بلدة رميش
لم تنس البهجة أن تدخل بلدة رميش المفجوعة باستشهاد قائدها اللواء فرنسوا الحاج، رغم أن أجواء الأعياد اختفت على الاطلاق من البلدة، وحلّ بيع اللباس الأسود بديلاً عن اللباس الملون الذي اعتاد أهالي البلدة على شرائه في مثل هذه الأيام.
العلامة الفارقة في أعياد رميش فوز ابن عم الشهيد الحاج بالجائزة الكبرى للوتو اللبناني، والتي بلغت 720 مليون ليرة لبنانية، وبذلك تكون الجائزة قد حطّت للمرة الثانية على التوالي في بلدة رميش الجنوبية وللمرة الثالثة في قضاء بنت جبيل.
في أجواء الحزن العام لأهالي البلدة وحزن ابن العم الخاص، أنطوان الخوري الملقب بـ«الزغلول»، هو أحد أبناء عم الشهيد الحاج، ويعمل أستاذاً في التعليم الثانوي، فاز هو وزوجته بالجائزة الكبرى بعد شهرين متتابعين من السحب المنظّم لثماني شبكات تحمل الأرقام ذاتها. الزوجة لارا معوّض التي لم تخلع ثيابها السوداء بعد، هي التي اختارت الأرقام الفائزة، واتصلت بالمكتب الخاص ببيع أوراق اللوتو في البلدة، وطلبت منه إعادة سحب ذات الأرقام التي اعتادت على سحبها منذ شهرين، لكنه لم يتيسر لها أخذ الورقة من المكتب، الى أن أعلنت نتيجة السحب على التلفاز ليعرف صاحب المكتب إيلي شوفاني بالنتيجة قبلها ويتصل على الفور بزوجها أنطوان، لكنه لم يجده في منزله ففضل عدم الإعلان لأهالي البلدة عن صاحب الورقة الرابحة إلى حين علم أنطوان وزوجته بذلك، «خوفاً من توافد المهنئين إلى منزله وإرباكه، لكونه ابن عم الشهيد، وقد يزعجه ذلك».
فقرر إيلي ايصال الورقة الرابحة بنفسه إلى منزل أنطوان بعد علمه بمجيئه إلى المنزل.
ويقول أنطوان (30 عاماً) وله طفلان صغيران: «نحن نسحب اللوتو أقلّ من غيرنا بكثير من أبناء البلدة الذين اعتادوا على السحب بشكل لافت». فأهالي رميش يواظبون على سحب أوراق اللوتو بشكل غير عادي، فبعضهم يسحب أسبوعياً عشرات الشبكات، حتى الأطفال منهم يفعل ذلك، إذ تقول الفائزة لارا الحاج «حتى الذين يعانون من الضيق المادي يسحبون أسبوعياً العديد من شبكات اللوتو، وبعض الأطفال يحرمون أنفسهم من شراء الشوكولا لشراء اللوتو». فهذه العادة لم تأت من فراغ، فمنذ نحو عامين، فاز ابن البلدة جورج يعقوب بالجائزة الأولى التي بلغت نحو مليار ليرة لبنانية، وأيضاً فاز طوني أندراوس بالجائزة الثانية. وكلهم حسب أنطوان الحاج يسكنون في وسط البلدة قرب البركة القديمة.
ولا يخفي أنطوان حزنه الشديد على فقدان ابن عمه الشهيد اللواء الحاج، فيقول «كنت أفضل أن يبقى الشهيد حياً ولا أربح اللوتو، فالشهيد لا يثمن بملايين الدولارات لأنه شخصية لا تتكرر وقد فقدته هذه المنطقة المحرومة التي عانت الكثير وما زالت تعاني وتنتظر قدوم مثل الشهيد، فالفوز كان فرحة ناقصة والجو غير مناسب ولا يسمح للفرح والتهاني به».
ويذهب إيلي شوفاني إلى أن «أهالي رميش يتهافتون إلى شراء اللوتو، وبعضعهم يفضل الشراء من خارج البلدة نظراً لعدم انتقاده، لكون وضعه المادي سيئاً جداً. لذلك، نحن هنا نحافظ على السرية التامة لهوية المشترين وعدد الأوراق التي يسحبونها، حتى أنا من الذين يجدون في سحب اللوتو الفرصة الأولى والأخيرة لتحسين الوضع الاقتصادي السيئ، فلا يوجد في هذا البلد أي أمل بالأمان الاجتماعي، فقد سبق بعد الحرب أن فصلت من عملي الذي عملت فيه أكثر من خمس سنوات دون أي سبب يذكر، ولم تتكرم المؤسسة التي كنت أعمل فيها بأن تنذرني على الهاتف بذلك».
تعليقات: