اعتصام المعارضة وسط بيروت
عام 2007 هو عام الفوضى السياسية التي ليس لها سابقة منذ تاسيسه فـي عام 1925، فهي فوضى بامتياز. فكرسي رئاسة الجمهورية شاغرة بعدما انتهت ولاية الرئيس اميل لحود ومرت المهلة الدستورية دون انتخاب رئيس ومجلس النواب معطل ومقفل ابوابه والحكومة مبتورة باستقالة خمسة وزراء شيعة واخر ارتوذكسي منها لنزع عنها الشرعية الدستورية.
هذا هو لبنان في العام 2007 منقسم على نفسه ومنخرط ابناؤه في معركة سياسية طاحنة منذ العام 2005 تاريخ مقتل الرئيس رفيق الحريري. هو اليوم لبنانان: لبنان المعارضة المتهمة بالولاء للمحور السوري الايراني، ولبنان الاكثرية المطعون بوطنيتها لولائها للامريكي. هذا هو حال لبنان تشرذم وانقسامات واتهامات وتشكيك بالوطنية..
ويواجه لبنان اليوم تحديات جديدة وخطيرة في آن. فالعام 2007 ورث تركة ثقيلة عن العام 2006 الذي شهد اعنف حرب عسكرية واقتصادية اسرائيلية ضد لبنان، وصحيح انها انتهت بانتصار تاريخي لحزب الله الا انها زادت من حدة الانقسام الداخلي اللبناني الذي بلغ ذروته في العام 2007 وباتوا معسكرين متناقضين يصعب اللقاء بينهما وانعكس ذلك على الارض حين كادت شرارة احداث جامعة بيروت العربية في الثالث والعشرين من يناير كانون الثاني اثر خلاف سياسي بين طلاب ينتمون الى المعسكرين المتناقضين الى اشعال الحرب الاهلية من جديد. لكن الجيش اللبناني الذي استطاع اثبات قدرته على الفصل بين الجانبين سابقا ابعد الكأس المرة عن لبنان واعاد الاوضاع الى طبيعتها.
لم تكن احاث الجامعة العربية سوى عنوانا من عناوين انعكاس الازمة على الارض وتداعياتها وهشاشة الوحدة الوطنية اللبنانية التي يتغنى بها اللبنانييون دائما لكنها في حقيقة الامر متفسخة الى حد بعيد قد يطاح بها في اية لحظة، في هذا الجو السياسي المتوتر واصلت المعارضة اطلاق النار على حكومة السنيورة التي تنعتها بغير الشرعية واللادستورية واستمر انصارها بالاعتصام وسط العاصمة بيروت الذي يعتبر قلبها النبض اقتصاديا وعلى مقربة من مكان الاعتصام مجلس النواب اللبناني ومقر الحكومة ومؤسسات اقتصادية حيوية.
ولان التوافق والتلاقي اللبناني صعب ذهبت حكومة السنيورة الى مؤتمر باريس 3 الذي عقد من اجل منح لبنان مساعدات مادية واقتصادية وهي تحمل ورقة اصلاحية مرفوضة من المعارضة ومثقلة بسهام الاتهامات عن مغزى انعقاد المؤتمر وابعاده السياسية والاقتصادية والثمن الذب على لبنان دفعه مقابل الحصول على دعم مالي واقتصادي. وقد اعلنت الدول المساهمة في المؤتمر تخصيص مبلغ 5 مليارات كقروض وهبات ومشاريع اقتصادية لمساعدته على تخطي الازمة الاقتصادية التي تعصف به لتضيف الى الازمة السياسية المزيد من التعقيد.
في حقيقة الامر ليس اللبنانيين يمسكون هم وحدهم الذين بادوات الخلاف بينهم وانما هناك الايراني والسوري من جهة والامريكي من جهةاخرى معيدين بذلك الدور التقليدي للبنان على انه ساحة صراعات وتصفية حسابات اقليمية ودولية، ولذلك يصبح من الصعب الكلام عن توافق لبناني طالما ان الاشتباك الاقليمي الدولي مستمر.
ووسط المشهد السياسي التصعيدي ضرب الارهاب ضربته الاولىوفق النموذج العراقي حيث استهدف حافلنين مدنييتين في منطقة عين علق في جبل لبنان قبيل يوم واحد من احتفال لبنان بالذكرى الثانية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط فبراير 2005 وقد ادى الحادث الى مقتل تسعة مدنيين. ومع ان الخسائر البشرية كبيرة الا ان المخاوف كانت من الاسلوب الذي اتبعه الارهابييون والذي اشاع مخاوف بين اللبنانيين من ان تكون القاعدة او التنظيمات المشابهة لها قد اتخذت من لبنان ساحة لها بحيث يضاف الى التعقيد السياسي الحاصل واقع امني خطير يشل البلاد بشكل كامل بعدما اصابها بالشلل الانقسام السياسي الذي تجسد في القمة العربية في الرياض حيث ذهب لبنان الى القمة العربية في الرياض منقسما وبموقفين واحد يمثله رئيس الجمهورية اميل لحود واخر يمثله رئيس الحكومة فؤاد السنيورة. ووسط هذا المشهد السوداوي تحركت المساعي العربية ولاسيما مساعي المملكة العربية السعودية ونجحت في ضبط الاحتقان المذهبي والحؤؤل دون تفجره. وبينما استمرت المعارضة في مقاطعة حكومة السنيورة والحكومة تقاطع رئيس الجمهورية ومجلس النواب معطل فجر تنظيم فتح الاسلام الارهابي الوضع الامني في مخيم نهر البارد في شمالي في الشمال لكن الجيش اللبناني استطاع التغلب على هذا التنظيم ودخول مخيم نهر البارد بعد معارك استمرت ثلاثة اشهر تقريبا وانتهت في اول سبتمبر، قدّم فيها الجيش اكثر من 180 شهيدا و500 جريح لكن زعيم تنظيم فتح الاسلام شاكر العبسي استطاع الفرار الى جهة مجهولة. هذا التطور الامني ترافق مع اقرار مجلس الامن الدولي محكمة الحريري تحت الفصل السابع وعودة الاغتيال الى الساحة باغتيال نائبين من 14 اذار مارس هما وليد عيدو وانطوان غانم. لكن التطور الامني الاخطر تمثل باستهداف اليونيفيل في جنوبي لبنان مما ادى الى مقتل 6 عناصر من القوة الاسبانية بعد تفجير اليتهم في سهل الخيام على الحدود الاسرائيلية اللبنانية.
على الصعيد السياسي كان يقترب موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية اميل لحود دون الاتفاق على خلف، وفي ظل تازم الواقع السياسي بين المعارضة والموالاة، وقد خطا رئيس المجلس النيابي نبيه بري خطوة في اتجاه تمرير الاستحقاق الرئاسي باطلاقه مبادرة سحبت فيها المعارضة شرطها الاستباقي بتشكيل حكومة وحدة وطنية قبل انتخاب الرئيس. لكن على مايبدو المشكلة ابعد من ذلك بحيث لم تنفع لقاءات حوارية عديدة بين بري والنائب سعد الحريري في الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية ودخلت المهلة الدستورية للانتخاب في الثالث والعشرين من سبتمبر ايلول لكن ايضا دون انتخاب رئيس حيث اجلت الى موعد اخر وهكذا دواليك.
لكن المفاجأة التي اربكت المعارضة كانت في اعلان الموالاة ترشيح العماد سليمان لرئاسة الجمهورية والموافقة على تعديل الدستور الا ان المعارضة التي لاقت الموالاة في منتصف الطريق باعلانها هي ترشيح سليمان ربطت الترشيح بسلة من التفاهم السياسي على مرحلة مابعد انتخاب الرئيس وهو مارفضته الموالاة واعتبرت ان الانتخاب اولا ولكل حادث حديث. ولذلك لم تؤد عشر جلسات للمجلس النيابي حتى الان ى الى انتخاب سليمان رئيسا الذي حظى كرئيس باجماع وطني بفعل النجاحات التي حققها العام 2007 وما قبله من خلال الأداء المسئول واجتياز اختبارات ومهام صعبة ودقيقة حيث خاض شمالا حربا مفتوحة ضد (منظمة فتح الاسلام الفلسطينية) وجنوبا بالقرب من الحدود مدعوما من قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب ووسطا حيث يتولى الجيش مهام الأمن في "بيروت الكبرى"، مؤكدا في أكثر من تجربة أنه صمام الأمان وضامن الوحدة الوطنية وضابط ايقاع الصراع الطائفي السياسي بما يحول دون تفجره في الشوارع. وفى هذا الصدد، قال النائب ميشال عون زعيم المعارضة المسيحية القريب من حزب الله إنه لا يبدو عمليا أن خيار "التوافق" سهل ومضمون، وإنما تعترضه عقبات وخلافات حول البرنامج السياسي للمرحلة المقبلة مع ما يعنيه ذلك من توافق على سلة واحدة تشمل إلى رئاسة الجمهورية رئاسة الحكومة التي تليها تركيبه للحقائب الوزارية وبيانا للحكومة. وفي ظل هذا التناتع بين المعارضة والموالة تعرضت مؤسسة الجيش لضربة موجعة باستهداف مدير العمليات اللواء فرنسوا الحاج الذي كان مرشحا لتولي قيادة الجيش فيما لو انتخب العماد سليمان رئيسا للجمهورية. وجاءت العملية الارهابية النكراء تأتى فى لحظة حيوية يستمر فيها الفراغ فى رئاسة الجمهورية وزرع الفتنة بين اللبنانيين. فيما تستمر قوى المعارضة اعتصامها في وسط بيروت بهدف اسقاط حكومة الاكثرية النيابية التي تعتبرها "فاقدة للشرعية الدستورية على وقع ان الساحة اللبنانية هي عبارة عن مسرح تحتشد فوقه قوى سياسية دولية وإقليمية عادة ما تتحلى بالوجه المحلي من خلال تحالفات ومواقف الأطراف الداخلية، وهو ما يجعل في كل حقبة زمنية تهتز فيها منطقة الشرق الأوسط عرضه لمآزق جديد وصراعات داخلية طرفيها معسكرين وجبهتين.
على صعيد اخر تمثل هجرة اللبنانيين التحدي الابرز اليوم بسبب النزف الهائل للموارد البشرية، حيث يوجد 11 مليون لبناني في جميع اصقاع العالم، من أصل 15 مليونا، وهو عدد اللبنانيين الاجمالي. حين ان 68 المائة من اللبنانيين المقيمين ينتظرون تأشيرة الهجرة بنفاد صبر. وقد اصبحت الهجرة 'جزارا وطنيا'، وان المشاكل هي أكثر ما يدفع الشباب الى الهجرة من ناحية أخرى، أصبحت تنافسية الاقتصاد اللبناني في المنطقة ودوليا في أدنى مستوياتها.
تعليقات: