عصبة الأنصار" تسيطر على أحياء بكاملها في مخيم عين الحلوة.
بلوغها مرحلة النضج والبراغماتية يجعلها تتجاوب مع قرارات الجهات الأمنية الرسمية
تتوزع المخيمات الفلسطينية على مساحة كبيرة من لبنان: من الجنوب الى بيروت والجبل والشمال والبقاع، فضلاً عن انتشار فلسطيني كثيف داخل المدن والمناطق اللبنانية. واذا كانت المخيمات الفلسطينية بالامس مجرد تجمعات سكانية لنازحين ولاجئين ينتظرون عودتهم الى ارضهم وديارهم التي اغتصبتها اسرائيل بالقوة. الا انه ومنذ العام 1969، تغيرت صورة المخيمات التي تحولت مراكز تدريب عسكرية، وساحة تجمعات لقوى وفصائل وتنظيمات فلسطينية ارتبط معظمها بأنظمة عربية تتلقى منها تمويلها وتسليحها.
بدأ الفلسطينيون بتشكيل دولتهم المسلحة داخل الدولة اللبنانية، في وقت شرّعت فيه اتفاقية القاهرة ( 3/11/1969 ) العمل الفدائي، والوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، وسمحت باقامة معسكرات التدريب الفلسطينية داخل المخيمات، وحتى في الجنوب(العرقوب )، والبقاع، واعطت الفلسطينيين الحق في الاشراف على المخيمات الفلسطينية.
هذا الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان شكّل ومازال، ومنذ الستينات، موضوع خلاف بين اللبنانيين، واشكالية مستمرة، وعاملاً من عوامل عدم الاستقرار، وزعزعة الامن. ولم يكن السلاح الفلسطيني على مرّ الوقت موضع ترحيب من جميع اللبنانيين، بل تحول موضوعاً خلافياً أضيف الى سواه من مواضيع داخلية شائكة، وكان سبباً اساسياً لحرب عانى ظروفها اللبنانيون، ومازالوا لليوم يحصدون عواقبها الوخيمة.
واليوم، عاد موضوع السلاح الفلسطيني يحتل صدارة الاهتمامات الاعلامية والسياسية والامنية محلياً واقليمياً ودولياً، وشكل صدور القرار الدولي 1559، سبباً من اسباب العودة الى البحث جدياً في هذا الموضوع، كون هذا القرار الدولي نص صراحة على "نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية".
وازداد السلاح الفلسطيني خطورة هذه الايام، مع بروز منظمات وجماعات اصولية فلسطينية داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، تضم عناصر من جنسيات مختلفة، ومحاولات تمددها الى خارج المخيمات، واتهام بعضها باعمال امنية واغتيالات وتفجيرات طاولت مواطنين وشخصيات ومؤسسات ومرافق لبنانية، ورأت اوساط امنية لبنانية "ان هذه التنظيمات الظاهرة حديثاً ما هي الا بنادق للايجار، تعمل لحساب أنظمة واجهزة استخباراتية ، وجماعات اصولية وارهابية".
وشكل مخيم عين الحلوة الذي يقع بالقرب من صيدا، التجمع الاساسي لهذه الجماعات والتنظيمات، وهذا المخيم بات في مثابة الخريطة الامنية السياسية المتداخلة والمعقدة، تختلط فيه الافكار الثورية بأنواعها المتطرفة والمعتدلة كلها، الاصولية والعلمانية. ويطلق بعضهم على هذا المخيم لقب "عاصمة الشتات الفلسطيني"، بحيث ان مصير هذا الشتات يتقرر في شوارع هذا المخيم الذي بات ساحة صراعات، وساحة لحروب الاخرين.
اتفاق اوسلو: البداية
ورأت مصادر فلسطينية ان الصراعات العسكرية التي يشهدها المخيم من وقت الى آخر، بدأت منذ توقيع اتفاق اوسلو بين الفلسطينيين واسرائيل، حيث بدأ يومها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات محاولاته للسيطرة على هذا المخيم في اطار سعيه لامتلاك كل الاوراق السياسية والداخلية والخارجية لتوظيفها على طاولة المفاوضات. وكانت التداعيات التي نتجت من هذه الصراعات انشقاق داخل "فتح قاده العقيد الفلسطيني منير المقدح الذي رفض بنود اوسلو، واستطاع ارغام القيادة العرفاتية على الاعتراف بظاهرته كأمر واقع، وتم تخصيص موازنة مالية له ولجماعته وانصاره الذين سوف يعرفون فيما بعد بـ"ميليشيا فتح".
واعتبر مسؤول فلسطيني (رفض ذكر اسمه) ان خطة عرفات للسيطرة على القرارين السياسي والعسكري في مخيم عين الحلوة لاقت مواجهة كبيرة من الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً الاصولية منها التي بدأت تتنامى وتقوى بدعم من جهات محلية واقليمية، وهذا ما دفع بعرفات يومها الى ايجاد توازن رعب بدعمه الوجود الفتحاوي في مخيم الرشيدية، الذي يقوده امين سر منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، العميد سلطان ابو العينين.
فيما اعتبر الزميل ناصر شرارة "ان الاصوليين الاسلاميين الفلسطينيين استفادوا من الانشقاق البنيوي والعمودي الذي اصاب حركة "فتح" في مخيمات لبنان، خصوصا في مخيم عين الحلوة، فعمدوا لاستغلال هذا الشقاق الفتحاوي من اجل انشاء هامش واسع لوجودهم في المخيم، ومع الوقت ادت هذه التناقضات الى تركيز توازن رعب في عين الحلوة، وفر لجميع اطراف الطيف السياسي الفلسطيني امكاناً للوجود والعيش بداخله والاحتماء بدقة توازناته التي تمنع امتلاك اي طرف القدرة على الحسم العسكري".
عصبة الانصار
وجدت التيارات الاصولية الفلسطينية الارض الخصبة لانطلاقتها في مخيم عين الحلوة، وتجلت في بروز اسم تنظيم "عصبة الانصار الاسلامية" الذي اسسه الفلسطيني هشام الشريدي عام 1985. وكان الشريدي من كوادر "فتح"، ومن المسؤولين عن مجموعات فلسطينية شاركت في معارك شرق صيدا ضد "القوات اللبنانية" عام 1985.
في 15/12/1991 اغتيل الشريدي داخل المخيم، واتُهمت حركة فتح باغتياله. بعد اغتياله تولى احمد عبد الكريم السعدي الملقب بـ "ابو محجن"، مسؤولية تنظيم "عصبة الانصار"، وصار يعرف بلقب "امير العصبة" ، ولكن سرعان ما توارى الامير "ابو محجن" عن الانظار، بعد اتهامه باغتيال رئيس "جمعية المشاريع الخيرية" (الاحباش) في بيروت الشيخ نزار الحلبي صيف 1995، ومازال ابو محجن لليوم يدير هذا التنظيم من مخبأ سري، وعندما تسأل مسؤولين في العصبة عن مكان وجود "اميرهم" يرددون "انه في بلاد الله الواسعة" .
الا ان اختفاء "ابو محجن" في "بلاد الله الواسعة"، لم يمنع من ازدياد قوة تنظيم "عصبة الانصار" وتوسع نفوذه داخل مخيم عين الحلوة وسط نسيج شعبي وامني وعسكري وسياسي متنوع، فصارت له مساجده، وزواياه، وشوارعه ومراكز تدريبه، خضعت له احياء بأكملها داخل المخيم، كحي الصفصاف الذي بات كالامارة الاسلامية المصغرة، وحي الطوارىء... واستطاع هذا التنظيم المتأثر بأدبيات تنظيم "التكفير والهجرة" الذي نشأ في مصر على ايدي مجموعة من المبشرين والدعاة، وابرزهم الدكتور ايمن الظواهري (الذي يعد من ابرز مسؤولي تنظيم "القاعدة" حالياً) من تعميم مبدأ "الفقه التكفيري" داخل مخيم عين الحلوة، والذي أدّى الى مزيد من التصفيات والاعتقال والاغتيال "لأعداء الاسلام".
انشقاقات وتصفيات
ولم تسلم "عصبة الانصار" من الانشقاقات التي عصفت بمعظم التنظيمات، ليخرج منها عبدالله الشريدي (نجل مؤسس العصبة هشام الشريدي) ويؤسس "جماعة النور" بالتعاون مع الشيخ اسامة الشهابي، وعماد ياسين. خاضت "عصبة النور" معارك ضارية مع حركة "فتح"، وكانت "عصبة الانصار" تؤازر الشريدي وتتعاطف معه رغم انشقاقه عنها، كونه "كالابن الضال الذي لا بد ان يعود الى منزله الابوي". الا ان مصير عبدالله الشريدي لم يكن افضل من مصير والده، فقضى هو الآخر اغتيالاُ في ايار 2003، وكانت الاتهامات حول اغتياله ايضاً موجهة الى حركة "فتح".
والى جانب الاصوليين الفلسطينيين في عين الحلوة، تدثرت مجموعة من الاصوليين اللبنانيين الذين يُعرفون بـ "جماعة الضنية" بغطاء العصبة، وهم ممن لجأوا الى المخيم بسبب مشاركتهم في المواجهات العسكرية التي حصلت مطلع عام 2000 بين اصوليين لبنانيين من جماعة "التكفير والهجرة" كان يقودهم اللبناني بسام كنج "ابو عائشة"، والجيش اللبناني. وعمدت "عصبة الانصار" الى حمايتهم وتسليحهم، وصار اللبناني غاندي السحمراني "المعروف بـ "أبو رامز الطرابلسي" مسؤولهم الاول وهو من الذين كانوا فروا الى المخيم بتهمة المشاركة في اغتيال الشيخ نزار الحلبي (مسؤول الاحباش). حتى ان عدداً كبيراً من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين المؤمنين بمبدأ "التكفير والهجرة"، تركوا مجتمعاتهم و"أنظمتهم الكافرة" وانضموا الى اصوليي عين الحلوة كاللبناني بديع حمادة (من مواليد القماطية) الذي اعدمته السلطات اللبنانية، بتهمة قتل ثلاثة عسكريين لبنانيين، وغيره من اصوليين من جنسيات مختلفة.
بات مخيم عين الحلوة مركزاً لتدريب الخلايا والشبكات الاصولية الناشطة في تنظيمات تدور في فلك "القاعدة"، وكانت اوساط امنية لبنانية اكدت لـ "النهار": انه خلال التحقيقات التي جرت مع المسؤول الاصولي اليمني معمر عبدالله العوامي الملقب "ابن الشهيد" والذي اعتقل بتهمة تفجير مطعم "الماكدونالدز" في منطقة الدورة في بيروت في 5/4/2003، اكد انه كان يلتقي في مخيم عين الحلوة بمسؤولين أصوليين عرب من تنظيم "القاعدة" من بينهم "ابو صالح المصري، ابو خالد الجزائري، ابو محمد المصري...".
ويؤكد محمد. ج (فلسطيني من عين الحلوة) "ان تدريبات الاصوليين تجري في منطقة النفق في المخيم، وفي حي الطوارىء، والصفصاف باشراف مدربين عسكريين من جنسيات مختلفة، من بينهم عدد من المدربين الاصوليين الفلسطينيين، وبات للاصوليين مساجدهم ومعاهدهم الدينية، ومؤسساتهم ومخيمات تدريبهم، اضافة الى امتلاكهم محطات اذاعية محلية على نطاق ضيق، وبات الانترنت الوسيلة الفضلى في تواصلهم مع قياداتهم في الخارج. فمن خلاله يتلقون التعليمات والارشادات والنشرات الدورية، مستخدمين الرسائل المشفرة المتطورة وفق انظمة اتصال الكترونية حديثة، يديرها خبراء في علم الاتصالات الالكترونية".
ويتمتع الاصوليون بتعاطف من جهات دينية تصنف في خانة الاعتدال، كـ"الحركة الاسلامية المجاهدة" التي يترأسها الشيخ جمال خطاب، و"معهد مرشد الديني" الذي يتولى ادارته الشيخ عبدالله حلاق، فيما يعتبر الشيخ ماهر حمود الاب الروحي للجميع وصمام الامان في اي خلاف بين التنظيمات والفصائل، وهو يلعب دور الاطفائي في مشاكل كثيرة، وعلى تنسيق دائم مع الجهات السياسية والسلطات الامنية اللبنانية، وكان حمود شارك في تأسيس "الجماعة الاسلامية" في صيدا، وتولى مسؤوليات عدة فيها واهمها تأسيس "رابطة الطلاب المسلمين" – فرع الجنوب ما بين العامين 1971/1979، وهو خريج كلية الشريعة في جامعة دمشق، عمه الشيخ محمد انيس سليم حمود الذي كان مفتي صيدا والجنوب.
التطورات العسكرية، والحوادث الدائرة في العراق، أرخت بتأثيراتها على اصوليي عين الحلوة، فشهد المخيم عمليات انتقال لعدد كبير من الاصوليين من المخيم الى سوريا، ومنها الى العراق، للمشاركة في العمليات العسكرية الى جانب جماعة الزرقاوي، و"الجهاديين"، وقُتل عدد كبير منهم على ارض العراق أثناء المواجهات، من بينهم الشيخ صالح قبلاوي، الذي كان يعتبر احد مساعدي ابو مصعب الزرقاوي، ومحمد الهيتي، ومحمد البرشلي، ونجل الشيخ جمال سليمان مسؤول "انصار الله" وغيرهم... حتى ان الاوساط تقدر عدد الذين قتلوا من ابناء مخيمي عين الحلوة والرشيدية في العراق، بحوالى عشرين شاباً حتى اليوم، من بينهم ابناء او اشقاء لمسؤولين في احزاب وتنظيمات اسلامية فلسطينية.
وتشير تقارير امنية الى تحويلات مالية يتلقاها الاصوليون من مشايخ وشخصيات اصولية مقيمة في لندن والدانمارك والمانيا وعدد من دول الخليج العربي، تصل الى ارقام حسابات مصرفية سرية، فضلاً عن تحويلات مالية يتولاها عدد من كبار المسؤولين الاصوليين من تنظيم "القاعدة". وخلال التحقيقات مع اليمني معمر العوامي "ابن الشهيد" في وزارة الدفاع اللبنانية، اكد ان الفلسطيني امين انيس ديب "ابو عبدالله"، كان من الممولين لمعظم العمليات الارهابية التي قام بها الاصوليون في لبنان، وعدد من الدول، وهو أرسل اموالاً لعدد من التنظيمات والخلايا الاصولية، استخدمتها في شراء سلاح وفي اعداد وثائق، وهويات، وجوازات سفر مزورة.
نضج سياسي
وفي الفترة الاخيرة، لوحظ ان تنظيم "عصبة الانصار" وصل الى مرحلة من النضج السياسي، وبات من التنظيمات التي تشارك مع الفصائل الفلسطينية في معظم القضايا واللقاءات التي تهم المخيم وامنه وامن الناس، فضلاً عن تجاوبه الى حد ما مع قرارات تتخذها الجهات الامنية اللبنانية الرسمية. اذ يؤكد مسؤول في "العصبة" انه "يهمنا ان نؤكد ان الحفاظ على امن المخيم ودماء الاطفال والنساء هو من الدين الذي نحرص على اظهاره، والتقرب الى الله عز وجل بالحفاظ على امن الناس وسلامتهم، وان امننا في المخيم هو من امن الجوار، ونحن حريصون على امن لبنان وشعبه، وكل الذين يقفون صخرة في وجه مخططات البيت الابيض وتل ابيب".
واذا كانت "العصبة" قد بلغت مرحلة النضج والهدوء والبراغماتية، الا ان تنظيم "جند الشام"، مازال يشكل عبئاً على الوضع الامني في المخيم، لا بل ان ظهور هذا التنظيم عام 2004 اثار شكوك كثيرين من المسؤولين في التنظيمات الفلسطينية حول خلفيته والجهات التي تحركه، خصوصاً بعد ارتباط اسم "جند الشام" بتفجيرات واغتيالات حصلت في مخيم عين الحلوة، واعتبر بيان صدر عن "فتح"، و"منظمة التحرير الفلسطينية" خلال اجتماع طارىء عقدته في تموز 2004 لمعالجة اشكالات امنية بين "جند الشام" و"الكفاح المسلح" ان "جند الشام" عبارة عن مجموعة صغيرة لديها ارتباطاتها بالعدو الصهيوني، وهي موتورة جاءت من خارج المخيم وتقوم بأعمال تخريبية. وكان العميد سلطان ابو العينين قد اتهم "جند الشام" بالعمل لمصلحة "الموساد" الاسرائيلي مؤكداً ان تاريخ "ابو يوسف شرقيه" (مسؤول "جند الشام" وقتذاك)، معروف للجميع، وهو من المشكوك في ولائهم...".
التنسيق الأمني والعسكري قائم بقوة بين "جند الشام" و"فتح الاسلام"
ما علاقة هذين التنظيمين بالاستخبارات السورية ومهماتها في لبنان؟
يؤكد الدكتور محمد (وهو مسؤول فلسطيني سابق في حركة فتح) "أن ظهور تنظيم "جند الشام" جاء مع وصول الفلسطيني محمد احمد شرقية "ابو يوسف" الى مخيم عين الحلوة، من مخيم نهر البارد مع عائلته منذ عشر سنوات، ليعلن ظهور "جند الشام" الذي ضم كوادر وعناصر كانت تنشط تحت اسم "عصبة النور"، التي ضعف نشاطها بعد اغتيال مسؤولها عبدالله الشريدي، كما ضم تنظيم جند الشام عناصر سابقة من "حركة فتح – المجلس الثوري" (جناح صبري البنا الذي قتل في العراق عام 2002).
منذ الاعلان عن تنظيم جند الشام، انضمت اليه العناصر الاصولية اللبنانية المعروفة بـ"جماعة الضنية"، وبدأ تنظيم "جند الشام" ينشط في احياء الصفصاف والصفوري والسكة والطوارىء في عين الحلوة، وبدأ مسؤولوه باصدار بيانات تضمنت انتقادات لاذعة لحركة "حماس"، وللشيخ احمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ولايران، والسيد حسن نصرالله، و"حزب الله"... وباشرت حركة "فتح" حملاتها العسكرية لطرد عناصر هذا التنظيم من المخيم. هذا الضغط العسكري المستمر ادى بمسؤول "جند الشام" ابو يوسف شرقية الى اعلان استقالته من مسؤولية التنظيم متذرعاً بوضعه الصحي المتردي، والى التوقف عن ممارسة اي نشاط سياسي او عسكري".
ويتابع الدكتور محمد: "الا ان تنظيم "جند الشام" استمر في نشاطه بعدما ان اصبح الشيخ اسامة الشهابي في مثابة (امير التنظيم)، وعماد ياسين ياسين (المسؤول التنظيمي) واللبناني غاندي السحمراني المسؤول العسكري، وهو مسؤول "جماعة الضنية" التي انضمت الى "جند الشام".
لمحة تاريخية
وترسم الزميلة فاطمة حوحو لمحة تاريخية عن تأسيس "جند الشام" بقولها: "في العام 1999 انطلق ابو مصعب الزرقاوي الى افغانستان مع اسرته ومجموعة من اتباعه ليقيم معسكراً تدريبياً في هيرات لمن اطلق على تجمعهم "جند الشام"، والذين قدموا من فلسطين ولبنان وسوريا، والاردن. واعتمد الزرقاوي على عبد الهادي دغلس وخالد العاروري لاستقطاب المتدربين الاسلاميين من بلدانهم والمهجر. اختفى العاروري في ايران على ما قيل، وانقطعت صلته بالزرقاوي، بينما قتل دغلس في معارك العراق، ليعلو اسم الطبيب السوري سليمان درويش المسمى بأبو الفادية الشامي، ليصبح القائد التنفيذي للتنظيم في العراق. عاد الخليط الشامي الى بلاده، ومنها الى مخيمات اللاجئين في شمال لبنان وجنوبه يحملون معهم مشروعاً "جهادياً". واتخذت هذه المجموعة من منطقة التعمير التحتاني في صيدا مقراً لها، والتي اصبحت مركزاً لمنظمات "الجهاد " المتشددة لارسال متطوعين الى العراق يحملون وثائق مزورة ويتمتعون بقدرات مادية ولوجستية كبيرة. ولا شك في ان الجميع تسلل براً الى لبنان عن طريق سوريا. وبرز اسم جند الشام الى الواجهة السياسية بقوة عندما اغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اذ ظهر المدعو "ابو عدس" ليعلن مسؤوليته عن الجريمة مع تسرب انباء من دمشق عن القبض على شبكة مسلحة من "جند الشام". وفي العام 2005 تكشفت معلومات عن مجموعات من "جند الشام" تنشط في لبنان وسوريا هدفها القيام باعتداءات تهز اوروبا، تعمل لمصلحة تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" الذي يرأسه الزرقاوي، وقد تدربوا على يد "أبو حفصة اللبناني". اما الشعارات التي طرحوها فهي ضرب فرنسا بسبب تدخلها في سوريا ولبنان واستصدارها "القرار الاستعماري" 1559، الذي سيكون مقدمة لاحتلال سوريا ولبنان"... وكان لافتاً وصف "جند الشام" في احد بياناتها الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ديتليف ميليس بأنه " ضابط موساد اسرائيلي وكاذب" وانها "لن تتورع عن حفر قبور الغرباء" .
وفي الفترة الاخيرة، ومع بروز ظاهرة "فتح الاسلام"، بدا واضحاً ان هناك ما يشبه التحالف بين "جند الشام" و"فتح الاسلام"، لا بل ان البعض ذهب الى اعتبار "فتح الاسلام" في مثابة الاسم الحركي لـ"جند الشام".
فتح الاسلام
ظهور "فتح الاسلام" في الشمال اللبناني، بيّن ان السلاح الاصولي بدأ بالتمدد والانتشار في عدد من المخيمات الفلسطينية وحتى في مناطق لبنانية، ولم يعد محصوراً في مخيم عين الحلوة. لكن ظهور "فتح الاسلام" المفاجىء اثار الريبة والشكوك لعدد من الاوساط الامنية والسياسية التي انكبت على معرفة خلفية هذا التنظيم واهدافه.
الظهور الاول لـ"فتح الاسلام" بدأ بعد اشتباك مسلح حصل في مخيم البداوي في الشمال، في اواخر شهر تشرين الثاني 2006، بين عناصر من الكفاح المسلح الفلسطيني، وجماعة منشقة عن حركة "فتح الانتفاضة" (ابو موسى) التي دعمتها سوريا عام 1983 في وجه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. وادت الاشتباكات الى مقتل شخص وجرح اثنين بينهما محمد صالح السالم الذي تردد انه كان ينتمي الى "عصبة الانصار"، وانتقل مع عائلته الى مخيم البداوي. في الوقت نفسه ترددت معلومات اولية اكدت أن المجموعة التي اشتبكت مع الكفاح المسلح الفلسطيني تابعة لـ"جند الشام". كما افيد بان حوالى 13 مسلحاً اصولياً فروا من البداوي الى مخيم نهر البارد بعد الاشتباكات، من هؤلاء عناصر من جنسيات باكستانية، كانوا قد جاءوا الى المخيم عبر سوريا باسم جماعة اهل الدعوة والتبليغ، اضافة الى مصري وعراقيين وسوريين وفلسطيني ولبنانيين... واعلنت مجموعة فلسطينية في نهر البارد البيان الرقم واحد اكدت فيه انها انفصلت عن حركة "فتح الانتفاضة" تحت اسم "فتح الاسلام"، وقدرت الاوساط الامنية عدد عناصر هذه المجموعة بحوالى 300 عنصر مسلحين بأسلحة حديثة ومتطورة، بينهم نساء وفتيات مسلحات من زوجات وقريبات المسلحين. وسيطرت عناصر "فتح الاسلام" في مخيم نهر البارد، على موقع صامد القريب من شاطىء البحر، وتبلغ مساحته حوالى الـ 1000 متر، احيط بسواتر من الاسمنت المسلح، ويعتبر هذا الموقع المؤلف من طابقين ومستودعات للسلاح والذخائر والصواريخ، مقر قيادة "فتح الاسلام". كما سيطرت عناصر "فتح الاسلام" على بناية اللجنة الشعبية الواقعة على المدخل الرئيسي للمخيم من جهة الشمال، وعلى مكتب "فتح الانتفاضة" في الشارع الرئيسي للمخيم.
وبدأت وسائل الاعلام تتداول اسم قائد "فتح الاسلام"، وهو العقيد شاكر العبسي (ابو حسين)، وهو طيار فلسطيني اردني، سبق وان انشق عن حركة "فتح" (بقيادة ابو عمار) عام 1983، وظهر العبسي في العراق حيث كان نائباً لابرهيم صالح القبلاوي الذي قتل مع ابو مصعب الزرقاوي، والقبلاوي من مخيم عين الحلوة في لبنان. واكدت السلطات السورية انها كانت اعتقلت العبسي لانتمائه الى تنظيم القاعدة لتطلق سراحه فيما بعد، ولكن العبسي الذي اكد حقيقة اعتقاله في سوريا نفى ان يكون سبب اعتقاله في سوريا هو انتماؤه الى "القاعدة" مؤكداً "نعم كنت مسجوناً في سوريا، ولكن التهم التي قيل انها سبب الحكم الذي صدر في حقي ليست صحيحة، فلم اسجن بسبب انتسابي الى "القاعدة" على الاطلاق، ومن حقق معي هو نفسه وزير الداخلية اليوم شخصياً (اللواء بسام عبد المجيد)، ولم ينبس بكلمة "القاعدة" البتة. التهمة كانت محاولة تنفيذ عملية في الجولان، كنا مجموعة تحمل اسلحة في الجولان، هذه هي التهمة، وقد حكمت فعلاً بتهمة حيازة السلاح ونقل السلاح الى فلسطين".
وكانت اوساط عراقية ذكرت ان الفلسطيني الاردني شاكر العبسي، محكوم عليه بالاعدام في الاردن لارتكابه جريمة اغتيال ديبلوماسي اميركي هو لورنس فولي باطلاق النار عليه امام منزله في عمان في 28 تشرين الاول 2002، وكان الديبلوماسي الاميركي يعمل في "الوكالة الاميركية للتنمية الدولية". وطالبت عمان السلطات السورية بتسليمها العبسي الذي كان مسجوناً لديها، الا ان السوريين رفضوا طلب الاردن، لا بل اطلقوا سراح العبسي عام 2005 وانتقل الى معسكر تدريب لـ"فتح الانتفاضة" يقع في البقاع في منطقة حلوة قرب راشيا، ثم انتقل الى معسكر آخر في منطقة قوسايا في البقاع الاوسط ليتولى تدريب مجموعات عسكرية حملت لاحقاً اسم "فتح الاسلام".
ويؤكد المسؤول الفلسطيني احمد. ع: "ان العبسي انتقل في 9 ايلول 2006 الى مخيم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية في بيروت، وعمل على تشكيل مجموعات وخلايا انتقل بعدها في اوائل شهر تشرين الاول الى البداوي في الشمال، ومنها الى مخيم البارد بعد حصول حوادث البداوي واعتقال عنصرين من "فتح الاسلام" اعترفا بعلاقة التنظيم بالمخابرات السورية". ويتابع المسؤول الفلسطيني: "ان التطورات اللاحقة التي اعقبت ظهور فتح الاسلام، والتي تردد ان وراء قيامها احد مسؤولي "فتح الانتفاضة" ابو خالد العملة المقيم في دمشق، وقيام الاستخبارات السورية بعدها بوضع العملة تحت الاقامة الجبرية وارغامه على تقديم استقالته من "فتح الانتفاضة" اظهرت فعلاً علاقة "فتح الاسلام" بالاستخبارات السورية، التي عمدت الى هذه التدابير للايحاء أن "فتح الاسلام" تنظيم يختلف عن "فتح الانتفاضة"، وان لا علاقة لسوريا بهذا التنظيم.
اما الزميلة فاطمة حوحو فقد اعتبرت انه في محاولة للهروب الى الامام في موضوع الاغتيالات التي تحصل في الساحة اللبنانية بشّرت الاستخبارات السورية بدخول جماعات من "فتح الاسلام" الى مخيم نهر البارد ليتبين بعد ذلك ان هؤلاء، الذين قيل عنهم انهم مجموعات لـ "القاعدة" تريد الجهاد في العراق وتحرير فلسطين، وجاء بعضهم هرباً من مخيم عين الحلوة، ينسقون نشاطهم مع حركة "فتح الانتفاضة" بتغطية من الاستخبارات السورية. وبرزت هذه الحركة عندما جرى الكشف عن مخطط لاغتيال 36 شخصية لبنانية. وقد اطلق وزير الخارجية السوري وليد المعلم حينها تحذيراً من دخول مجموعات لتنظيم "القاعدة" الى لبنان، ليتبين نتيجة التحقيقات الامنية ان هذه المجموعات تنتمي الى "فتح الانتفاضة"، وهي تضم 200 عنصر... واوضحت التحقيقات ان هذه المجموعة تابعة لمحمود غولاغاسي احد اهم عملاء الاستخبارات السورية.
وتنقل حوحو استغراب المعارضين السوريين "ان يكون العبسي قد اعتقل ثلاث سنوات فقط ليطلق في ظل النظام القائم على حكم قانون الطوارىء، مما يؤكد انه ربيب الاستخبارات السورية، وقد ارسل الى لبنان في تشرين الثاني 2006 ليؤسس ما سمي "فتح الاسلام" للقيام باعمال تخريب واغتيالات ولعل هذا ما تم كشفه عندما تبين علاقة هذا التنظيم بتنفيذ جريمة التفجير التي حصلت في عين علق".
جريمة عين علق
جريمة عين علق التي اعتبر كشف المتورطين فيها انجازاً كبيراً للاجهزة الامنية اللبنانية، والتي اظهرت التحقيقات فيها تورط عناصر من "فتح الاسلام" بهذه الجريمة، أكدت الشكوك حول طبيعة هذا التنظيم ومهمته التخريبية في لبنان وحقيقة الجهات التي تقف خلفه، وذلك رغم نفي المسؤول الاعلامي في "فتح الاسلام" ابو سليم طه مسؤولية "فتح الاسلام" عن جريمة عين علق، ونفي وزير الخارجية السورية وليد المعلم، ووزير الداخلية السورية اللواء بسام عبد المجيد اي علاقة لسوريا بهذا التنظيم، واعتبار ذلك يندرج في اطار حملة الافتراءات والتلفيقات المبرمجة ضد سوريا خدمة لمشروع اجنبي يستهدف زعزعة الاستقرار في لبنان وتخريب علاقاته مع سوريا ومحيطه. فيما اعتبر مسؤول "فتح الاسلام" شاكر العبسي ان هناك استهدافا لـ"فتح الاسلام" مؤكداً "نحن مستهدفون لاننا نرفع راية لا اله الا الله، وهناك حساسية من هذه الراية ويعتبرونها خطراً حقيقياً على دولة اليهود".
تنسيق فتح الاسلام لا يقتصر فقط على "جند الشام" و"عصبة الانصار"، بل مع كل "المجاهدين المسلمين" كما يؤكد العبسي "... الامر ليس مقتصراً على "عصبة الانصار" ولا على "جند الشام"، واذا تعرض مسلم لاعتداء يكون واجب النصرة على كل من يقول لا اله الا الله ، وسترون هذا فعلاً اذا تعرض هذا المخيم ( البارد) لاي ضربة من اعداء الله، لان النصرة ستكون واجبة على كل مسلم، وهم جاهزون لذلك".
وفي مجال آخر ينفي العبسي ان تكون قوة "فتح الاسلام" محصورة بحوالى 200 عنصر مؤكداً: "نحن لسنا 200 مقاتل، سيكتشفون لاحقاً كم هو العديد الفعلي للحركة، ولكن في هذا السياق اود ان أقول اننا لو كنا 50 فنحن لا نعتمد على العدد ولا على العدة، ولو اعتمدنا هذه المعايير لبقينا في بيوتنا انما اعتمادنا على الله سبحانه تعالى".
وما زالت "فتح الاسلام" الى اليوم تسيطر بقوّتها على مخيم نهر البارد، وسط حصار عسكري محكم للجيش اللبناني على هذا المخيم، وفي ظل فشل المبادرات الفلسطينية لابعاد عناصر فتح الاسلام عن المخيم الى خارج لبنان. واعلن ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت عباس زكي بان المنظمة "اتخذت تدابير لعزل مجموعة "فتح الاسلام" المتطرفة والمتحصنة في مخيم نهر البارد. وان المنظمة عينت قيادة عسكرية جديدة وشكلت قوة تدخل مشتركة ورصدت مساعدات مالية لسكان مخيم نهر البارد واعادت تنشيط الخدمات الطبية والاجتماعية بهدف محاصرة انشطة الاسلاميين" وابدى زكي استعداد المنظمة لتقديم اي مساعدة الى الجيش اللبناني الذي يحاصر مخيم نهر البارد منذ آذار الماضي. وطالب زكي بتحسين الظروف المعيشية لنحو 410 آلاف لاجىء فلسطيني مسجلين في لبنان... وذلك لقطع الطريق على الاسلاميين.
وتتردد معلومات عن وجود قرار لدى السلطات اللبنانية بإخراج عناصر "فتح الاسلام" بالقوة من مخيم نهر البارد بالتنسيق والتعاون مع منظمة التحرير وعدد من الفصائل الفلسطينية. في المقابل فان التقارير الامنية ترصد بدقة عملية انتقال عناصر اصولية من جند الشام من مخيم عين الحلوة الى البارد، للانضمام الى "فتح الاسلام" ومؤازرتها، اضافة الى استمرار دخول مجموعات اصولية من جنسيات مختلفة من سوريا، الى المخيم عبر طرقات برية غير شرعية على الحدود السورية – اللبنانية. تؤكد اوساط امنية لبنانية ان "التنسيق الامني والعسكري بين "فتح الاسلام" و"جند الشام" قائم بقوة، وان متابعة المعلومات ومقاطعتها في هذا المجال اكدتا، قيام المسؤول الاصولي شهاب خضر قدور، بنقل اسلحة وذخائر الى نهر البارد ونقل عناصر اصولية واعتدة والبسة عسكرية، كما ان الشيخ اسامة الشهابي (مسؤول "جند الشام") يعمل على تشكيل مجموعات وخلايا من "جند الشام"، مهمتها التحرك عسكرياً وامنياً في عدد من المخيمات الفلسطينية، بهدف تخفيف الضغط العسكري عن تنظيم "فتح الاسلام" في حال تعرضه لأي هجوم".
تؤكد تقارير امنية غربية ان لـ"فتح الاسلام" اتصالات مستمرة مع مسؤولين اصوليين في تنظيم "القاعدة" من بينهم السوري سليمان درويش، وخالد سعيفاني، وامين ديب... وان التنظيم يتلقى دعماً مالياً منظماً، في الوقت الذي يضم فيه هذا التنظيم مجموعة كبيرة من الاصوليين السوريين الذين ينعمون برعاية استخباراتية سورية، نظراً الى تقارب المصالح والتصدي "لعدو مشترك". وتخشى التقارير والاوساط الامنية، خصوصاً بعد القاء القبض على مجموعات اصولية لـ"القاعدة" في لبنان، ان يكون هناك مخطط اصولي يلقى دعماً من دول اقليمية هدفه التعرض للقوات الدولية، واجبارها على الانسحاب من لبنان، ما يؤدي الى انهيار القرار 1701، والى "عرقنة" البلد وادخاله في النفق المظلم. والسؤال الذي يطرح نفسه: الى متى سيظل هذا الوطن ساحة لحروب الآخرين، والى متى سيظل السلاح، سواء داخل المخيمات الفلسطينية او خارجها، عامل بلبلة وقلق، ومصدر خطر وتهديد؟ ومتى يحق للسلطة اللبنانية ان تفرض سيطرتها على كل لبنان، والا يبقى على ارض هذا الوطن المعذب الا السلاح الشرعي تماماً كما في سوريا... وبقية الدول العربية؟!
تعليقات: