نداء استغاثة وجّهه اللبنانيون المقيمون في السويد والمهدّدون بالطرد عبر "النهار" الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد أن ضاقت بهم سبل الحل في بلد قصدوه لاحترامه حقوق الانسان فإذ به يعاملهم بأقل من المعايير الانسانية المعترف بها دوليا، وبعد ان باءت كل المحاولات الرسمية اللبنانية بالفشل لجهة منع السلطات السويدية من طرد عشرات العائلات اللبنانية المقيمة منذ نحو عشر سنوات بذريعة عدم أهليتها للحصول على الاقامة الدائمة في حين أن المعاملة لم تكن بالمثل مع مئات لا بل آلاف العائلات اللاجئة من دول اخرى والتي هاجرت حديثا ونالت بسرعة قياسية "شرعية الإقامة" دون عناء ولا تعب، في حين ان اللبنانيين يعملون ويدفعون الضرائب(يجيز القانون السويدي بالعمل لمن يقيم بصفة غير شرعية ضمن معايير خاصة) ويحترمون القوانين، ولم تُسجّل حتى اليوم أي حالة مخالفة للقانون من قبلهم.
فقد بدأت السلطات السويدية وتحديداً دائرة الهجرة منذ العام الماضي تضييق الخناق على اللبنانيين بشكل علني و"غير انساني" وصل مؤخراً الى حد طرد العديد من العائلات من منازلها ومداهمة الشرطة لها وتوقيفها في السجون وقيدها الى السفارة اللبنانية للتوقيع على اجراءات السفر بانتظار ان تُصدر لها السفارة اللبنانية جوازات سفر وترحيلها، فضلا عن سحب البطاقات الصحّية منها والهويات، في حين ان هناك العديد من الحالات المرضية التي تستدعي العلاج الدائم والمرافقة الطبية وهي تنتظر الفرج لأن وضعها الصحّي والنفسي بحال يُرثى لها، ومن استُرجعت منه بطاقة الهوية لا يملك حاليا اي اوراق ثبوتية، ما يعرّضه للسجن في حال توقيفه!
حال من الضياع والخوف تعيشها نحو مئة عائلة تنتظر المصير عينه وأملها الوحيد ان تتحرّك السلطات اللبنانية لردع السلطات السويدية عن قرارها، فلجوؤها الى هذا البلد المسالم كان بدافع التفتيش عن مستقبل آمن لأبنائها وليس انتقاصاً من وطنية يحملها اللبناني معه أينما هاجر... لكن رياح الأمن لم تتطابق مع أمنيات هذه العائلات التي فقد أبناؤها فرصة اكمال تحصيلهم العلمي اذ يمنع القانون السويدي من لم يحصل على الاقامة ان يتابع دراسته، فضلا عن بعض الحالات المرضية التي ورغم المراجعات المتكرّرة لدائرة الهجرة بطلبات استرحام نظرا لوضعها، فإن الآذان قد صُمّت والإنسانية في خبر كان...
طرق كل الأبواب
منسقّة لجنة متابعة القضية في السويد كارمن عبد الأحد ذكرت لـ"النهار" ان اللجنة طرقت كل الأبواب السويدية وحتى اللبنانية لحل هذه القضية التي باتت هاجس اللبنانيين وشغلهم الشاغل، مشيرة الى ان الوضع يتفاقم يومياً ويزداد سوءاً لجهة الاجراءات التي تقوم بها الشرطة السويدية وملاحقة اللبنانيين ما أصابهم جميعاً بحال نفسية سيئة واحباط كبير، وقالت "أناشد بإسم هذه العائلات فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان يتدخّل لمعالجة هذه القضية بأسرع وقت والا فالوضع كارثي، اذ تمّ طرد بعض العائلات وتوقيف البعض الآخر وملاحقتها، وهناك العديد من المرضى الذين يحتاجون للعلاج الدائم، وقد مُنعت عنهم هذه الخدمة بسبب سحب البطاقات الصحية".
"النهار" تواصلت مع بعض اللبنانيين المهدّدين بالطرد ورووا معاناتهم علّها تصل الى مسامع المسؤولين اللبنانيين فيتحرّكوا لإنقاذهم، لأن العودة الى لبنان في الوقت الراهن تعني خسارة سنوات من العمل وخسارة لمستقبل أبنائهم بعد ان قضوا نحو عشر سنوات آملين بالحصول على اقامة شرعية تفتح لهم أبواب المستقبل.
س. ا. مواطنة لبنانية في العقد الثالث من عمرها تعيش مرحلة ضياع مع عائلتها وتقف أمام مصير مجهول، لجأت الى السويد عام 2007 فرُحّلت الى اسبانيا ورزقت هناك بطفل، وعادت مجدّداً الى السويد. بحسرة ولوعة تروي لـ"لنهار" عن وضعها الصحي ووضعها النفسي قائلة:"لا يكفي ما نعانيه من أمراض ومشاكل فجاء قرار الدولة السويدية كوقع الصاعقة خصوصاً على عائلتي، فأنا أعاني من مرض السرطان في الثدي. عولجت منه منذ مدّة وشفيت، ولكنني صُدمت منذ فترة بإعلامي من قبل الطبيب ان المرض عاد واستباح جسدي مستوطناً كبدي، وليس أمامي وقت كاف لأرى ابني شاباً! مات والدي في لبنان ولم استطع رؤيته، وأخاف ألا أرى والدتي مجدّدا. السلطات السويدية ترفض منحي الإقامة وتهدّدني بالترحيل غير آبهة بوضعي ولا بحاجتي للعلاج. لا أعرف مصير عائلتي وأخاف على مستقبل ابني"...
حالة مرضية أخرى روتها والدة ر.ق. الذي يعاني متلازمة داون والصرع اضافة الى مشاكل في الغدّة الدرقية وهو بحاجة لعلاجات ومرافقة طبية مستمرة لأن درجة اعاقته تبلغ 85%، وبغصّة تقول: "بعد احد عشر عاما يريدون طردنا بعد أن سحبوا منا البطاقات الصحّية، فكيف نكمل علاج ولدي. أخذونا بالقوّة الى السفارة اللبنانية وأجبرونا على التوقيع على المعاملات بانتظار تسفيرنا الى لبنان. لذا اناشد رئيس الجمهورية مساعدتنا وانقاذنا، فلا قدرة لنا على علاج ابني في لبنان، ولا قدرة لنا على تحمّل المزيد من العذاب والضغوط".
واستغرب م.ع. طريقة تعاطي السلطات السويدية مع هذا الوضع متسائلا "لماذا لم يرفضوا استقبالنا منذ البداية، وانتظار عشرة أعوام لاتخاذ هذا القرار؟ لقد حلمنا بمستقبل آمن لأولادنا، وأسّسنا أعمالا لنا هنا، وكانت النتيجة ان ولديّ حُرما التعليم الجامعي منذ ثلاث سنوات بسبب هذا الوضع. وما زاد الطين بلّة انّهم لجأوا مؤخّرا الى القوّة بالتعامل معنا عبر توقيفنا ونقلنا الى السفارة اللبنانية للتوقيع".
وروى ن. ا. عن الوضع المأسوي الذي تعيشه هذه العائلات المهدّدة بالترحيل مشيراً الى انّ الشرطة أوقفت خاله وابنة خاله وسجنتهما عدّة ايام واقتادتهما الى السفارة اللبنانية عنوة، مشيراً الى ان اللبنانيين يحترمون القوانين السويدية وهم شعب مسالم ومثقّف ولا يستحقّون هذه المعاملة اللانسانية، وقال: "جلّ ما قمنا به هو التواصل مع بعض السلطات السويدية وتنظيم تظاهرات سلمية رفعنا خلالها شعارات تطالب بحقوقنا بعد عشر سنوات من الاقامة في هذا البلد".
مواطن لبناني آخر مضى على اقامته في السويد مع عائلته عشرة أعوام يطرح علامة استفهام حول مصير الأطفال الذين انخرطوا في المدارس وهم الذين كانوا سبب هجرة ذويهم، وقال: "يعاملوننا بقسوة ويقولون لنا عودوا الى لبنان، دولتكم تحميكم وتهتم بكم. نحن لدينا ملء الثقة بدولتنا ولكن سبب غربتنا هو التفتيش عن مستقبل لأولادنا الذين كبروا وتعلّموا هنا".
لا شكّ أن القضية تتفاقم يوما بعد يوم، وبعض اللبنانيين يحاول التهرّب من الوقوع في مصيدة الشرطة التي تركّز جهودها في ملاحقتهم تنفيذا لقرار دائرة الهجرة التي تعوّل على السفارة اللبنانية لإصدار جوازات سفر او "تصاريح مرور"تمهيدا لطردهم، وفي هذا الاطار علمت "النهار" ان السفارة اللبنانية في السويد متعاطفة مع قضية هؤلاء، الا انّ هذا الامر غير كاف، وعلى السلطات اللبنانية وخصوصا وزارة الخارجية اتّخاذ خطوات جدّية يلزم السلطات السويدية التراجع عن قرارها والتوقّف عن ملاحقة هذه العائلات ومعاملتها انسانيا أسوة بباقي اللاجئين من جنسيات مختلفة وصولا الى منحها الاقامة، عندها تتمكّن من العودة الى لبنان ولو بصورة غير دائمة....
تعليقات: