار الأشواك المحيطة به، علماً أنّ ثماره أصغر حجماً من ثمار التوت، وتعتبر "اطيب" منه مذاقاً.

لم يكن أحد ليُعير هذه الثمار اهتماماً، بالرغم من أن بعض الدول الأوروبية يعمد إلى زراعة نوع من ثمار العليّق "المخلّق" بطرق علمية جعلت ثماره أكبر حجماً وأغصانه بلا أشواك. وثمّة عدد كبير من المزارعين استقدم أغراساً منه من الخارج، لكن الاقبال على العليّق البري يظل أكبر لمذاقه السكرّي الحاد عندما تنضج الثمار لتصبح سوداء داكنة، أو يكون مائلاً إلى الحموضة عندما تكون ثماره حمراء في طور النضوج. حتى أن بعض دول الغرب يستفيد من العليّق البري ويصدره لنا كنوع من الفاكهة، وكثيراً ما نراه في عبوات صغيرة من الزجاج على رفوف المحال والسوبرماركت.

يتضايق المزارعون عادةً من العليّق لنموه السريع وإمتداد فروعه مسافات تطاول في مُعظم الأحيان بساتين التفاح والأشجار المثمرة والأراضي الزراعية المستصلحة بعدما تتحوّل جذوراً تستنبت فروعاً جديدة، فيصبح أكمّة يصعب الوصول إليها بسهولة. لذا يلجأ المزارعون إلى اجتثاثها بمناجل متصلة بعصي طويلة تتيح إمكان الوصول إليها واقتلاعها. لكن عناء المزارعين مع العليّق دفع بشركات الأدوية الزراعية الى تسويق أنواع كثيرة من الأدوية لحرق هذا الثمار من دون عناء، بالرغم من أن هذه الأدوية كانت تؤثر على الانتاج الزراعي.

في عامي 2002 و2003 عمد بعض المواطنين إلى بيع ثمار العليّق إلى المصطافين، كون هذه الثمرة تكون في ذروتها أيام الصيف. لم تكن أبواب الأسواق قد فُتحت أمام هذه الثمار، ولكن ربّما هذه الخطوة كانت القفزة الأولى في إتجاه فتح المجال أمام تسويق هذه الفاكهة البرية على نطاق واسع، تعدّى أسواق الإصطياف والجماهير المُصطافة الى كل الأسواق اللبنانية. ولم يقتصر تسوّق العليّق على السائحين والمصطافين بل تعدّاه الى اللبنانيين الذين أقبلوا على شرائه، خصوصاً وأنّ كثيرين يعتبرون أنّ ثماره البرية هي نوعٌ من الغذاء الضروري المفيد للصحة، فضلاً عن أنها غير ملوّثة بالكيميائيات من أدوية أو أسمدة، حتى أن المواطنين في القرى الجبلية عادوا ليستخدموا جذوره وأغصانه في مجال الطب الشعبي.

ويُشير أحد مُزارعي منطقة المتن الأعلى أنه يعتني "بالعليّق منذ 15 عاماً ليس بسبب ثماره فحسب، وإنما لكون أزهار الثمار قبل النضوج تعتبر غذاء مهماً للنحل، والعسل الذي ينتج منه يعتبر من أجود أنواع العسل كمذاق وقيمة غذائية". ويقول: "ثمة من عاد إلى ثمار العليّق كمورد لتحصيل الرزق، خصوصاً أن المواسم الزراعية كالتفاح والفاكهة إلى تراجع عاماً بعد عام، في ظل إقبال الناس على هذه الثمار من دون عناء قطافها. وعدا ذلك، هناك مواطنون يستخدمون الأغصان الطريّة للعليّق مع بداية الربيع لمعالجة الرمل والحصى في الكلى، والكل يستطيبون "الزهورات" بجذور العليّق وأغصانه لمعالجة الرشح والنزلات الصدرية، وهي تعتبر علاجاً ناجعاً ومجرباً، وأرضنا ملائمة لنمو العليّق بسبب تربتها الرملية. وقد بدأ المزارعون في عدد من قرى المتن الأعلى الاستفادة من ثمار العليّق، وهم يعمدون إلى تشذيبها بدل حرقها بالأدوية، لتصبح بمثابة سياجات للجنائن والاستفادة من انتاجها".

ولهذه الثمار ذكريات لدى مزراع آخر إذ قال لـ"النهار": "كنا نبيع كبوش العليّق في المصايف وخصوصاً في بلدة فالوغا التي كان يؤمّها مصطافون من العراق وسوريا والكويت في الخمسينات من القرن الماضي". ولفت إلى أنه "لم نعد نعرف سبب عدم الاهتمام بهذه الثمار بعد هذه الفترة، وكل ما نعرفه أن ثمة عودة لاستثمار هذه الفاكهة البرية التي تلقى اهتماماً خلافاً لأنواع كثيرة من الفاكهة البرية كالزعرور والبرقوق والإجاص البري وغيرها".




تعليقات: